رؤيتنا للمتغيرات

نشـاطـاتنا

إصـداراتنـا

وثـائـــق

دراســـات

خدمات مجانية

الدورات التدريبية

الشؤون الإسرائيلية

أحدث الإصدارات

التحـول التركـي تجاه

المنطقة العربية

مطالب الثورات العربية والتدخل الأجنبي

المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية

 

 

اتجاهات التنمية الاجتماعية والبشرية في الأردن

التحولات والثورات الشعبية في العالم العربي الدّلالات الواقعية والآفاق المستقبلية

تركيـــــا وإسرائيـــــل وحصار غزة

تـداعيـات هجـوم إسـرائيـل على أسطول الحرية

التسـويـة السيـاسيـة

 التحديات والآفاق

الوطــــن البديـــل آفاق التطبيق وسبل المواجهة

القرن الإفريقي وشرق إفريقيا

الواقع والمستقبل

رسالة أوباما التصالحية والمطلوب عربيا

الفاتيكان والعرب، تحديات وآفاق في ضوء زيارة البابا للمنطقة

التداعيات القانونية والسياسية لانتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني

السياسات العربية في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي حتى عام 2015م

الأزمة المالية الدولية وانعكاساتها

 

 

برنامج الندوة والتعريف بالمشاركين

 

أعلى الصفحة

اليوم الأول:  الأحد 13/11/2016
الاستقبال والتسجيل (9:15– 9:45)
جلسة  الافتتاح
9:45 - 11:00

أ. طاهر المصري رئيس الوزراء الأردني الأسبق، ووزير الخارجية الأسبق، ورئيس مجلس الأعيان الأسبق

د. مصطفى عثمان/ وزير الخارجية السوادني الأسبق، ومندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة جنيف

د. روزمري هوليسأستاذة دراسات الشرق الأوسطجامعة سيتي، والمديرة السابقة للأبحاث في معهد تشاتم هاوسلندن

أ. جواد الحمد رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط، ورئيس تحرير مجلة دراسات  شرق أوسطية
11:00 - 11:30 استراحة
الجلسة الأولى: العلاقات العربية– الأمريكية والروسية
رئيس الجلسة:  د. عدنان بدران
رئيس الوزراء الأردني الأسبق، ورئيس مجلس أمناء الجامعة الأردنية
التوقيت الورقة الباحث
11:30– 01:30 الأولى: العلاقات العربية– العربية ودورها في العلاقات العربية الدولية د. مجدي حمّاد/ مصر– رئيس مجلس أمناء الجامعة اللبنانية الدولية – بيروت
الثانية: العلاقات العربية– الأمريكية د. أسامة الدوري/ العراق– أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر– جامعة بغداد
الثالثة: العلاقات العربية– الروسية د. خالد العزي/ لبنان– باحث متخصص في الشؤون الروسية
1:30 - 3:00 استراحة الغداء
قاعة مؤتمرات مركز دراسات الشرق الأوسط مبنى الاتحاد المهني مقابل وزارة الصناعة والتجارة
الجلسة الثانية: العلاقات العربية– الأوروبية
رئيس الجلسة:  د. إسماعيل عبد الرحمن
 أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية
التوقيت الورقة الباحث
3:00– 5:00 الأولى:  العلاقات العربية مع الاتحاد الأوروبي (الاتحاد المغاربي– دول مجلس التعاون الخليجي د. محمد بوبوش/ المغرب–  باحث في العلاقات الدولية– جامعة محمد الأول– وجدة
الثانية:  العلاقات العربية– البريطانية د. أديب زيادة/ بريطانيا– متخصص في السياسة الخارجية الأوروبية– جامعة إكستر
الثالثة: العلاقات العربية– الفرنسية د. أحمد سعيد نوفل/ الأردن–  أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك
     
اليوم الثاني: الاثنين 14/11/20162016
الجلسة الثالثة: العلاقات العربية– الإفريقية
رئيس الجلسة:  د. محمد أبو حمور
وزير المالية الأسبق، وأمين عام منتدى الفكر العربي
التوقيت الورقة الباحث
10:00– 12:00 الأولى:   العلاقات العربية– الإفريقية
(الحالة النيجرية)
د. مصطفى بنموسى/المغرب– مدير مركز السليماني للخدمات الاجتماعية– وجدة
الثانية: العلاقات العربية مع الاتحاد الإفريقي د. حمدي عبد الرحمن/مصر– أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية– جامعة زايد

الثالثة:   العلاقات العربية– الإفريقية

(حالة جنوب إفريقيا)
د. بدر حسن شافعي/مصر– خبير الشؤون الإفريقية– جامعة  القاهرة
12:00 - 12:30 استراحة
الجلسة الرابعة: علاقات العالم العربي مع دول آسيا وأمريكا اللاتينية
رئيس الجلسة:  د. نبيل الشريف
 وزير الدولة لشؤون الإعلام الأسبق
التوقيت الورقة الباحث
12:30– 2:30 الأولى:   العلاقات العربية– الصينية د. عمار جفّال/الجزائر مدير مختبر البحوث والدراسات في العلاقات الدولية– جامعة الجزائر
الثانية:  العلاقات العربية– اليابانية د. مسعود ضاهر/لبنان– أستاذ التاريخ الاجتماعي في الجامعة اللبنانية
الثالثة: العلاقات العربية مع أمريكا اللاتينية (وعلى الأخص مع كل من البرازيل والأرجنتين وفنزويلا) د. صدفة محمد/مصر– باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية
2:30 - 3:30 استراحة الغداء
الجلسة الخامسة: مستقبل العلاقات العربية الدولية (المطلوب عربياً لتطوير العلاقات العربية– الدولية)
رئيس الجلسة:  د. مصطفى عثمان

وزير الخارجية السوداني الأسبق - ومندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة– جنيف

2:30 - 3:30 البيان الختامي والتوصيات رئيس الندوة

أعلى الصفحة

الورقة الاسترشادية

تندرج الورقة الاسترشادية لهذه الندوة ضمن موضوع أوسع تحت عنوان "العلاقات العربية- الإقليمية والدولية: الواقع والآفاق"؛ حيث سيبحث مركز دراسات الشرق الأوسط هذا الموضوع ضمن ندوتيْن، تتناول أولاهما "العلاقات العربية- الدولية: الواقع والآفاق" وتنعقد في هذا العام 2016، بينما تتناول الثانية "العلاقات العربية- الإقليمية: الواقع والآفاق" ويعمل المركز على عقدها في عام 2017. ومن هنا فإن الورقة الاسترشادية للندوة حرصت على أن تتناول العلاقات العربية- الدولية ضمن هذا الإطار الأوسع والأشمل.

