رؤيتنا للمتغيرات

نشـاطـاتنا

إصـداراتنـا

وثـائـــق

دراســـات

خدمات مجانية

الدورات التدريبية

الشؤون الإسرائيلية

أحدث إصدارات 2010

التسـويـة السيـاسيـة

 التحديات والآفاق

الوطــــن البديـــل آفاق التطبيق وسبل المواجهة

القرن الإفريقي وشرق إفريقيا

الواقع والمستقبل

رسالة أوباما التصالحية والمطلوب عربيا

الفاتيكان والعرب، تحديات وآفاق في ضوء زيارة البابا للمنطقة

التداعيات القانونية والسياسية لانتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني

السياسات العربية في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي حتى عام 2015م

الأزمة المالية الدولية وانعكاساتها

 

الأزمة الفلسطينية الداخلية
وسبل الخروج منها 

جـواد الحـمد
11/7/2007

مكون وتاريخ ظاهرة الفلتان الأمني الفلسطيني

سادت الساحة الفلسطينية طوال السنوات العشر الماضية(1996-2006) ظاهرة السيطرة الأمنية والقبضة الحديدية على الوضع الفلسطيني الداخلي خصوصا فيما يتعلق بملاحقة رجال المقاومة او تحجيم القوى السياسية المناهضة لاتفاقات أوسلو، وقد تم ذلك عبر التنسيق المتواصل مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بخصوص مكافحة ظواهر المقاومة واعتقال رجالها من كل الفصائل وعلى الأخص حركة حماس .

كما صاحب هذا الواقع تطورات متواصلة في ظاهرة الفلتان الأمني إلى الحد الذي افقد المواطن الفلسطيني الأمن والأمان . وقد اشتنكى وزراء الداخلية  في السلطة الفلسطينية بل واول رئيس وزراء فيها السيد محمود عباس من عدم القدرة على ضبط الاجهزة الامنية التي لها برنامجها الخاص ولا تتجاوب مع توجهات الوزير السياسية، ولا تنفذ التعليمات بخصوص القضاء على فوضى السلاح والفلتان الامني وحفظ امن المواطنين، وهو ما حدى من بين اسباب اخرى بمحمود عباس الى الاستقالة من رئاسة الوزارة في عهد ياسر عرفات .

ومع فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية وتشكيلها لحكومة فلسطينية اغلبيتها من حركة حماس ، تفاقمت ظاهر الفلتان الامني وتمرد الاجهزة الامنية وعدم قيامها بواجباتها ، وعدم تنفيذها لتعليمات وزير الداخلية، بل شاركت عناصر هذه الاجهزة في مسيرات احتجاجية على موضوع الرواتب بسلاحها ولباسها العسكري في شوارع قطاع غزة ، الامر الذي جعل الاجهزة الامنية ورقة ضغط على الحكومة تمارسه حركة فتح وعلى الاخص تيار الفلتان الامني فيها، الى حد اندلاع الاقتتال في الشوارع بين الفرقاء، والذي اقحمت فيه اطراف عديدة ، ولكن مركزه كان في الاجهزة الامنية وعلى الاخص جهاز الامن الوقائي الذي اسسه محمد دحلان .

تداعيات ظاهرة الفلتان الأمني

وقد تسببت هذه الظاهرة في تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية على الشعب الفلسطيني اعاقت حياته المدنية من جهة واوقفت بل واعطت مؤشرات سلبية على برامج الاصلاح والتنمية المفترضة من قبل الحكومة ، ولم تتمكن القوى الوطنية والاسلامية ولجنة المتابعة من احتواء الظاهرة او التوصل الى رؤية عملية للقضاء عليها،  خصوصا وانها كانت تتبنى الحياد السلبي والانحياز في بعض الاحيان الى جانب حركة فتح مجازا، اي الى جانب مصدر الظاهرة المتعلقة بالفلتان الامني والتي تسببت باشتباكات مع حركة الجهاد وحركة حماس على وجه التحديد، ناهيك عن دخول طرف ثالث في احيان كثيرة لاشعال الفتنة والصدام كلما توصل الطرفان الى اتفاق لمنع هذه الظاهرة . حتى وصل المشهد حدا مسيئا للشعب الفلسطيني، حيث تداعت افكار الحرب الاهلية واقتتال الاخوة واراقة الدم الفلسطيني الى اذهان الغيورين فلسطينيا وعربيا.

