رؤيتنا للمتغيرات

نشـاطـاتنا

إصـداراتنـا

وثـائـــق

دراســـات

خدمات مجانية

الدورات التدريبية

الشؤون الإسرائيلية

أحدث إصدارات 2010

التسـويـة السيـاسيـة

 التحديات والآفاق

الوطــــن البديـــل آفاق التطبيق وسبل المواجهة

القرن الإفريقي وشرق إفريقيا

الواقع والمستقبل

رسالة أوباما التصالحية والمطلوب عربيا

الفاتيكان والعرب، تحديات وآفاق في ضوء زيارة البابا للمنطقة

التداعيات القانونية والسياسية لانتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني

السياسات العربية في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي حتى عام 2015م

الأزمة المالية الدولية وانعكاساتها

 


انعكاسات سياسة المصادرة والاستيطان الإسرائيلية
على مستقبل القدس السياسي

جـواد الحـمد
5/11/2007
 

شكلت القدس ومنذ عصور البشرية الاولى منطقة مقدسة داتر حولها الاستقطاب والصراع والخلاف، ومن المؤكد على صعيد الفكر السياسي الفلسطيني والعربي أن قضية القدس لا تنفصل عن القضية الفلسطينية ككل ، ولان اخذت القضية باجزائها وجوانبها الاخرى الابعاد السياسية والانسانية والفكرية والاقتصادية ، فان مسالة القدس تاخذ البعد الديني العقيدي اضافة الى كل هذه الابعاد، وقد لعبت القدس كما تلعب اليوم الدور الاساسي في تحريك الصراع الاساسي في المنطقة، وحرصت الدول التي مثلت الحضارات التاريخية التي سادت على مر العصور في المنطقة على ان تكون القدس تحت سيطرتها، بل وعاصمة دولها.

حاولت اسرائيل منذ احتلالها الكامل للقدس عام 1967 تغيير البنية الديمغرافية والدينية في المدينة لصالح تغييب الهوية الحضارية الاسلامية والمسيحية عنها لصالح الادعاء التاريخيي لليهود بقدسيتها الدينية لديهم وخصوصا ما يتعلق باعادة بناء الهيكل على انقاض المسجد الاقصى.

ولم تنجح جهود العرب والمسلمين في اصدار قرارات الامم المتحدة المتتابعة لحماية  المسجد الاقصى ، كما لم تنجح وساطاتهم لدى الولايات المتحدة واووربا على مدى عقود في ذلك ، في حين ان عملية السلام والاتفاقات التي وقعتها الاردن والفلسطينيون ومصر لم تتمكن من تحقيق أي نوع من الحماية للاقصى والقدس ، بل شجعت الطرف الآخر على مزيد من التهويد واحكام السيطرة

 تلعب القدس كذلك دوراً رئيسياً في شرعية فلسطين، لا في نظر الفلسطينيين وحدهم، بل في نظر العرب والمسلمين عموماً. ذلك أن قيام دولة فلسطينية جديدة ليس لها وجود سيادي قادر على الحياة في القدس سوف يفتقر مؤكداً للشرعية الأساسية للدولة في نظر شعبها. ونلاحظ أنه بدون وجود سيادة فلسطينية مؤكدة وموثوقة في القدس، سيؤدي الى أن تعاني الدولة الفلسطينية الجديدة من عجز خطير في السيادة عند شعبها، وهو، بالإضافة لمشكلات أخرى، من شأنه أن يجعل ظهور حكم صالح ودولة مستقرة أمراً صعباً. وفي حال ارتبط قيام الدولة الفلسطينية بحل قضية القدس، كما يؤكد تقرير مؤسسة راند بخصوص بناء دولة فلسطينية ناجحة، فان قيام الدولة اصبح مشكوكا فيه على صعيد التوجهات الاسرائيلية الا بمقاس محدد يسمى "دولة" وما هو بدولة وفق القانون الدولي . 