أولاً: فكرة الندوة وأهدافها

يقع العالم العربي في إقليمٍ يتمتع بأهمية جيواستراتيجية على مستوى العالم، ولكنه يُعَدّ محلاً للصراع بين القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة وبين القوى الإقليمية الصاعدة والطامحة، وفي ضوْء حالة عدم الاستقرار والانقسام والفوضى التي تعيشها العديد من الدول العربية في أعقاب الارتداد عن الربيع العربي، والتي أحدثت تحولات جوهرية في هذه المنطقة الحيوية من العالم بالرغم من عدم تحقيقها لكثير من الأهداف التي قامت من أجلها، فإن حجم التفاعل العربي والإقليمي والدولي ومخرجاته قد تزايد تأثيرها على مجريات الأحداث في العالم العربي. وتأسيساً على ذلك تبرز الحاجة لدراسة العلاقات العربية الدولية والإقليمية الفاعلة دراسة معمقة لتحقيق عدد من الأهداف؛ ومن أبرزها:

1.    تقييم الموقع والدور الذي يحتله العالم العربي على خريطة العلاقات الإقليمية والدولية.

2.    اكتشاف اتجاهات التطوير اللازمة في العلاقات العربية- العربية لزيادة الدور العربي الإقليمي والدولي وتطويره.

3.    رسم السيناريوهات المستقبلية للعلاقات العربية والإقليمية والدولية.

4.    تقديم رؤية مشتركة بخصوص صياغة سياسة خارجية عربية تجاه القضايا الكبرى.

ويُشَار إلى أن الندوة– في إطارها الدولي- ستتناول العلاقات العربية- الدولية منذ العام 2010 وحتى اليوم، وبهذا يتحدد الإطار الزمني للموضوع محلّ البحث، وهذا لا يمنع من بعض الإشارات التاريخية إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك، كما أن الندوة ستركز على العلاقات السياسية، وستتناول المؤشرات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والثقافية بما يخدم توضيح هذه العلاقات بين الأطراف.

ثانياً: الأُطُر الاسترشادية للأوراق في مختلف المحاور

المحور الأول: العلاقات العربية- العربية (مدخل البحث)

تمر العلاقات العربية- العربية منذ ما يزيد على ثلاثة عقود بحالة من الخلافات والتفكك بين وحداتها الأساسية، وهو ما أدى إلى عدم قدرة النظام الرسمي العربي على التعامل مع الأحداث والأزمات العربية والإقليمية التي انفجرت في أماكن متعددة من العالم العربي، ويتناول المحور ما يلي:

      1.        دراسة طبيعة العلاقات العربية- العربية ومدى تأثرها بالعوامل المحلية والإقليمية والدولية.

      2.        دراسة العوامل المؤثرة على الموقف العربي المشترك والتحديات التي تواجهه.

      3.        قدرة وإمكانات النظام العربي في التأثير على قضايا المنطقة ومعالجتها، وإمكانات النظام العربي في الاطلاع بدور دولي أو التأثير على المستوى العالمي.

      4.        تأثير الخلافات العربية على العلاقات العربية الإقليمية والدولية والقضايا العربية الكبرى.

المحور الثاني : العلاقات العربية- الإقليمية

نظراً للأهمية الاستراتيجية للعلاقات العربية الإقليمية وتداخلها في مجالات متعددة تتعلق بالتعاون والصراع نظراً لظروف تاريخية ومعطيات مختلفة. فإن هذا المحور يُركز على الدول الإقليمية الأكثر وزناً وتأثيراً في العالم العربي والتي تنعكس العلاقات معها على مستقبل المنطقة والعرب.

ويتناول ما يلي:

1.    العلاقات العربية- التركية.

2.    العلاقات العربية- الإيرانية.

3.    العلاقات العربية- الإسرائيلية.

4.    العلاقات العربية- الإثيوبية.

ويتناول البحث هذه العلاقات من خلال رصد المؤشرات المرتبطة بالعلاقات والإقليمية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، ويُركز على دور الصراع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية في صياغة هذه العلاقات.  

المحور الثالث: العلاقات العربية الدولية

تتسم العلاقات العربية الدولية بنوع من الخلل وعدم التوازن، الأمر الذي أدى إلى مزيد من التدخل الأجنبي والاختراق الخارجي في شؤون المنطقة ، ويتناول المحور ما يلي:

      1.        العرب والمنظمات الدولية والتكتلات الإقليمية (الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، آسيان، شنغهاي، بركس...)

      2.        العلاقات العربية- الأمريكية.

      3.        العلاقات العربية- الأوروبية، ويمكن تناول الدول الكبرى فيها بشكل منفصل (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا).

      4.        العلاقات العربية- الروسية.

      5.        العلاقات العربية- الصينية.

      6.        العلاقات العربية- الآسيوية الأخرى (الباكستانية، الهندية، الماليزية، الإندونيسية، الكورية الجنوبية، اليابانية).

      7.        العلاقات العربية- الأفريقية (وخاصة دول جنوب الصحراء، وجنوب أفريقيا، والاتحاد الأفريقي).

      8.        العلاقات العربية مع أمريكا اللاتينية (وعلى الأخص مع كل من البرازيل والأرجنتين وفنزويلا).

وذلك من خلال رصد المؤشرات المرتبطة بالعلاقات العربية الدولية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

المحور الرابع: مستقبل العلاقات العربية الإقليمية والدولية

ويتناول ما يلي:

1.    دراسة اتجاهات العلاقات العربية الإقليمية والدولية في ضوء التحولات المتسارعة والمعقدة التي يشهدها العالم.

2.    رسم صورة استشرافية لموقع العرب في العلاقات الإقليمية والدولية من خلال تحليل السيناريوهات المستقبلية للعلاقات على الصعد الإقليمية والدولية.

 

أعلى الصفحة


كلمات الافتتاح

كلمة الافتتاح الأولى

أ. طاهر المصري/ رئيس الوزراء الأسبق- الأردن

السيدات والسادة،

تمر العلاقات العربية- العربية بحالة من التشويه والانقسام، قد لا تكون قد شهدتها بهذه الحدّة من قبل، بانتقالها إلى حروب أهلية وطائفية في العراق وسورية وليبيا واليمن. وقد فتحت هذه الحالة المؤلمة الباب على مصراعيه، للقوى الإقليمية الثلاث، إسرائيل وتركيا وإيران، لتتقاسم النفوذ الإقليمي وتقضم من التراب العربي ما تستطيع، في ظلّ غياب القوة الإقليمية العربية، وانشغالها بحروب تقتيل بعضها بعضاً.