وتشير المعطيات المتعددة المصادر الى ان الاجهزة الامنية الفلسطينية كانت اما تقف خلف بعض اتجاهات الفلتان او لا تتعامل بجدية وحزم لمنع تفاقمه في قطاع غزة بما في ذلك ظاهرة خطف الاجانب والتي لم يحاكم احد حتى اليوم بسببها مع توفر لوائح بالاسماء المتهمة فيها كما يقول وزير الداخلية الفلسطيني الاسبق، اي ان النائب العام الفلسطيني لم يكن قادرا على  احالة احد من هؤلاء الى العدالة والقضاء.

كما يشار الى عدم قدرة الرئيس الفلسطيني نفسه على السيطرة على هذه الظاهرة، خصوصا وانه يدير ثلاثة اجهزة امنية رئيسية في الضفة والقطاع خارج سلطة الحكومة وهي المخابرات العامة والقوة 17 ( حرس الرئاسة) والامن الوطني، كما لم \يلحظ استخدامه لنفوذه وصلاحياته في وقف من يقف خلف الظاهرة عند حده ، فيما قام بالضغط على الحكومة بقيادة حماس وعلى حركة حماس ذاتها . اي ان النظام السياسي والامني الفلسطيني القائم وبشكله الواقعي لم يتمكن من محاصرة الظاهرة او استئصالها ، وكذلك التنسيق الفصائلي المشترك،  لتشكل بذلك مشهدا فلسطينيا على مدى 16 شهرا متواصلا.

المواجهة الحاسمة بين اتفاق مكة وخطة دايتون

على اصداء تفاقم هذا الاقتتال الداخلي تم التوصل الى اتفاق مكة لوقف الاقتتال واعادة بناء البيت الفلسطيني بشكل ربما يحقق اهداف الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال، وبرغم النجاح الذي صاحب الاتفاق غير ان معظم التقارير اشارت ومنذ اليوم الثاني لاعلانه ان ثمة قوى واطراف تعمل على التحشيد لحرب داخلية قادمة قد تكون اشد من التي سبقت عبر الاقتتال الداخلي، وظهرت خطة الجنرال كيث دايتون الاميركية لتكون الاطار الناظم لهذه التوجهات، والقاضية بالقضاء على الجهاز العسكري لحركة حماس واسقاط الحكومة والشروع باجراء انتخابات مبكرة في الخريف 2007 لاقصاء حماس عن الحكم وافقادها الشرعية السياسية بطريقة او باخرى . الامر الذي وضع حركة حماس وحكومة الوحدة الوطنية امام تحد كببر يمكن له ان يطيح بكل الانجازات التي شكلها اتفاق مكة من جهة، ولمكاسب النضال الوطني الفلسطيني  ضدالاحتلال، وهو ما يفهم انه قد وضعهما في خانة الدفاع عن النفس امام هذه الخطة وادواتها، ومع بواكير شهر ايار/ مايو 2007 بدء تنفيذ الخطة بالفعل ، واندلع الاقتتال بشكل منظم واستخدمت فيه اسلحة غير مسبوقة ، لدرجة قتل الناس في بيوتهم وامام اولادهم ، واغتيال رجال المقاومة المطلوبين للاحتلال، حتى استهدف مبنى رئاسة الوزراء أثناء اجتماع المجلس بقذائف ار بي جي .

بذلك دخلت الساحة الفلسطينية مرحلة جديدة تنذر بحرب أهلية حقيقية تدعمها أطراف دولية علانية كما فعلت الولايات المتحدة عبر جلسة الاستماع الخاصة بالخطة في الكونغرس الأمريكي في آذار الماضي  وإقرار دعمها بـ 56 مليونا دولار ، ما جعل المستقبل الفلسطيني مهددا ، حيث تشير بعض التحليلات وبعض المعلومات إلى أن إدارة الرئيس بوش كانت تأمل من نجاح هذه الخطة في توفر الفرصة لفرض الحل الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية وبمباركة عربية ، خصوصا تحت عنوان تفعيل وتعديل المبادرة العربية بوصفها الإطار العام للحل التفاوضي. 