اولا: سياسة الامر الواقع الاسرائيلية بالمصادرة والاستيطان

·        مكونات السياسة واهدافها السياسية

تتكون سياسة اسرائيل المتعلقة بالمصادرة والاستيطان وفق ما يلي :

-        السعي لمصاردة الاراضي الاميرية المملوكة للدولة اساسا لصالح الجيش والامور العسكرية

-        السعي لبناء مستوطنات واسعة ومنتشرة في كل الضفة الغربية وقطاع غزة بعد عام 1967 بهدف التهويد، واستيعاب المهاجرين

-        استملاك ومصادرة الاراضي اللازمة لتشكيل محيط حيوي لمعسكرات الجيش والمستوطنات فيما عرف بالحماية الطبيعية والطرق الالتفافية لتجنب مواجهة اعمال المقاومة

-        السعي لاخراج السكان من اراضيهم عبر الضرائب والملاحقات وتدمير المزروعات وخاصة الزيتون

-        تشجيع وحماية المستوطنين للسيطرة على الاراضي والاملاك العربية في القدس وغيرها

-        بناء واقع من التداخل البشري والاستملاكي مع السكان الاصليين بهدف تطوير الادعاءات التوراتية بملكية الارض وتكريس بعدها الديني والاستراتيجي لاقناع العالم بعدم الضغط على اسرائيل للانسحاب الكامل

-        بناء جدار الفصل العنصري لتشكيل سجن كبير للشعب الفلسطيني، ولتحقيق مزيد من السيطرة عليه، ولضم مساحات جديدة من الاراضي والمياه الجوفية

ويتمحور الهدف الاساسي بتحقيق ضم اراضٍ جديدة الى الكيان الاسرائيلي، واستيعاب المهاجرين، والسيطرة على منابع المياه، وتحقيق النبوءات التوراتية الدينية لليهود فيها ، واعتمادها امرا واقعا لا يمكن الرجوع عنه في اي تفاوض سياسي مستقبلي.

·        مشاريع الاستيطان والمراحل التي مرت بها

قامت سلطات الاحتلال بعملية استيلاء ومصادرة مبرمجة لاراضي القدس، وقامت ببناء مستوطنات عليها مثلت اطواقاً تحيط بالمدينة، بهدف عزلها عن محيطها العربي وعن ترابطها مع الضفة الغربية تمهيدا لقضمها كليا، واخراجها من مصطلح الضفة الغربية ، والعمل على توفير مساحات تتوسع تدريجيا لاستيعاب المهجرين اليهود لتنفيذ عملية التهويد الديمغرافي.

شكلت هذه العمليات ثلاثة اطواق استيطانية تحيط بالمدينة. وقامت اسرائيل كقوة احتلال باعلان ضم المدينة الى كيانها السياسي رسميا في يوليو 1980 ، لتصبح القدس الموحدة عاصمة ابدية لاسرائيل على حد تعبيرهم ، ( ويقصد بذلك توحيد الجزء الشرقي منها المحتل عام 1967 مع الجزء الغربي المحتل عام 1948)، ولذلك فقد حرصت على اتباع سياسة تقليص التواجد الفلسطيني داخل حدود البلدية الجديدة.

ورافق عمليات مصادرة الأراضي اقرار قانون التخطيط والبناء حيث تم في الفترة ما بين 8/1/1968- 1/2/1995 تم مصادرة 24200 دونم من اراضي القدس،  فقد شرعت سلطات الاحتلال مباشرة بعد احتلالها للقدس  عام 1967 بتطبيق هذه السياسة بإنشاء مجموعة من الأطواق، تضم الحي اليهودي ، وكان قد خطط للاستيطان اليهودي في القدس أن يكون ركيزةً ينطلق منها المستوطنون إلى سائر أنحاء فلسطين لنشرهم فيها وتوزيع من يُجلب منهم من سائر أنحاء العالم في مناطقها المختلفة بفضل أقدمية المستوطنين اليهود القاطنين في مدينة القدس من حيث الإقامة، وخبرتهم بطبيعة الحياة والمناخ في الارض الفلسطينية، وذلك منذ القرن التاسع عشر، ومع إتمام المخطط الاحتلالي الإسرائيلي، واستصدار القوانين الملزمة كقانون توحيد القدس وعاصمة إسرائيل الأبدية شرعت ادارة البلدية بتنفيذ مشاريع إضفاء الشرعية الإسرائيلية على الأرض، من خلال البرامج الاستيطانية، التي سبقتها إجراءات مصادرة أراضي عرب القدس.