كما أتاحت هذه الحالة أيضا للقوى العالمية، لتأتي للمنطقة، منقذة ومحتلة، مباشرة ومن خلال وكلائها، لتزيد حالة التقتيل العربي عنفاً ونزيفاً، بحجج الطائفية والمذهبية ومحاربة الإرهاب، وغير ذلك من ذرائع واهية.

فإسرائيل تعيش حالة أمان لم تشهدها منذ اغتصابها للأرض الفلسطينية، مدعومة بالقوى التي ساعدتها في  اغتصابها لفلسطين، فتراجع ترتيب القضية الفلسطينية على جدول مشاكل العالم والإقليم، ما أعطى الكيان الصهيوني فرصة لمزيد من النهش في الجسد الفلسطيني بزيادة المستوطنات وقمع الانتفاضات والحرب على غزة وسياسية التهجير والاعتداء المستمر على الأقصى في محاولة لبسط نفوذه على فلسطين بالكامل، ولينطلق منها إلى أبعد من ذلك، وتناسى العالم أن هذا الكيان المصطنع قام كأول ظاهرة إرهاب حقيقية في العالم.

لقد وقع الرأي العام العربي في فخ القيادات العربية والتخطيط في إثارة النعرات وإعادة ترسيم المنطقة واللعب على الفيسفساء العرقية والطائفية والإقليمية في المنطقة، وكلّنا يعرف تماماً أن الغرب وإسرائيل يؤسسان لهذه الحال ويخططان لها منذ زمن بعيد. ولم نتعظ من اتفاقية سايكس بيكو ولا من وعد بلفور ولا من خيانة الحلفاء للشريف الحسين بن علي، ونخشى أن يكون ما يحدث في عدد من بلدان وطننا العربي تمهيداً لسايكس بيكو ثان.

وقد ساعد في إفراز حالة التيه العربي التي نعيشها، غياب ثقافة وفكر الاختلاق وتقبله، وغياب ثقافة التنوع، والقدرة على استثمار التنوع كعامل جذب ورافعة سياسية واقتصادية واجتماعية، ما عمّق ديكتاتورية الحكم السياسي العسكري في المنطقة، ودفع مبادئ التشارك في الحكم والرقابة والمساءلة والتداول السلمي للسلطة إلى زوايا النسيان، كما أضعف ثقة المواطن وأرخى عليه شعوراً من الخوف والإقصاء، إجبارياً أو اختيارياً، لعدم مصداقية الأنظمة السياسية وعدم إيمانها بجدوى المشاركة وعدم جدية طروحات التطوير.

وقد عمّق حالة تيه العلاقات العربية- العربية التي نعيشها، عدم التصدي لمعالجة الاختلالات الهيكلية الاقتصادية، فتراجعت معدلات النمو الاقتصادي ومعها مؤشر عدالة توزيع النمو على ضآلته، فارتفعت معدلات الفقر والبطالة، مصحوبةً بتشوهات أسواق العمل ونظم التعليم وترهل الإدارة العامة ونزعتها الاستعلائية على المواطن، وسوء إدارة الاقتصاد، فتفشى الفساد، وضعفت ثقة المواطن بحكومته ومؤسساتها، لتتعمق عزلة المواطن العربي وغربته في وطنه، وهو يشهد تراجع مستوى معيشته.

وقد ساعد في تعميق الاختلالات الاقتصادية هذه، زيادة الإنفاق العسكري في دول الاحتراب ومسانديهم من العرب، ما استنزف ثروات الوطن، لتواجه البلدان العربية المصدرة للنفط مشكلة انخفاض أسعاره، بآثارها المباشرة عليها وعلى ميزانياتها، وعلى مستوى حياة مواطنيها، وأثارها غير المباشرة في تقييد قدراتها على دعم بقية الدول العربية غير المنتجة للنفط، بكل ما يحمله هذا الخلل، قديمة وحديثه من آثار على المجتمع العربي وتماسك بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقدرته على الصمود، وانتقال أغنياء الأمة العربية من دول الفوائض النفطية، إلى دخولهم كمقترضين من الداخل والخارج.

ولقد كان لغياب العدالة من منظومة قيم الدول العربية، وتغوّل السلطات فيها قويها على ضعيفها، وعدم الفصل الواضح ما بينها، مسؤوليات وواجبات، دوراً في تراجع مفهوم "الدولة" لصالح مفهوم "السلطة"، ما أفرزا بيئة مناسبة لبسط التعسف، كحالة واكبها تراجع الفكر القومي الحافظ لوجود الدولة والأمة، ما يطرح ضرورة التصدي لعلاج هذه الحالة والخلاص منها، بإجراءات متوسطة المدى وبعيدة، بحيث تتمكن الحكومات والشعوب من استيعاب هذه الإصلاحات، ومنها:

1- تعظيم البناء الديمقراطي والفصل بين السلطات وتداول السلطة على أسس الحكم الرشيد في كافّة الدول العربية، وإجراء الإصلاحات الدستورية والتشريعات التي تخدم هذا الهدف، بقوة نفاذ تحافظ على العدالة، وتحفظ حق المواطنة وتُسقط كل التشوهات التي لحقت بمفاهميم المواطنة السليمة والتي تُنمِّي الولاء للوطن والانتماء للدولة، بشكلها المدني الذي يفصل عنها الدين السياسي.

2- المحافظة على استقلال القرار السيادي لكل دولة، والتحرر من أية تبعيات لأي قوى إقليمية ودولية.

3- التركيز على الميزات التي تتوافر في بلدان وطننا العربي من مصادر قوة، طبيعية وبشرية ومواقع استراتيجية بحرية وجوية وبرية وإرث تاريخي عريق، لنتمكن من التعامل مع باقي دول العالم بندية تقوم على أساس المصالح المتبادلة وليس على أساس تهديد "نفّذ التعليمات فقط، وإلاّ من سيحلّ مكانك يصطف على الدور."

4- إنهاء فكر وثقافة الإقصاء للآخر، وترسيخ مفهوم أن التنوع يخدم القضية الوطنية والقومية، الأمر الذي يعزز الولاء للدولة والانتماء للوطن، ليشعر الجميع أن الوطن ملكاً لهم فيحافظون عليه.