وفي مساء يوم الخميس 14/6/2007 فوجئ العالم والشعب الفلسطيني بإعلان حركة حماس ورئيس وزراء الحكومة الفلسطينية، بأنه قد تم القضاء على ظاهرة الفلتان الأمني ، وانتهى نفوذ تيارها داخل الأجهزة الأمنية ، وانه تمت السيطرة على كل المقرات الأمنية مؤقتا إلى حين إعادة بنائها،  ونقلت وسائل الإعلام أن خسائر المواجهة خلال الأيام الثلاثة التي سبقت هذا الإعلان بلغت 25 قتيلا و70 جريحا من الطرفين وهو ما يزيد قليلا على المعدل اليومي للضحايا في الاشتباكات التي سبقته على مدى شهر كامل (حيث بلغت 125 قتيلا  لخمسة أسابيع ، بمعدل 25 قتيلا في الأسبوع) .

تداعيات سيطرة حماس على قطاع غزة

ترى الورقة الجانب بعض المحللين والباحثين  ان ما واجهته حكومة الوحدة الوطنية ومن قبلها الحكومة العاشرة بقيادة حركة حماس ، كان مشهدا لا تسمح به اي حكومة في العالم ولا اي ثورة ايضا في مناطق نفوذها ، وهو ما كان يلزم التفكير الجدي بتداعياته في حينها وليس الاكتفاء بالتعبير عن المواقف العامة التي تستند الى مبادئ وليس الى واقعية سياسية وميدانية فاعلة من قبل القوى الفلسطينية الاخرى .

من جهة اخرى فان اللجوء الى القوة في حسم الخلافات السياسية بين القوى الفلسطينية لا يمثل خيارا استراتيجيا مناسبا في الساحة الفلسطينية ، ولكن الخلط الذي ساد الساحة ازاء ظاهرة الفلتان الامني، والعجز الذي ظهر في مختلف الادوات المتاحة لمواجهتها قانونيا وسياسيا ووطنيا ، تسبب بعمى البصيرة الفلسطيني عن رؤية المخرج منها، وعلى الاخص ما يتعلق بالخلط بين هذه الظاهرة وبرنامجها واهدافها وارتباطاتها ومن يقودها وبين الوضع الفلسطيني السياسي والمؤسسي والتنظيمي، ناهيك عن ربطها بالخلاف السياسي بين اكبر فصيلين في الساحة. ما جعل التعامل مع الظاهرة مجرد مسكنات ، توفر لحماس فرصة للهروب من الوقوع في مربع الاقتتال الداخلي بسببها حسب تقديرنا، ويتيح الفرصة في نفس الوقت لتتمترس خلف هذه الظاهرة والمسكنات اطراف عاجزة عن التعامل مع الواقع الجديد الذي تقوده حركة حماس، فيما تخشى اطراف اخرى من قوة الدعم الدولي والعربي لقيادات تيار الفلتان الامني على مصالحها وربما على مستقبلها السياسي. يضاف الى ذلك ان الجو الفلسطيني العام لم يكن قد نضج بشكل كاف ليسمح بتداول كامل للسلطة وفق القانون خصوصا وان هذه هي المرة الاولى التي لا تتمتع فيها حركة فتح بموقع القيادة ، وان التيار الذي يتبنى الايديولوجية الاسلامية يسطر على هذا الموقع، ولذلك لم تتقدم هذه القوى للدفاع عن الديمنقراطية التي نشدتها ردها من الزمن ولكسر طوق التفرد والهيمنة الذي طالبت به اربعين عاما، لاسباب ايديولويجة احيانا ، ولاسباب مصلحية مؤقتة احيانا اخرى ، وبسبب الضغوط الخارجية احيانا ثالثة ، ولاسباب شخصية احيانا رابعة ..,. الخ ، لكن المحصلة كانت ان الكل الفلسطيني في القوى السياسية لم يتمكن من التوصل الى رؤية وآلية لموقف واحد ضد الظاهرة وولم يرسم برنامجا واضحا لوقفها واستئصالها ، فيما اعتمد موقفه العام اعتمد على المسكنات المؤقتة ، بل واخذ يكرر نفسه في المواقف عند انهيار اي اتفقا بين الطرفين دون اي تحول اوتصورات جديدة وعملية وجادة، وكانت المواقف عموما بعيدة عن نظرية الحياد الايجابي بين الفصيلين، بل وبعيدة عن الانحياز للشرعية القانونية والدستورية والسياسية القائمة، وحسب تقديرنا فقد كانت بعيدة واقعيا عن الادراك العلمي لمخاطر هذه الظاهرة على القضية الفلسطينية ومستقبل الشعب الفلسطيني ووحدته الداخلية، الامر الذي افقد الساحة الفلسطينية الزمام ، وطفق كل فريق يقلع شوكه بيديه .