وقد مرت مراحل تهويد المدينة بعدة مراحل بدأت بإعلان مصادرة (116) دونماً من القسم الجنوبي من أحياء البلدة القديمة بحجة المصلحة العامة لإقامة الحي اليهودي الجديد، وبأمر من وزير المالية الإسرائيلي حينها سابير، وهدمت معظم منازل الحي العربي (حارة الشرفة والمغاربة)، وصودرت منازل قدرت بـ (700) مبنى حجري  لتقام عليها أحياء استيطانية يهودية، يوم استملك اليهود الممتلكات الشخصية والوقفية للسكان العرب الفلسطينيين، بين حارة الشرفة وحي المغاربة. وانشئت الضواحي اليهودية الجديدة، لتحمل اسم ليفي اشكول الرئيس الأسبق للوزارة الإسرائيلية عام            1969    ،وتكريماً لملكة الدانمارك عام           1970    جنوب القدس، وتخليداً لذكرى يغال آلون أحد قادة الكيان الإسرائيلي عام            1971    ، وتكريماً لأحد الوزراء الصهاينة  عام 1971  شمال القدس، وتخليداً لأحد رؤساء الوزارات في الكيان الإسرائيلي عام1974، وهكذا دواليك .  

كما أقرت الكنيست الإسرائيلي في يوليو 1980 -بشكل استثنائي- قانوناً جديداً أُدرِج في قائمة (القوانين الأساسية) ينص على أن القدس عاصمة إسرائيل، وقد هدف القانون الى منع أي حكومة إسرائيلية من التوصل لأي اتفاق يمس السيادة الإسرائيلية على القدس.

أساليب المصادرة

مارست سلطات الاحتلال برامج المصادرة وفق مخططات منهجية مقررة مسبقا، ولها ميزانيات خاصة، وابرز اساليب المصادرة التي اتبعتها:

  • إعادة تصميم الخرائط الهيكلية وإقرارها للحد من النمو العمراني والسكاني للأحياء العربية

  • الاستملاك بحجة المصلحة العامة:

    • بقصد إقامة محميات طبيعية أو شق طرف أو تحديد خطوط ضغط عالي

    • بحجة وجود أماكن أثرية وتاريخية

    • بحجة توسيع المستوطنات القائمة

  • وضع اليد على املاك الغائبين

  • ادعاء ملكية بيوت واراضي معينة خصوصاً بعد الاعتداءات على وثائق المحكمة الشرعية في القدس

ثانيا: انعكاسات حجم المصادرة والاستيطان على مستقبل القدس السياسي

تحول الملكية والوجود العربي لصالح اليهود

يتضح من دراسة الاستيطان في القدس انه حقق الكثير من الوقائع المعقدة تفاوضيا وابرزها سياسة الاطواق ، وسياسة الفصل عن الضفة الغربية ، وسياسة الاخلاء للسكان من اماكن سكنهم ، وسياسة تغيير الطابع الاسلامي والمسيحي ( العربي) عن المدينة، ومحاصرة الاماكن المقدسة وعلى الاخص الحرم الشريف تمهيدا لهدمه وبناء الهيكل، واتباع نظام الاستملاك والهدم بحجج كثيرة ،  والاستبلاء على بيوت في الاحياء العربية عبر منظمات متخصصة في هذا العمل مدعومة ومحمية من الحكومة ومحكمة العدل العليا في الكيان . وهو ما يؤثر تاثيرا بليغا على مستقبل القدس السياسي.

لقد أقيمت أحياء جديدة في القدس، كل واحد منها يضاهي مدينة بأكملها، مثل حي "بسجات زئيف" في الشمال وحي "جيلو" في الجنوب في ضواحي بيت جالا، حيث يزيد عدد سكان كل منهما عن 30 ألفاً.

            إن مستقبل البلدة القديمة التاريخية بما يرتبط به من تخطيط وإعادة تشكل نسيج من قبل المستوطنين اليهود سيشكل حتماً نسخة طبق الأصل عما جرى لمدينتي يافا وعكا حين تم إجلاء وطرد أكبر عدد من الفلسطينيين قسراً منهما لتتحول هذه المدن إلى مستعمرات فنية ومدن من المتاحف يسكنها اليهود كأغلبية ساحقة.

ولعل نظرة متفحصة في تحول ملكية العقارات في المدينة في محطات ثلاث من عمرها المعاصر ( 1918، 1948، 1967) تؤكد على خطورة نجاح المخططات الصهيونية بتهويد المدينة وانهاء الوجود العربي فيها .