5- زيادة الاستثمارات العربية في الداخل العربي والاستفادة من الميزات النوعية المتوفرة في الدول العربية،  بما يساعد على تحفيز النمو الاقتصادي الإيجابي، والتغلب على البطالة وتخفيض حدة الفقر، والتمتع بعوائد الموارد الوطنية فيما بين الدول العربية. 

6- التكاتف عربياً لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني في إعادة حقوقه، وهو السبيل لنزع فتيل الصراع وإطفاء بؤره في المنطقة العربية. 

7- تهيئة الشباب والمرأة لمشاركة حقيقية في صنع القرار. 

8- منح الأقليات حقوقهم الكاملة ودون تهميش، على أسس العدل والمساواة، ما يغلق ملفات تتلقفها القوى الخارجية لإثارة القلاقل.

إن شعوبنا العربية متعطشة للديمقراطية الحقيقية وللفصل ما بين السلطة والدولة، ولبناء الدولة الوطنية الحقيقية، ونتمنى أن يدور نقاش علمي معمق في المجتمعات العربية حول قوة وفعالية مفهوم الدولة، كخطوة نحو إرساء قواعد الحكم الرشيد من مساءلة وشفافية ومحاربة الفساد بكل أشكاله، في طريق بناء علاقات عربية- عربية مبنية على أسس الاحترام المتبادل، والتبادل في المنافع، وإزالة جميع أشكال التوتر والشكّ بين الدول العربية وتشكيل وحدة، لربما من نوع آخر الآن، تتمثل في كيان اقتصادي تلتقي فيه المصالح، وهو المخرج لتقوية جسم عربي يستطيع أن يُلبِّي طموحات الدول والشعوب ويكون جسراً قوياً وفاعلاً في التعامل مع العالم. 

في هذا الوقت الحرج، والذي يُهدّد النظام السياسي العربي برمته، يستضيف الأردن قمة عربية بعد اعتذار دول عربية عن استضافتها، الأمر الذي يسهم في تقوية جامعة الدول العربية المؤسسة العربية الوحيدة الباقية، وإعطائها فرصة، نأمل أن تُحقِّق طموح وتطلعات الشعوب العربية في أن تكون رافعة حقيقة لآمالها، إذ إننا عندما ننظر إلى الجهود الكبيرة في دفع اليونسكو لاتخاذ قرار تاريخي لدعم الحق العربي والإسلامي في الأقصى وفي القدس الشريف، لنرى الأثر القوي والكبير في التنسيق والإجماع العربي، أمام الصلف الصهيوني.

لقد حشرنا الغرب في زاوية محاربة التطرف الذي غذّاه وأوجد أدواته، ووضعنا في الاقتتال العربي الإسلامي على أسس طائفية وإقليمية يعلم الله متى نتعافى منها، وعظم قيم الانفصال والتحارب تباعاً، ما يجبرنا على أن نصحو من سبات الاقتتال بكل أشكاله، وأن ننفك من علاقات التبعية، إلى علاقات الندية والاستقلال الحقيقي، والموائمة بين ضرورة الأمن الداخلي الوطني دون تفريط بالأمن القومي العربي، ما يتطلب من قادة الرأي العربي والإسلامي وأحزابهم ومنظمات المجتمع المدني والنظام السياسي العربي، القيام بصحوة لحماية ما تبقى من الإرث التاريخي لهذه الأمة والحفاظ عليه من التدمير، وهذا يتأتى بالتنسيق والتعاون والتفكير الجمعي بالمصلحة الوطنية والقومية للأمة في المحافظة عليها وعلى حياة مواطنيها وعلى مقدراتها من الاستلاب. 

وعليه، وإلى حين الظهور العربي على المنصة الدولية كجسم واحد وكتلة موحدة في قرارها، تجعل العالم يحسب لها الحساب، يبقى التأثير العربي في تحقيق المصالح العربية، في ظل الظروف العربية الحالية، تأثيراً ضعيفاً وفي مستوياته الدنيا، وعلى الشعوب العربية أن تنتظر ذلك.

 

أشكر لكم منحي فسحة الحديث وحسن الاستماع، والله الموفق.

أعلى الصفحة


كلمة الافتتاح الثانية

د. مصطفى عثمان اسماعيل - وزير الخارجية السوادني الأسبق، ومندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة -جنيف / السودان

الواقع العربي: الفرص والتحديات

يسرني في مفتتح حديثي أن أحيّي جمعكم الكريم من مفكرين، وخبراء وباحثين أكاديميين وسياسيين وصحفيين وناشطين في المجتمع المدني، وان أتقدم بوافر الشكر والتقدير لمركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن وهو يبادر لعقد هذه الندوة والمدارسة الهامة عن العلاقات العربية الدولية: الواقع والآفاق. وهي ندوة تكتسب أهميتها من حيث الموضوع والتوقيت،إذ أن التحولات العميقة علي المستويين الإقليمي والدولي في هذا التوقيت السياسي الهام والدقيق والتحديات التاريخية الماثلة في العالم العربي تستدعي التفكير العميق لمواجهتها والخروج من المأزق الراهن بمقاربات عقلانية مدروسة تتسم بالفعل لا رد الفعل والمرونة لا الجمود، والمبادرة لا الكمون. ولا شك ان طبيعة الفعل العربي في استجابته لهذه التحديات التاريخية سيحدد جملة مؤشرات المستقبل السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمنطقة وامتداد تأثيراته الدولية. وقد سرني في هذا السياق ان أهداف هذه الندوة التي عبر عنها المنظمون في الورقة الاسترشادية لا تقف عند عتبة التوصيف وتقييم الموقع والدور الذي يحتله العالم العربي في خارطة العلاقات الدولية، بل تسعي الندوة الي تقديم تصور للسيناريوهات المستقبلية، والتفكير في تقديم رؤية مشتركة لصياغة سياسة خارجية عربية تجاه القضايا الكبرى. فالعرب ولحقبة من الزمن كانت لهم الكلمة الأولى في هذه المنطقة، لكنهم اليوم في هامش اللعبة الإقليمية. فالصراع اليوم بين ثلاثة دول إقليمية بشكل رئيسي هي، تركيا وإيران وإسرائيل، وتعتبر الأخيرة هي  الأقوى من الاثنين، وتكسب كل يوم نفوذًا وقوة من خلال تطوير قدراتها ومد تحالفاتها والتآمر علي إضعاف العرب.