تداعيات استئصال ظاهرة الفلتان في غزة بالقوة

 في ظل هذا التحليل يمكن النظر بجدية كاملة للتداعيات التي خلفها نجاح حركة حماس والقوة التنفيذية لوزارة الداخلية الفلسطينية  باستئصال الظاهرة في قطاع غزة مبدئيا. وليتم اخذ العبر والبناء المستقبلي عليها بشقيه الايجابي والسلبي، ووبغض النظر عن المكاسب الضيقة لا ي طرف من الطرفين ، وهو ما يستدعي الوضع العربي والفلسطيني ليتقدم بفاعلية اكبر في وضع قواعد واسس عملية لمنع تفاقم هذه الظاهرة اوعودتها الى المشهد الفلسطيني مما كانت عليه سابقا ،وليستغل الظرف القائم في المأزق الفلسطيني المحزن لاجراء عمليات اصلاح سياسية وامنية مشتركة ومدعومة فصائليا، يمكن لها ان تخرج هذه الظاهرة ورجالها ومن يقف خلفها من الحلبة السياسية ولتفصلها تماما عن الخلاف السياسي المقبول وفق نظرية التعددية فلسطينيا ، ولتكريس الاتجاه محو تفعيل المؤسسية والدستور والقانون الفلسطيني بشكل واقعي وعملي ، وهي كذلك فرصة لاستيعاب النغير الاستراتيجي الذي اصاب المكون الاجتماعي والسياسي الفلسطيني بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في كانون ثاني عام 2006 بعيدا عن الاوهام والتحليلات غير الواقعية وغير المفيدة لرسم المستقبل والتي تحاول التقليل من ظاهرة التحول من جهة وتقرأ المستقبل بعقلية الماضي واسسه السابقة التي ثبت انها غير قادرة على الصمود ولا المواجهة في وجه الخطط والبرامج الإسرائيلية والأمريكية المعادية لمصالح الشعب الفلسطيني ما ساتدعى نجاح هذا التحول الاجتماعي والسياسي الذي عبر عنه الشعب الفلسطيني باختيار حر.

ولا شك ان هذا المدخل يلقي بعبء كبير على كاهل النخب المثقفة الفلسطينية والعربية، وكذلك على كاهل الطبقات الواعية في الفصائل الفلسطينية وعلى القوى السياسية والحكومات العربية التي تعمل على استداد حقوق الشعب الفلسطيني المغتصبة وتسعى لبناء الاستقرار والتنمية لصالح شعوب الامة العربية.

مأزقان: في غزة والضفة ودور رئيس السلطة

شكل نجاح حركة حماس باستئصال ظاهرة الفلتان الامني وتيارها من الاجهزة الامنية ومن حركة فتح على وجه التحديد في قطاع غزة  اطارا لواقع فلسطيني جديد، خصوصا بعد قرار الرئيس الفلسطيني بتشكيل حكومة طوارئ خارج القانون، وبتعديه دستوريا على السلطة التشريعية بتعليق بعض مواد النظام الاساسي خارج صلاحياته، وباعلانه الحالة في غزة كحالة انشقاق او عصيان عسكري او حالة خارج النظام السياسي الفلسطيني، على الرغم من ان التقديرات تشير الى عجزه عن السيطرة على هذه الحالة المستجدة  بهذه الاجراءات، حيث تهدف اجراءاته الى محاولة خنق الحالة ووأدها،  وتشجيع الناس على الثورة على حركة حماس في قطاع غزة .