فقد كانت الملكية العقارية في القدس عام 1918 موزعة كما يلي: 94% للعرب (مسلمين ومسيحيين)،  4% لليهود،  2% للأجانب. وفي نهاية الانتداب البريطاني 1948، وبفعل التآمر الاستعماري الصهيوني، ازدادت ملكية اليهود العقارية لتصبح النسبة كما يلي: 84% للعرب (مسلمين ومسيحيين)، 14% لليهود، 2% للأجانب. وبعد استكمال عملية الاحتلال في أعقاب حرب حزيران عام 1967م، وضمها الكامل إلى سلطة الاحتلال الإسرائيلي، أصبحت الملكية العقارية معكوسة تماماً لصالح المستوطنين من الصهاينة أي: 14 % للعرب (مسلمين ومسيحيين)، 84 % لليهود، 2  % للأجانب.

مخططات مستقبلية لتهويد المدينة كاملة

إن نظرة إلى القدس عام 2020 بعد هذا التوسع الذي ستشهده المدينة بفعل المشروعات الضخمة سيغير النظرة القائمة إليها منذ مئات السنين، ولعل أبرز هذه المشاريع تلك التي اوردها المدير العام لجهاز التطوير في بلدية القدس المحتلة (عوزي فكسلر) كما أشار إليها شاحر ايلان، وأهمها:

1-                هدم أسوار مدينة القدس القديمة مع تدمير المباني العربية التاريخية المقامة بين ثنايا هذه الأسوار.

2-                بناء الهيكل المزعوم على أنقاض هذه المعالم التي يصار إلى هدمها. وفي مقدمتها الحرم القدسي الشريف بمنشآته وأوقافه وساحاته.

3-                إنشاء شبكة قطارات كهربائية في قلب المدينة.

4-                إنشاء برج مراقبة بارتفاع (250) متراً.

5-                إنشاء السوق الكبير (الكنيون) على أراضي قرية المالحة العربية المصادرة منذ عام 1948م الواقعة غرب القدس.

6-                تنفيذ مشروع تطوير المركز التجاري في القدس الشرقية بهدف تقطيع أوصال الأحياء العربية خارج الأسوار الواقعة شمالها وغربها واستبدالها بأحياء يهودية.

ثالثا: ما الذي يمكن التفاوض عليه في القدس والى اين سيقود حقوق العرب فيها ؟

اكدت مختلف الطروحات الدولية وخصوصا الاميركية منها في رسائل الضمانات المتوالية منذ العام 1991  التي قدمها الرؤساء الاميركيون بوش الاب وبل كلنتون وبوش الابن ومرشحو الرئاسة الامريكية الحاليين لعام 2008 عبر الحملات الانتخابية، على ان التفاوض على القدس سياخذ بعين الاعتبار الواقع القائم بمختلف جوانبه البشرية والمتعلق بالارض والاستيطان اضافة الى الحاجات الدينية والامنية ، ولئن كانت قرارات الامم المتحدة المختلفة لا تزال تعتبر كل اجراءات الاحتلال باطلة فيما يتعلق باي تغييرات على المدينة المقدسة منذ احتلالها ، غير ان ميزان القوى القائم اليوم في ظل الهيمنة الاميركية على القانون الدولي والشرعية الدولية يجعل الموقف الاميركي هو الاطار الناظم لعملية التفاوض حول القدس، وربما مثل مشروع الرئيس الاميركي بل كلنتون عام 2000 مثالا على ما يمكن ان تؤول اليه الامور بسبب عمليات الاستيلاء والمصادرة والاستيطان التي لم تتوقف حتى اليوم في المدينة المقدسة، ومن هنا فان التفاوض المطروح سوف يتم على اساس الامر الواقع المفروض يوم التفاوض، وتشير معظم التحليلات الى تعذر فصل المدينة عن بعضها ، وان التهويد يزحف على مختلف احيائها وباستمرار .

وعلى صعيد مساحة الجزء الشرقي المحتل عام 1967 من القدس تشير الارقام التقريبية الى ان 86 % من مساحة القدس الشرقية قد تمت مصادرتها عملياً، ولم يبق سوى 14% من مساحتها الاصلية للتفاوض، علماً بأن جزءًا منها يخضع لمخططات التخضير العامة والحدائق يصل الى 9%،  ليبقى ما لا يزيد عن 5% يمكن التفاوض عليه وتحصيله وفق شروط تفاوضية غير محددة المعالم.