نحن فشلنا في أن نستثمر نصف القرن الذي تلا الاستقلال لنبني دولاً حقيقية وأمضيناها في التقاتل العربي البيني والنزاعات، والآن ندفع ثمن ذلك تراجعا وعودة إلى سياسات المحاور والتكتلات بين الدول العربية وتفرق في مواجهة التدخلات الأجنبية وانتشار التيارات المتشددة والمتطرفة وانحسار القوى التي تتميز بالقوة والمرونة والاعتدال. ورغم الاضطرابات التي نجدها هنا وهناك في بعض الدول العربية إلا أن ما نراه من اقتتال وتدمير وتدخل خارجي إقليمي ودولي في سوريا والعراق واليمن وليبيا ينذر بعواقب وخيمة.

سأكتفي في هذه الورقة الافتتاحية ان اقدم تلخيصا لجملة التحديات التي تواجه المنطقة في سياق علاقاتها الإقليمية والدولية، وذلك لأن الندوة ستناقش بصورة تفصيلية اوراقا متخصصة حول مختلف المحاور. 

ملامح النظام الدولي

لا يمكن الحديث عن واقع وآفاق العلاقات العربية الدولية دون التوقف لمعرفة طبيعة النظام الدولي الراهن، الذي يمثل الإطار الكلي للمحددات التي تتفاعل في داخلها قضايا وتحديات المنطقة. 

مثل بداية العام ٢٠١٦ العودة القوية لعامل الجغرافيا السياسية بعد انحساره خلال العقد الماضي لسيطرة  مفهوم الصراع الحضاري والأيديولوجي عقب نهاية الحرب الباردة بانهيار الإتحاد السوفيتي، مما أعاد الاهتمام لمنطقة الشرق الأوسط باعتبارها احد اهم مراكز توازنات السياسة الإقليمية و الدولية. تزامن ذلك مع  بروز نظام متعدد القطبية ما يزال قيد التشكل. ذلك بعد أن تربعت الولايات المتحدة علي قيادة العالم منفردة لنحو عقدين من الزمان عقب انهيار الإتحاد السوفيتي، استخدمت فيها سياسة الحروب الاستباقية لإطفاء الحرائق والأزمات، ولم تتردد في التدخل الخشن والغزو المسلح، غير عابئة بمصادر الشرعية الدولية أو بأي قوة أخرى بما في ذلك مجلس الأمن الدولي، حيث اعتبرت نفسها شرطيا دوليا مسئولا عن ترتيب الأوضاع في العالم مع إمكانية إعطاء دور هامشي للآخرين.

وحسب المؤشرات الراهنة فإن هذا النظام الذي يتخلق في أفق السياسة الدولية ستتشارك قيادته  قوي متعددة ، لكن ستنفرد بعض هذه القوي بنفوذ نوعي يتيح لها تقديم المبادرات وقيادة التيار الابرز في تطورات السياسة الدولية. وتعد ابرز تمظهرات هذا التحول من الناحيتين الجغرافية والسياسية، هو انتقال مركز القوة الأمريكية من اقليم الي آخر.فمن ناحية برز العامل الجيوسياسي باهتمام إدارة اوباما لنقل مركز قوتها السياسي والعسكري من الشرق الأوسط الي آسيا الباسيفيكية لاحتواء نفوذ الصين المتنامي في المنطقة. أما العامل السياسي فقد نتج عنه تحولا نوعيا باستبدال الدبلوماسية الناعمة بدلا عن الدبلوماسية الخشنة التي شكلت سياسة الولايات المتحدة خلال العقد الأول من هذه الألفية. وقد أدي ذلك حسب ابرز التحليلات الي نشوء فراغ أمني في منطقة الشرق الأوسط ، قاد الي اشعال فتيل التسابق الإقليمي لسده واحتواء تداعياته. وتشير بعض التوقعات الي ان الولايات المتحدة قد تعيد تركيز دورها ونفوذها في الشرق الأوسط من جديد، بصورة متوازنة مع اهتمامها بالتطورات في بحر الصين الجنوبي نسبة لعودة الدور الروسي بقوة في الحرب السورية، ومخاوف بناء شبكة تحالفات إقليمية تقود الي تعميق الصراعات الطائفية الراهنة.

أوردت صحيفة الواشنطن بوست تصريحًا لفليب غوردون الذي كان يعمل مستشارًا للسياسة الخارجية لأوباما حتى عام 2015م يقول فيه "إن هنالك اعتقادًا سائدًا بأن عدم الانخراط عالميًا بما فيه الكفاية، أو الاعتراف بحدود القوة الأمريكية، يأتي بتكاليف باهظة، ولذا فإن البديل الطبيعي هو زيادة التدخل الأمريكي."

وتبرز ضمن هذا السياق وجهة نظر أخري تؤكد عودة الدور الروسي بقوة الي المنطقة، فروسيا اليوم ليست روسيا قبل عشر سنوات، إذ بدأت روسيا في إعادة بناء مراكز نفوذها السياسي والعكسري في الشرق الأوسط من جديد. وفي المقابل استقرت سياسة أمريكا الخارجية في هذه المرحلة على الاكتفاء بأنها قوة كبرى، ولكنها لن تنغمس عسكريًا في مشاكل تخص الآخرين.وكما قال وزير الخارجية جون كيري ان خيارات أمريكا في سوريا محدودة لأن التدخل العسكري سيزيد من تعقيدات الموقف اذ ستعمل روسيا علي مضاعفة دعمها العسكري لحلفائها ايضا. وقد عبر عن ذلك الموقف الرئيسي لأوباما بوضوح أكثر حين قال "إن على الحلفاء أن يدافعوا عن أنفسهم". مما يعني أن أمريكا تراجعت عن دورها التقليدي لتكون شرطي المنطقة، أو أن تكون هي الضامن للأمن الإقليمي، ما عدا حماية أمن إسرائيل. وهكذا جاءت إشارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب "أمريكا أولاً وعلى الآخرين أن يتولوا حماية أنفسهم أو أن يدفعوا مقابل هذه الحماية".