 وبرغم اقرار حركة حماس المتواصل بشرعية الرئيس الدستورية رئيسا للسلطة الوطنية  الفلسطينية في الضفة والقطاع وترحيبها به للقدوم الى قطاع غزة ليمارس مهامه وصلاحياته الرئاسية في معالجة الحالة المستجدة وطنيا، غير ان جو التوتر والتزمت والصدمة ساد التفكير القيادي ومكتب الرئيس وقيادة حركة فتح القائمة اليوم على العموم، بل وجاراه في ذلك عدد من الفصائل الفلسطينية لاسباب متعددة ، ناهيك عن اسهام  بعض الاطراف والقوى السياسية العربية في تشجيعه على هذا المسار، الامر الذي اسس لحالة انقسام عمودي وافقي في صوف الشعب الفلسطيني، وصلت الى حد رفض     الحوار الا بعد تطبيق شروط وتعديل حالة، في الوقت الذي يتحاور فيه الرئيس مع القيادات الاسرائيلية التي هدرت كل الحقوق والكرامة الفلسطينية ولا تزال حتى اثناء اجتماعه معها ، فيما يعتبر  سابقة تاريخية مضرة بالتجربة الوطنية الفلسطينية، قد تنذر بفصل الضفة عن قطاع غزة سياسيا، علما بانها مفصولة واقعيا من الناحية الجغرافية والسكانية بسبب الاحتلال. ( ان السيطرة على المقرات الامنية مؤقتا واستئصال قيادات تيار الفلتان الامني منها لا علاقة له بفصل الضفة عن غزة سياسيا، بل ان اجراءات حكومة الطوارئ وقرارات الرئيس كانت اكثر تاثيرا ووضوحا وتهديدا لتشكيل هذه الحالة ) .

بعد الحسم: القبضة الأمنية في الضفة وعقوبات جماعية ضد القطاع 

ساد قطاع غزة الامن العام والنظام النسبي بعد انتهاء المواجهة بين عسكريي حماس والقوة التنفيذية من جهة وتيار الفلتان الامني في الاجهزة الامنية من جهة اخرى ، وذلك في ظل امتناع غالبية رجال الامن الفلسطيني الالتحاق بمقراتهم بسبب غموض المستقبل والضغوط المختلفة والالتباسات حول المستقبل العام ، وتولت هذه المهمة القوة التنفيذية في وزارة الداخلية وعديد لا يتجاوز الالف رجل من الشرطة والامن العام ، ولكن الشعب الفلسطيني في القطاع بدأ يشعر ان ثمة عقوبات تفرض عليه من خارجه يقف خلفها بعض موظفي مكتب الرئيس بحجة تمرد القطاع على شرعية الرئيس المنتخب ، واهم هذه العقوبات الحصار الاقتصادي، واغلاق المعابر، واتخاذ قرارات تعتدي على حقوق الموظفين العامين خاصة فيما بتعلق بصرف الرواتب التي توفر لها رصيد من اموال الشعب الفلسطيني المحتجزة لدى اسرائيل سابقا، حيث تعتقد ان هذه الاجراءات ستعمل على توقف عجلة الحياة في قطاع غزة تمهيدا للثورة على الوضع الذي تسيطر عليه حركة حماس، ما جعل الشارع الغزي يتساءل عن الفرق بين هذه الاجراءات التي تسمى عرفا بالعقوبات الجماعية، وبين اجراءات الاحتلال بعد فوز حركة حماس ؟ وهو ما يشير الى الفشل المبدئي لهذه الخطة المتوترة وغير السياسية ولا القانونية حتى في صفوف ابناء فتح ذاتها .

كما بدأت حملة قطيعة تتزايد بين الطرفين المتخاصمين في الحالة المستجدة تهدد البنية والنسيج الاجتماعي الفلسطيني عموما، كما تؤثر وبشكل بالغ على الاقتصاد والحياة العامة والوضع النفسي لللاسرة والمجتمع على حد سواء خصوصا في ظل استمرار الاحتلال الاسرائيل .