ولذلك فإن إمكانية استعادة الحق العربي الكامل في القدس الشرقية وفق حدود 4 حزيران عبر التفاوض امر غير ممكن، وان اقصى ما قدمه الجانب الاسرائيلي في مفاوضات كامب ديفيد في شهر يوليو عام 2000 هو السيادة على الحرم القدسي الشريف من اعلاه دون اسفله، وتأمين المرو الى الحرم، واقتطاع حائط البراق وساحته لصالح اليهود، وضم الكتل الاستيطانية والاحياء اليهودية ، وتقاسم ادارة البلدية المشتركة وفق الاحياء والسكان ، وان تسمى القدس هكذا عاصمة لدولة فلسطين دون سيادة حقيقية عليها ، ما يجعل نتائج المفاوضات حول القدس محسومة اسرائيليا ومفتوحة عربيا وفلسطينيا للتنازلات المتتالية تحت ضغط الامر الواقع وميزان القوى القائم.  

رابعا: محددات مستقبل الاراضي الفلسطينية في القدس

تلعب محددات ثلاثة أساسية الدور الأساس في تحديد مستقبل الأراضي الفلسطينية في القدس وهي:

  • الملكية الفردية والجماعية للأرض...(في مواجهة برامج المصادرة والبناء والاستيطان والاستملاك والاستيلاء....)

  • التواجد والنزوح السكاني ( في مواجهة برامج سحب الهويات، منع العودة، هدم البيوت، تراجع الخدمات الانسانية اللازمة، منع الاقامة الجديدة فيها)

  • السلطة والسيادة السياسية ( قرار اسرائيل باعلانها عاصمة اسرائيل الموحدة والابدية، السيادة الاسرائيلية، السلطة المدنية الاسرائيلية، توسيع نطاق البلدية ليشمل نطاقها الشقين الغربي والشرقي على حد سواء ...)

انطلاقا من ذلك تسعى اسرائيل الى السيطرة على المحددات الثلاثة لحسم مستقبل القدس السياسي لصالحها في اي مفاوضات مستقبلية حولها، ولذلك فإن تطبيق حق العودة للفلسطينيين يحسم مستقبل الارض لصالحهم بشكل قطعي، وعليه يعتبر حق العودة من اهم محاور الصراع ان لم يكن اهمها على المدينة المقدسة.

مخاطر تهدد اراضي القدس

1.إبقاء المستوطنات حجماً وشكلاً

2.تجميعها وضمها الى اسرائيل في ضوء الحل النهائي

3.ربطها باحزمة متكاملة تحاصر المناطق السكنية الفلسطينية وتمنع نموها وتوسعها

4.المحافظة على الكتل الاستيطانية الاستراتيجية في القدس الى جانب الكتل الاخرى في الضفة الغربية، وضمها الى اسرائيل في اي حل سياسي

5.تطبيق فكرة تبادل الاراضي بين منطقة القدس ومستوطناتها وبين ما يماثلها مساحة من الاراضي المحتلة عام 1948 كما اشارت افكار اسرائيلية وفلسطينية عديدة ، وآخرها الموقف الفلسطيني في مفاوضات التحضير لوثيقة لقاء انابولوس المزمع عقدها في اواخر العام 2007.  

6.بناء الجدار العنصري الفاصل حول المدينة والذي قضم اراضيها وعزلها عن محيطها العربي ومنع تواصلها الجغرافي مع بقية الضفة الغربية

خامسا: مستقبل القدس في تصورات الاطراف المختلفة

الموقف الاسرائيلي من مستقبل القدس  السياسي

يتشكل الموقف الاسرائيلي باجماع مختلف القوى السياسية والتراكيب الاجتماعية فيها على اساس انها : العاصمة الابدية الموحدة لدولة اسرائيل.