قد يكون لنتيجة الانتخابات الامريكية التي أنتجت شرخًا في المجتمع الأمريكي بين تياري الأصولية والحداثة، ومن المبكر الجزم بخياراتها، تأثيرًا ملموسا علي جملة التوجهات الإقليمية في المنطقة، ففوز ترامب بسدة الرئاسة الامريكية ونظرته للسياسة الامريكية في المنطقة سيقود الي تحولات كبيرة وفقا لنوع وحجم الاستثمار المتوقع لمقدرات القوة الامريكية ونفوذها السياسي في المنطقة. وسيعتمد ذلك أيضا علي خيارات السياسة الروسية في المنطقة التي تتجه نحو أعادة تركيز قوتها العسكرية في الإقليم. وكما قال كثير من المحللين فإن المؤشرات العامة لا تستبعد بروز نذر حرب عالمية واسعة النطاق، فإذا كانت أوروبا هي المسرح السياسي والعسكري  للحربين العالميتين الأول والثانية، فإن الشرق الأوسط حسب أغلب الترجيحات سيكون هو المسرح لأي حرب عالمية ثالثة، مما يستدعي مضاعفة الجهود لتفادي ذلك السيناريو المخيف. ورغم بروز هذه الحقائق في سياق هذا التحليل الا ان انفتاح المنطقة العربية علي تشكلات النظام الدولي متعدد القطبية وتفادي سيناريو الحرب الشاملة في المنطقة سيكون هو الخيار الأفضل لتحقيق المصلحة القومية العربية.    

النظام العربي الإقليمي الجديد

هناك شبه اتفاق بين المحللين ان المنطقة تواجه تحديات وجودية لم تشهدها منذ حرب ١٩٦٧. ولعل ابرز تحديات المرحلة الراهنة هو تفكك النظام العربي الإقليمي الذي ظل سائدا منذ عدة عقود ، وبداية تشكل نظام إقليمي جديد ما تزال تصطرع علي  بنائه عدة قوي إقليمية متنافسة. ولعل ابرز محددات تشكيل هذا النظام الإقليمي الجديد هو مآلات الحرب السورية . فبعد دخول روسيا في الحرب لدعم النظام السوري وانهيار التفاهمات الامريكية الروسية والاختلاف الحاد حتي بين الأطراف العربية الرئيسية والعجز الدولي الواضح في فرض صيغة حل سياسي يشترك فيه الجميع ، يبدو واضحا للعيان ان المنطقة تعاني انقساما تاريخيا يَصعّب من مهمة قيام نظام إقليمي متماسك يحظى بدعم الجميع. فالملف السوري الذي بدأ صراعًا داخليًا ثم إقليميًا وانتهى إلى صراع دولي لا أحد يستطيع أن يجزم ما هو المآل الذي سينتهي إليه في ضوء التصعيد ونذر الحرب التي نشهدها على الأرض السورية بين القوتين العظميين. ان اكبر التحديات التي ستؤثر علي مستقبل المنطقة والعمل العربي المشترك هو انقسام المنطقة الي قطبين متناحرين سني وشيعي. تتجلي ابرز تمظهراته في الحرب السورية وحرب اليمن مع تزايد نفوذ ايران في المنطقة، و بروز محاولات قوية لبناء تحالف إيراني – عراقي - سوري مع القوة الروسية في المنطقة. وفي المقابل حاولت دول المنطقة العربية الأخرى الاصطفاف لحماية أمنها الاقليمي مع تزايد النفوذ الإيراني خاصة في دعم تحالف الحوثيين مع عبدالله صالح في اليمن، عبر عدة تكوينات منها دول التحالف العربي، والتحالف الإسلامي. 

يترافق مع ذلك بروز التنظيمات الإرهابية في إشعال الصراعات في المنطقة تكريسا لدور الفاعلين من غير الدول none state actors و بروز استراتيجية بناء وتأسيس دولة الخلافة، وقد مثل انتقال عمليات تنظيم داعش من سوريا والعراق الي ليبيا تحديا جديدا في المنطقة تطلب كبح جماح تمدده ومحاصرة اتساع نطاق نشاطه واهدافه، وتتنامي الخشية من تنامي قدرته وتمدد تحالفاته الإقليمية ليشمل حركة الشباب في الصومال، وبوكو حرام في نيجيريا . 

اضافة لإرهاق الحرب يواجه الاقتصاد الكلي للمنطقة  العربية تحولات عميقة من الصعود والهبوط بسبب انكماش الاقتصاد العالمي، وهبوط أسعار النفط العالمية، مما أدي الي ان تتبني بعض الدول العربية وللأول مرة في تاريخها سياسات تقشفية و اعادة هيكلة الاقتصاد لتقليل الإنفاق العام والسحب التدريجي للدعم الحكومي للسلع والخدمات و فرض معدلات جديدة للضرائب. يتوازن مع هذه الصعوبات الاقتصادية زيادة متوسط نسبة البطالة وسط الشباب في المنطقة العربية  بنسبة تصل الي ٤٠٪‏ في الوقت الراهن. مما يجعل شريحة الشباب في الدول العربية في ظل هذه الصعوبات الاقتصادية عرضة للاستقطاب من قبل الايدلوجيات المتطرفة. وهذا يتطلب الانفتاح علي القوي الاقتصادية الناهضة خاصة الصين، و مجموعة البركس خاصة (البرازيل، الصين، روسيا، الهند، وجنوب أفريقيا)، و احتواء تداعيات قانون جاستا بحزمة من التدابير والسياسات الجريئة والشجاعة حتي لا نفقد رأس المال العربي الاستراتيجي في أسواق الاستثمارات العالمية. وكذلك الاهتمام بالأسواق الناهضة في افريقيا التي أصبحت احد ابرز مراكز الاستثمارات العالمية خاصة في مجال المواد الخام والبنيات الاساسية. هذه المخاطر الكامنة تتطلب إعادة نقل وتدوير رأس المال العربي المخصص للاستثمارات العالمية ليدعم الإستراتيجية السياسية لخلق وتقوية التحالفات الدولية الجديدة خاصة مع اقتصاديات القوي الناهضة، وتسريع وتيرة بروز النظام متعدد القطبية. 

التحدي السياسي الابرز في المنطقة ايضا هو قيام أنظمة سياسية متباينة التركيبة والتوجهات، حيث اكتملت في بعض الدول معظم ملامح التحول الديمقراطي التي تتمثل ابرز ملامحها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، واتساع نسبة المشاركة والشفافية وبسط الحريات السياسية  كما جرت مؤخرا في بعض الدول. وتعاني دول اخري من صعوبات إكمال مشوار تحولات الربيع العربي، خاصة مع تفاقم عملية الإقصاء والإقصاء المضاد بين القوى السياسية الحية في المجتمعات العربية.وعمّقت محددات التحولات الديمقراطية في المنطقة من الانقسامات المجتمعية الحادة بين مختلف القوي الأيدولوجية، مما افقد المشهد العربي بروز معارضة سياسية رشيدة تتحمل مسئولية العمل الوطني من مقعد المعارضة لا الحكم.