وبذلك تشكل مظهر المأزق الاول في ادارة قطاع غزة من جهة وفي تعريف موقعه الجغرافي والسياسي والوطني في المشروع الوطني الفلسطيني لانهاء الاحتلال من جهة اخرى!

وعلى صعيد آخر فقد فوجئ الشعب لفلسطيني بعمليات انتقامية تقوم بها بعض المجموعات المحسوبة على تيار الفلتان الامني او من تشغلهم باسم فتح او الاجهزة الامنية او حتى قطاعات من كتائب الاقصى ، حيث استهدفت هذه العمليات الضغط على حركة حماس في الضفة الغربية وتفكيك تنظيمها وبنيتها العسكرية بتنسيق مباشر مع الاحتلال، لتطال الافراد والمؤسسسات الخاصة والعامة ، ولتشمل ايضا اقالة مجالس بلدية وافراد في الوظائف العامة بقوة السلاح ، ناهيك عن الاعدامات الميدانية والاعتقال الواسع ونشر الرعب في الاوساط الفلسطينية، كخطوة مكملة لسياسة خنق القطاع حتى الثورة التي شرحناها سابقا .

 وبرغم اعلان حالة الطوارئ وتكشكيل حكومة لتديرها، غير اتجاه الحكومة اخذ منحى آخر خصوصا بعد لقاء عباس اولمرت ، فبدلا من فرض الامن في الشارع وضبط الاجهزة الامنية ، شرعت حكومة الطوارئ بتفكيكط بنى فصائل المقاومة التي تدافع عن الشعب ضد الاحتلال حتى التابعة لحركة فتح، واعلنت التنسيق الامني الكامل مع الاحتلال كمكا صرح رئيس وزرائها، وحظرت مئات المؤسسات المدنية التي تقدم خدمات تعجز عنها السلطة للشعب الفلسطيني خصوصا تلك التي يديرها احد من حركة حماس او محسوبا عليها او متعاطفا معها ، عبر عملية ابتزاز لمواقف تدين حماس بسبب ما جرى في غزة .

وبذلك تسببت اجراءات الرئيس وحكومة الطوارئ بخلق مأزق فلسطيني آخر لا يقل خطورة عن المازق في قطاع غزة الذي نجحم عن نجاح حماس في تطهير الاجهزة الامنية وسيطرتها على مقراتها، ليتشكل المشهد السياسي الفلسطيني من مأزقين لكل منها مقوماته وتداعياته التي  تتكامل خطورتها على القضية الفلسطينية، ولينشغل الفلسطينيون في التلاوم على من يتحمل مسئولية تضييع القضية بدلا من الحوار والبحث عن سبيل الخروج من المازقين لصالح حماية المشروع الوطني واستمرار العمل على انهاء الاحتلال، مع التعايش البرامجي والسياسي والدستوري كبقية شعوب العالم اليت لا تخضع للاحتلال ولا تعاني حتى من مشاكل اقتصادية وتعيش في حالة سيادة كاملة على ارضها وثرواتها وشعبها ومستقبلها، ما يجعل التدقيق في المشهد يشير باصالبع الاتهام بالعجز والضعف وعدم الجدية في معالجة المازق الوطني بشقيه جغرافيا وسياسيا وامنيا في الضفة والقطاع.

التحلي بالمسئولية للخروج من المأزق

المسئولية الوطنية تقع على كاهل رئيس السلطة  الفلسطينية اساسا حيث ان معالجة تفاقم النزاع الداخلي والانقسام تقع في سلم اولويات مهامه الدستورية  حسب القانون الاساسي وحسب نص القسم الذي اقسمه امام شعبه عند انتخابه عام 2005 ، وذلك ليحافظ على االدستور والوضع الدستوري وليجمع الشعب وكل قواه على مصالح القضية الفلسطينيةالعليا ،لان انتقاله من هذال الموقع الى موقع الطرف والند الذي يناكف ويقاطع طرفا فلسطينيا رئيسيا فقد اعجز نفسه عن القيام بالمهام التي اقسم امام الشعب على القيام بها، وهو ما قد يدفع البعض من الخبراء والمفكطرين والمحللين وربما المعارضة لبرنامنجه واتجاهخاته الى القول بانه اذا كان الرئيس يضيق ذرعا بنتائج الانتخابات الماضية ولا يستطيع ان يقوم رئيسا للشعب لالسيطيني في لاضفة والقطاع فليقدم استقالته لياتي رجل يستطيع ان يتعايش مع هذا الواقع المعقد فلسطينيا،  ويقود السفينة الى بر الامان حتى مع الخلاف السياسي وتزايد الضغوط الخارجية التي نجح محمود عباس في مقاومتها في بعض المحطات سابقا، وهي الضغوط التي لم تتوقف على الشعب الفلسطيني يوما من الايام لا في ظل حكومة تقودها حماس ولا في ظل حكومة كلها تحت ادارة فتح ولجنتها المركزية وفي ظل غياب حماس عن المشهد السياسي المباشر.