ويمكن في ظل ذلك

§         فرض السيادة الاسرائيلية الكاملة عليها سياسيا وقانونيا وولاية

§         قبول ادارة ذاتية بلدية لبقايا السكان العرب ( الحي الاسلامي ، وحي النصارى وحي الارمن، داخل الحرم مؤقتا )

§         عزلها عن الضفة الغربية ومحيطها العربي

§         استيطان يهودي متواصل في كل اجزائها

§         بناء الهيكل وهدم الحرم الشريف

§         التهويد الديمغرافي لسكانها  ليصل الوضع الى نسبة 3:1 لصالح اليهود

الموقف الفلسطيني والعربي من مستقبل القدس السياسي

يقوم الموقف العربي والفلسطيني الرسمي على اساس ان الحق العربي في القدس الشرقية كاملة وفق مخططات حدود 4 حزيران 1967 ، وذلك وفق قرار مجلس الامن الدولي رقم  242. ويتكون الموقف عمليا وفق ذلك:

·        تكون القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، والغربية عاصمة دولة اسرائيل ، او تكون المدينة مفتوحة وعاصمة للدولتين

·        السيادة العربية على الحرم القدسي الشريف

·        لا مانع من التقاسم الوظيفي مع الاسرائيليين في ادارة شئون القدس البلدية

·        قبول الامر الواقع فيما يتعلق بالاحياء اليهودية والاستيطان ، ليكون ما هو يهودي تحت السيادة اليهودية  

·        اعطاء الحقوق الدينية لليهود في حائط البراق وساحته وخاصة ما يتعلق بالصلاة فيه.

 

مكونات ومحددات  مواقف الاطراف المختلفة من القدس ومستقبلها السياسي

          من خلال الدراسة واستقراء مواقف الاطراف المختلفة يمكن استنتاج ابرز ما يشكل ويحدد مواقفها :  

§         خرائط حدود 4 حزيران 1967، واهميتها في المفاوضات والمنازعات السياسية

§         الحق الديني لكل الاطراف سواء فيما يتعلق باماكن العبادة الحالية او بادعاءات حقوق تاريخية ( الهيكل)

§         الواقع القائم المتعلق بالسكان والاستيطان وحدود جدار الفصل العنصري

§         القدرة العسكرية والاقتصادية والسياسية لكل طرف على فرض مطالبه وحقوقه المزعومة فيها

سادسا: القدس في معاهدات واتفاقات السلام والمفاوضات

أولاً: القدس في معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية

 تمّ التوصّل إليها بعد زيارة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إلى اسرائيل بتاريخ 19/11/1977، في أجواء حرب أكتوبر 1973، وقد نصّت على أن مصر وإسرائيل والأردن يمكن أن تتفق على وسائل إقامة سلطة حكم ذاتي منتخبة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويلاحظ أن تعبير "الضفة الغربية" دون ذكر "بما فيها القدس"، برغم أنه يفترض شموله للقطاع الشرقي من القدس المحتل عام 1967، لكن ذلك سبب غموضاً اكتنف قضية القدس في الاتفاقية. وبسبب هذا الغموض اضطر الرئيس السادات أن يُوضّح (في رسالة إلى الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في 17/9/1978) أن مصر تعتبر "أن القدس العربية هي جزء لا يتجزّأ من الضفة الغربية"، وأنه يجب "إعادة الحقوق العربية والتاريخية والشرعية على المدينة"، وأنه "يجب تطبيق قرارات مجلس الأمن، ولا سيما القراران 242 و267 فيما يتعلق بالقدس، بما يكفل لجميع الشعوب حرية الوصول إلى المدينة، والتمتع بممارسة شعائرهم"، وأن "الأماكن المقدسة لكل ديانة يمكن أن توضع تحت إدارة ممثليها وسلطتهم".

أما الجانب الإسرائيلي فقد أوضح فهمه في رسالة مماثلة من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن إلى الرئيس الأمريكي كارتر في 17/9/1978 أيضاً، قال فيها إن الحكومة الإسرائيلية تؤكّد أن "القدس هي مدينة واحدة غير قابلة للتقسيم، وهي عاصمة دولة إسرائيل".

وعلى هذا فقد اكتفت معاهدة كامب ديفيد بتسجيل المواقف بشأن القدس، دون الدخول في تفاصيل وضعها النهائي، ويبدو أن ذلك يعود إلى أنها معاهدة ثنائية مصرية-إسرائيلية، وأن مصر لا ترغب بأخذ دور مستقل فيما يتعلق بمستقبل القدس، إضافة إلى الضغوط التي مارستها أمريكا لتأجيل المواضيع الشائكة إلى مراحل متأخرة، والتي لقيت هوىً لدى الجانب الإسرائيلي.