اشارك كثير من المفكرين العرب الانشغال بسؤال الوحدة والنهضة العربية، وفى تقديرى الشخصى لن يكتب للوحدة العربية النجاح الا باستمرار الجهود العربية المشتركة وتأسيس مصالح اقتصادية تقوم علي مؤسسات راسخة للوحدة النقدية وتأسيس سوق عربية مشتركة، تشجع انتقال الأفراد ورؤوس الأموال والسلع والخدمات عبر حدود الدول العربية دون قيود أو شروط متعسفة، و من ثم التفكير في تطوير صيغ العمل العربي المشترك، ونقلها الي مستوي الإتحاد العربي بدلا من الجامعة العربية مثل تجربتي الاتحاد الأفريقي والأوروبى . وفي هذا السياق لا بد من استمرار الدفع بعملية السلام لتحقق التسوية العادلة مع اسرائيل كعامل رئيسى لنجاح الأهداف الوحدوية العربية وأنه لا مستقبل ناجح للوحدة العربية الا اذا كانت موجهة لصالح وخدمة قضايا ومسائل العمل العربى المشترك، أكثر من تكريس وتغذية الصراعات الإقليمية.

مهما تحدثنا عن الأوضاع في المنطقة العربية فلن يكتمل ذلك بدون التعرض للفاعلين المفترضين في هذا الإقليم من العالم، وهم العرب وإيران وتركيا وإسرائيل. فالاستقرار الإقليمي القائم على أساس المصالح المتبادلة وعدم التدخل في شئون الآخر هو مفتاح الحل لمشاكل هذه المنطقة، فماذا عن الفاعلين الحقيقيين، إيران، تركيا وإسرائيل؟.

إيران:

تدل المراجعة التاريخية لتطور العلاقات العربية الإيرانية إلى خضوعها لمنطق الاستقطاب الدولي وتأثيرات القوى الكبرى في توجهاتها، وهذا ما جعلها دون المستوى المطلوب من حيث التعاون والتنسيق. ومع الاعتراف بأن الخلافات والمشاعر القومية والمذهبية المتنامية بين الجانبين ليست وليدة اليوم وأن العصر الإسلامي (الأموي والعباسي) يذخر بنماذج للخلاف (العربي- الفارسي) في المحاولات التاريخية السابقة ومغالبات السيطرة علي هوية الخلافة الإسلامية ، إلا أن هذه الخلافات القديمة لا يجوز أن تستمر لتكون مصدراً للتوجس والقلق والتناقض بينهما. إن استمرار نذر المواجهة والاستقطاب مع إيران سيضر علي المدي الطويل باستقرار المنطقة، لأنه سيؤدي الي تشكيل قطبية سياسية تقوم علي اسس دينية شيعية وسنية. وعليه لابد ان تستوعب أيران عن طريق التفاهمات السياسية والتواصل الدبلوماسي. وأن تعترف إيران بحقيقة الانشغالات العربية وتعالجها، وأهمية وقف تمدد النفوذ السياسي الشيعي لإيران داخل قلب المنطقة العربية، والتوقف عن دعم الأقليات الشيعية في المنطقة وإشعال التوترات في اليمن والبحرين وغيرهما. وقد تحتاج إيران أيضًا لتطمينات من الدول العربية بعدم احتضان المعارضات الإيرانية أو التآمر مع أعداء إيران في داخل وخارج المنطقة. وهذا يتطلب إدماج الاقتصاد الإيراني علي المدي الطويل في اقتصاد منطقة الشرق الأوسط لخلق مصالح حقيقية ترجح التعاون علي الصراع.

إسرائيل:

عانت قضية العرب المركزية في فلسطين من جمود متعمد في مسيرة السلام، لتعنت النظام السياسي الحاكم في اسرائيل وضعف الاهتمام الدولي خاصة من قبل الولايات المتحدة، هذا فضلا عن طغيان الاهتمام العالمي بالمشروع النووي الإيراني وتفاصيل التسوية التي أحاطت به، وتطورات الحرب في سوريا وقضايا اللاجئين، وغياب مشروع سلام جديد للقضية. كما لم يتم احياء جدي لمبادرة السلام العربية منذ عام 2002 التي ربما اضعف من فرص نجاحها في الوقت الراهن اضافة لعدم جدية اسرائيل، استمرار تعثر جهود المصالحات الفلسطينية الداخلية وإعادة بناء التوافق الوطني داخل المشهد السياسي الفلسطيني، الذي لا أرى حلاً له بدون تدخل طرف ثالث غير فلسطيني.

على إسرائيل أن تعي جيدًا أن الشعب الفلسطيني (شعب الجبارين) كما وصفه الراحل أبو عمار، لن يترك حقوقه، وكون أن الوضع العربي والفلسطيني في أضعف حالاته يجب ألا يغري إسرائيل بأنها ستنعم بالأمن والاستقرار في هذه المنطقة. والحل هو إعادة الحق الفلسطيني إلى أهله، ومن ثم تكون إسرائيل جزء من المعادلة الإقليمية في المنطقة وفقا لأسس المبادرة العربية للسلام.

تركيا:

ظلت تركيا تمثل جزءا من امتدادات المشهد السياسي العربي لدورها التاريخي الأبرز في عهد الإمبراطورية العثمانية، ولموقعها الإستراتيجي  الذي يربط بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، و كذلك تمدد نفوذها الاقليمي وتأثيرها علي مآلات الحرب في سوريا. وباتت تركيا مشغولة بكفكفة مهددات أمنها  القومي خاصة حركات الأكراد الانفصالية. ويستدعي ذلك ان تكون تركيا جزءً أصيلا من مكونات النظام الاقليمي الجديد، وكذلك احد مرتكزات ومحاور الأمن العربي الاقليمي. ويمكن ان يمثل اقتصاد تركيا الناهض عاملا مساعدا لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تمر بها المنطقة بفتح حركة التجارة والأسواق والاستثمارات المشتركة. على تركيا أن تطمئن جيرانها خاصة العراق وسوريا بأنها لا ترغب في التمدد والتدخل في الشئون الداخلية.  