منطلقات وسبل الخروج من المأزق الوطني

 تظهر المقاربات الكثيرة التي حاولت هذه الورقة التطرق اليها، والتي تظهر شكلا معقدا للواقع الفلسطيني اليوم ، وتبين بشكل جلي المخاطر التي قد تحيق بالقضية كلها في حال كان التزمت هو سيد الموقف ، كما تبين خطورة القطيعة ورفضا لحوار من حيث المبدأ ، ناهيك عن انه على جميع الاطراف الفلسطينية أن تعترف بان المقدمات التي سادت واقع السلطة طوال السنوت العشر السابقة شكلت تربة خصبة للوصول الى هذه الحالة ، وان عدم التضافر الوطني الكافي  في مواجهة التحديات الداخلية المتمثلة بظاهرة وتيار الفلتان الامني المتنفذ في الاجهزة الامنية كان سببا مباشرا لما آلت اليه الاوضاع الميدانية من حال، كما تعتقد الورقة انه يجب وقف حملة الاتهامات المتبادلة الا بدليل وعبر الاطار القانوني ، وان مجريات الفلتان الجاري اليوم على يد ما يسمى بتنفيذية فتح في القرى والمخيمات والمدن في الضفة الغربية ، واجراءات الاجهزة الامنية المنسقة مع الاحتلال ضد فصائل المقاومة ، واستمرار وجود حكومتين ، وتفاقم خطورة بناء مجلسن تشريعيين، والتمييز بين ابناء الشعب الواحد على اساس الولاء لما يسمى بالشرعية، او تاييد ما قامت به القوة التنفيذية وحركة حماس باستئصال تيار الفلتان الامني في قطاع غزة ، انما تشكل وصفة مدمرة للشعب الفلسطيني ولوحدته الوطنية ولوحدة اراضيه المحتلة عام 1967 ، وتفقده البوصلة السياسية الفاعلة والمؤثرة في انتزاع حقوقه من الاحتلال.  

ولذلك فان المصلحة الوطنية العليا تقتضي من الاطراف المعنية فلسطينيا ان ترتفع الى مستوى المسئولة الوطنية والمستندة الى المصالح العليا للشعب الفلسطيني بعيدا عن المصالح الفئوية الضيقة، وان تتنبه الى اهمية المحافظة على النظام والدستور والقانون الذي تم خرقه بقوة تنذر بانهائه وافقاده قيمته القانوينة والسياسية ، وتؤكد الورقة على اهمية استمرار التواصل والحوار الوطني في اعقد نقاط الخلاف الشخصي او السياسي او التنظيمي ، كما تشير الورقة الى الخطورة الناجمة عن الاصرار على العودة الى الحالة التي كانت سائدة سابقا في الاجهزة الامنية والتي كانت ترعى تيار الفلتان الامني لان ذلك يعني السعي للعودة الى مربع الاقتتال الداخي ، حيث انه وبرغم نجاح حكومة الوحدة الوطنية وحركة حماس معا  باستئصال سرطان الفلتان الامني من داخل الاجهزة الامنية ، غير ان ذلك تم بعيدا عن الغطاء القانوني والشرعي ، كما تم من طرف واحد ، لكنه في النهاية نجح في تخليص الشعب الفلسطيني من سرطان مضى عليه عشر سنوات وهو  ينهش احشاء الشعب والقضية ويدعم برامج الاحتلال، اي ان النتيجة التي تمك التوصل اليها بهذه السياسة خارج النظام القانوني نجحت وبدون مضاعفات خطيرة ، وكانت محصلتها العامة ايجابية برغم ان الالية تمت خارج القانون، ولذلك فانه بات من المعقول التاسيس لحالة اعادة بناء الاجهزة الامنية التي تلزم الشعب الفلسطيني في حفظ امنه وصد العدوان عليه بغض النظر علن التسميات ، والتوافق لمرة اخرى كما تم التوافق لمرات سابقة على عدم اللجوء الى اسلوب القوة المسلحة لحسم اي خلافات داخلية ، واعتبار الحالة التي تمت استثناءا اضطراريا، وانها لم تكن ضد حركة فتح او الرئيس عباس وانما لتطهير فتح والاجهزة الامنية من تيار وسرطان الفلتان الامني، وانها خدمت الرئيس وخففت عنه الضغوط من قبل هذا التيار بل وافقدت الجانب الاسرائيلي اداة التهديد ضده ببدائل من هذا التياركما فعلت مع ياسر عرفات من قبل.