ثانياً: القدس في معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية

توصّل الجانبان الأردني والإسرائيلي إلى معاهدة سلام وقّعت في منطقة وادي عربة جنوبي الأردن في 26/10/1994. وقد أعطت المعاهدة دوراً خاصاً للأردن في الأماكن المقدسة، حيث نصّت المادة التاسعة من المعاهدة، وتحت بند "الأماكن ذات الأهمية التاريخية والدينية":

1.   سيمنح كل طرف لمواطني الطرف الآخر حرية الوصول للأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية .

2.   وفي هذا الخصوص، وبما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس. وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.

وقد أوضح الأردن موقفه من هذه القضية بالذات في بيان رسمي صدر في 28/7/1994، حيث لم تر الحكومة الأردنية "أي تناقض بين استرجاع السيادة السياسية على القدس العربية من خلال المفاوضات الإسرائيلية، وبين استمرار الأردن بالقيام بدوره في ممارسته لولايته الدينية على المقدسات الإسلامية في القدس".

ثالثاً: القدس في مفاوضات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية

نصَّ إعلان المبادئ الموقع بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في 13/9/1993، والذي عُرف "بإعلان أوسلو" على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة لا تتجاوز خمس سنوات، وقد أجلت عملية البت في القضايا الجوهرية والحساسة إلى مفاوضات الحل النهائي، ويأتي في طليعتها موضوع القدس، ثم المستوطنات واللاجئين والترتيبات الأمنية والحدود، والتي يفترض أن تبدأ مع بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية، ويأتي تأجيل البت في مصير مدينة القدس نظراً لما أبدته إسرائيل من حساسية خاصة تجاهها من ناحية، وفي ضوء اهتمام المسلمين والمسيحيين واليهود بها من الناحية الدينية من ناحية أخرى، وللتعقيدات اللازم التباحث حولها من ناحية ثالثة.

وقد أعطى تأجيل التفاوض حول وضع القدس إلى مفاوضات المرحلة النهائية إسرائيل الوقت اللازم لإتمام تهويد المدينة، ونظراً لعدم شمول اتفاقيات المرحلة الانتقالية لمواد تنص صراحة على بقاء الأوضاع الديموغرافية والسياسية والدينية في المدينة المقدسة كما هي، فقد استمرت إسرائيل (بحجة هذا الغموض) في تبني سياسة تثبيت السيادة الإسرائيلية في القدس، واستمرت في مصادرة الأراضي العربية وبناء المستوطنات اليهودية؛ وشق الطرق الالتفافية، ومضايقة المؤسسات الفلسطينية العاملة في القدس؛ وفصل القدس عن بقية المناطق الفلسطينية، وعدم السماح بدخولها إلا بتصريح؛ وتقييد حرية المنتخبين والمرشحين لمجلس الحكم الذاتي منها...إلخ، وذلك بالإضافة إلى منع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير من القيام بأي نشاط، كعقد اجتماع أو مهرجان في القدس، إلا بإذن مسبق من الحكومة الإسرائيلية، بموجب قانون خاص سنّه الكنيست الإسرائيلي.

ونجحت إسرائيل عموماً في عدم تضمين الاتفاقيات الموقعة أي ترتيبات تتعارض مع الموقف الإسرائيلي من القدس، وتبنت علاوة على ذلك رؤيتها الخاصة بضرورة معاملة القدس بشكل منفصل عن بقية المناطق المحتلة عام (1967).

ومن المتوقع أن يتقوى الموقف الإسرائيلي في المفاوضات النهائية حول القدس بتطور المتغيرات التي فرضتها إسرائيل منذ عام (1967) على المدينة، وبخاصة فيما يتعلق بالمستوطنات المتداخلة مع التجمعات السكنية العربية، وتزايد برامج تهويد القدس، وإزالة الطابع العربي عن القدس الشرقية، أي أن إسرائيل تعتقد أنها نجحت فعلاً في فرض الأمر الواقع على المدينة، ولم تعترف بالقدس الشرقية جزءاً من الأراضي العربية المحتلة، مما يُعفيها من مسؤولية الانسحاب منها وفق القرارات الدولية (قرار 242)، وقد تجاهلت الممارسات الإسرائيلية في القدس الحقوق المشروعة والطبيعية لأهاليها،