 ويدعم امكانية نجاح هذا الاتجاه في التاطير الوطني للمرحلة القادمة ان حركة حماس حسبما تعلن ملتزمة بنتائج العملية الديمقراطية وبرئاسة محمود عباس وبالقانون الاساسي، الامر الذي يسمح بهامش محدود من قبول التحول الذي تم بوصفه يحقق مصلحة عليا، ويعيد الامن والنظام ، ويطهر الاجهزة الامنية من التوجهات غير الوطنية ، وتعتقد هذه الوقة ومن منطلق وطني عام ان حركة حماس بحاجة الى اعانة لتحقيق ذلك  عبر حكومة وطنية مشتركة.

من ناحية اخرى فان ثمة مسالة لا يمكن القفز علهيا في هذا التحليل والبحث عن سبل الخروج من المازق تتعلق باهمية وجود مرجعية سياسية للحوار وحتى للخلاف والاتفاق في لاساحة الفلسطينية لاستعادة زمام المبادرة الوطنية الشرعية بصورة جديدة، وترى الورقة ان وثيقة الوفاق الوطني  واتفاق مكة يشكلان مرجعية ى متماسكة الى حد كبير يمكن الاستناد اليها في معالجة الوضع الذي نشأ في قطاع غز والضفة الغربية ،  ويخرجان الشعب الفلسطيني من المأزقين معا . لأنه في حال غياب المرجعية السياسية ، واستمرار الرئيس بترك قيادة السلطة في قطاع غزة حسب الدستور فان الوضع الفلسطيني قد يتجه الى خيارات اخرى يمكن ان تكون احداث غزة نموذجا اخر لها، وربما يعمل الاحتلال على بلورة وقائع ويدفع باتجاهات الانقسام لفرض حله السياسي المتعلق بدويلة الكانتونات في الضفة مع ابقاء يده العليا في الشروط "والعطايا" كما يعتقد اولمرت، والذي يهدد محمود عباس بمصير ياسر عرفات في حال عاد للتفاهم مع حركة حماس  ...وهي وصفة الموت الجماعي للشعب الفلسطيني وأقسامه من قبل أولمرت !؟

جـواد الحـمد
11/7/2007

أعلى الصفحة  عودة لرؤيتنا للمتغيرات

 

جائزة البحث العلمي

المؤسسة الأردنيـة

للبحوث والمعلومات

 

مجلـة دراســات

شـرق أوسطيــة

 

الندوات والمؤتمرات

حلقــات نقاشيـة

الحفل السنوي للمركز

من إصداراتنا

 

العلاقات التركية- الإسرائيلية وتأثيرها على المنطقة العربية

 


حق عودة اللاجئين الفلسطينيين بين النظرية والتطبيق

إسرائيل ومستقبلها حتى عام2015م
تداعيات حصار غزة وفتح معبر رفح

اتجاهات التحول في توازن القوى السياسية والاجتماعية في الديمقراطية الأردنية


نحو توافق فلسطيني لتحريم الاقتتال الداخلي

 

 

 

 

 

 

 

Designed by Computer & Internet Department in MESC.Latest update   July 08, 2010 12:14:15