    وبذلك يتضح أن مسألة القدس ومكانتها القانونية لم تُحسم منذ القرار رقم 181، المتعلق بالتقسيم وتدويل القدس، وحتى بدء المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية وتوقيع إعلان المبادئ (أوسلو) في 13/9/1993، حيث كانت "القدس" تعني، فلسطينياً، القدس بشقيها، لكن توقيع إعلان المبادئ، والذي يهدف إلى تحقيق تسوية دائمة على أساس قراري مجلس الأمن 242 و 338 اللذين يتناولا الأراضي الفلسطينية التي احتلت سنة 1967 فقط، عرَّف مفهوم السيادة على "القدس"، بخصوصية "القدس الشرقية"، أما القدس الغربية والقرى الفلسطينية التي ضمت مساحتها إليها بعد حرب عام 1948 وقيام الدولة الصهيونية، فقد يطالب الفلسطينيون بتعويضهم عن أملاكهم فيها، ضمن حل مشكلة اللاجئين و"القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك".

ولذلك يمكن القول بدقة أن مسار المفاوضات السلمية الجاري والأسس التي تشكّلت عبره لا تتعامل مع الحق الفلسطيني الكامل في الجزء الشرقي المحتل من مدينة القدس عام 1967.

خلاصة واستنتاجات

يتضح من خلال الدراسة السابقة ان القدس وبرغم ما تمثله من اساس للصراع التاريخي والديني، وبرغم تاييد القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة للحق العربي فيها ، غير ان اجراءات الاحتلال باستملاك والمصادرة والاستيطان والضم اصبحت تشكل امرا واقعا قبلت به الكثير من الاوراق التي تقدم حلولا وسطا لصالح طاولة التفاوض وكذلك عدد من المشاريع الرسمية للحل حتى العربية منها، وبذلك اصبح هو اساس الموقف الامريكي الرسمي. ونظرا لحجم الاستيطان الكبير وعزل المدينة عن محيطها العربي عبر اطواق الاستيطان وجدار الفصل العنصري فقد تشكل الموقف الاسرائيلي على ارض الواقع بادعاء حقه في المدينة ، ونظرا للسوابق التي وافق عليها العرب بتبادل الاراضي ومراحل الانسحاب والقبول بالوضع الديني الخاص للمدينة وتاجيل البت فيها منذ كامب ديفيد 1978، فان مستقبل المدينة  السياسي اصبح محكوما بنتائج الاستيطان والاستيلاء والمصادرة والضم التي اتخذتها السياسة الاسرائيلية ، وبرغم الحجة العربية الرسمية  للقبول بمفاوضات مدريد عام 1991 وتوقيع معاهدات السلام القائم على انقاذ ما يمكن انقاذه ، يبدو ان ما يمكن انقاذه من مدينة القدس اصبح متواضعا لدرجة التلاشي عبر عمليات التفاوض، ما يهدد الحق الفلسطيني بالعودة والسيادة على المدينة مستقبلا، ويحرم الاجيال القادمة من امكانية انجازه سياسيا، وهو ما يترك الباب مفتوحا لخيارات اخرى للعرب والفلسطينيين لتغيير ميزان القوى الدولي والاسرائيلي او اجبار اسرائيل على الانسحاب قسرا كما فعلت منقبل من  جنوب لبنان عام 2000 ومن قطاع غزة عام 2005 .


جـواد الحـمد
5/11/2007   

أعلى الصفحة  عودة لرؤيتنا للمتغيرات

 

جائزة البحث العلمي

المؤسسة الأردنيـة

للبحوث والمعلومات

 

مجلـة دراســات

شـرق أوسطيــة

 

الندوات والمؤتمرات

حلقــات نقاشيـة

الحفل السنوي للمركز

من إصداراتنا

 

العلاقات التركية- الإسرائيلية وتأثيرها على المنطقة العربية

 


حق عودة اللاجئين الفلسطينيين بين النظرية والتطبيق

إسرائيل ومستقبلها حتى عام2015م
تداعيات حصار غزة وفتح معبر رفح

اتجاهات التحول في توازن القوى السياسية والاجتماعية في الديمقراطية الأردنية


نحو توافق فلسطيني لتحريم الاقتتال الداخلي

 

 

 

 

 

 

 

Designed by Computer & Internet Department in MESC.Latest update   July 08, 2010 12:14:15