الواقع العربي الفرص والتحديات:

من المستحيل ان يلعب العرب دورا مؤثرا وفعالا في تحولات السياسة العالمية، دون اجماع يعبر عن رؤية موحدة وكلية حول القضايا الإقليمية والعالمية.وهذا يتطلب اصلاح العلاقات العربية العربية التي عانت من الانقسام والتشرذم والاستقطاب ، خاصة مع اتساع رقعة الأعمال الإرهابية ونشاط المجموعات المتطرفة واستمرار الصراع في سوريا، وتمدد نفوذ الجيران في المنطقة واستمرار تدهور الأوضاع في ليبيا واليمن. ولتجنب اغراق المنطقة في صراعات ذات ابعاد دينية لتعميق الانقسام السياسي والاجتماعي يتوجب تفويت الفرصة علي المنادين لتكريس الصراع بين عالمين سني وشيعي. ان محاربة النفوذ الإيراني في المنطقة يجب ان يستند علي أسس سياسية لاستعادة الشرعية في اليمن وغيرها وليس علي أسس دينية لمقاومة الوجود الشيعي في المنطقة. فهناك عرب شيعة في العراق وفي غير العراق ضمن سكان المنطقة. وكذلك الالتفات لمعالجة قضية حقوق الأقليات في النسيج العربي لأنها اضعف الحلقات التي يمكن ان تستغل ضد تحقيق الاجماع العربي. وهذا يتطلب أيضا أعادة النظر في مراجعة مؤشرات التنمية البشرية في العالم العربي، ومعالجة الاختلالات البنيوية والهيكلية في الاقتصاد العربي، ومخاطبة تحديات البطالة وسط الشباب، وتوسيع المشاركة في اتخاذ القرار، والانفتاح الديمقراطي المتدرج والمتوازن.

إن الخطر الأكبر الذي يواجه الجميع هو أن تنزلق المنطقة الي نذر مواجهة شاملة بين الفرقاء في الداخل والقوي الدولية من الخارج، وأن تتحول الي أرض معركة لحروب الوكالة وصراعات القوي الدولية تحت مختلف المبررات، مما يستدعي تجنب حدوث هذا السيناريو لأنه حينها لن تضمن أي دولة أن تكون في مأمن من نذر الحريق القادم.

ان تحقيق الاجماع والوحدة العربية تجاه المواقف والتحديات الكبري لهو امر بالغ الحيوية، حتي يتمكن العالم العربي ان يستعيد دوره ككتلة سياسية مؤثرة في السياسة الدولية، وكذلك مواصلة الاستثمار في موارد القوة العربية وتنويع مصادرها ، بحيث يترافق مع النفوذ المالي والاقتصادي ايضا كسب نفوذ واعتبار سياسي في موازيين القوة الدولية. 

ان اطالة امد الحرب والصراع في سوريا واليمن وليبيا والعراق ستترتب عليه اثارا وخيمة طويلة المدي لعل ابرزها الاستنزاف المادي والبشري والسياسي وتنامي ظاهرة التدخلات الأجنبية في المنطقة.  ويكمن التحدي الثاني الابرز في محاربة التطرّف والارهاب في المنطقة لأنه المهدد الوجودي الاول  لمنظومة الدول العربية الراهنة. وهو صراع قصد منه اضافة للاستنزاف تحويل الصراع الي الداخل بين مكونات المجتمع والدولة المختلفة. ويتطلب ذلك اضافة للحرب العسكرية كسب المعركة الإعلامية واستعادة جذب ميول وقلوب وعقول الشباب حتي لا يكونوا عرضة لغسيل الادمغة المستمر،. ولعل الأهم هو مواصلة الإصلاحات الداخلية في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية لتوسيع فرص المشاركة وبناء اقتصاد المعرفة وإنشاء وتكوين مؤسسات الدولة الوطنية الحديثة  والاستثمار في الانسان العربي ومستقبله خاصة شريحة الشباب من حيث توفير الفرص وخلق السوانح وتفجير الطاقات من اجل التعمير والبناء والنهضة. ولا بد أن تقدم هذه الإصلاحات في أطار حزم متكاملة تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك قضايا الحكم والسياسة لتخاطب تحديات البناء الوطني لتحقيق العدل الاجتماعي والحريات والحقوق المدنية.

وأشير هنا إلى الرسائل أو الأوراق الست التي صدرت من جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، التي تناولت العديد من الأفكار والرؤى حول مسار عملية الإصلاح السياسي الشامل وأقتطف منها ما جاء في الورقة السادسة بعنوان سيادة القانون أساس الدولة المدنية "إن كل التحديات من حولنا اليوم تقودنا إلى مفترق طرق، ولابد أن نحدد مسارنا نحو المستقبل بوعي وإدراك لتحديات الواقع ورؤية واثقة لتحقيق طموح أبنائنا وبناتنا، فنترك لهم السلام والأمان والازدهار والكرامة والقدرة على مواجهة أصعب الصعاب. ولنتمكن من تعزيز منعتنا ومواجهة التحديات بثقة وصلابة ونحقق النمو والازدهار، هنا كموضوع رئيسي أطرحه في هذه الورقة النقاشية، وهو بالنسبة لي ما يميز الدول المتقدمة الناجحة في خدمة مواطنيها و حماية حقوقهم، وهو الأساس الحقيقي الذي تبنى عليه الديمقراطيات والاقتصادات المزدهرة والمجتمعات المنتجة، وهو الضامن للحقوق الفردية والعامة، والكفيل بتوفير الإطار الفاعل للإدارة العامة، والباني لمجتمع آمن وعادل، إنه سيادة القانون المعبر الحقيقي عن حبنا لوطننا الذي نعتز به. إن مسؤولية تطبيق وإنفاذ سيادة القانون بمساواة وعدالة ونزاهة تقع على عاتق الدولة. ولكن في الوقت نفسه، يتحمل كل مواطن مسؤولية ممارسة وترسيخ سيادة القانون في حياته اليومية."

"وجملة القول، إن الدولة المدنية هي دولة القانون التي تستند إلى حكم الدستور وأحكام القوانين في ظل الثوابت الدينية والشرعية، وترتكز على المواطنة الفاعلة، وتقبل بالتعددية والرأي الآخر، وتُحدد فيها الحقوق والواجبات دون تمييز بين المواطنين بسبب الدين أو اللغة أو اللون أو العرق أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي أو الموقف الفكري. ونحن سنبقى ملتزمين بالقيم التي عُرف بها هذا الوطن منذ نشأته ولن نحيد عنها أبدا. فهذه القيم ميزت هذا الشعب بمختلف أطيافه، وهي قيم السلام والاعتدال والوسطية، وقيم المساواة والحرية والتعددية، وقيم الرحمة والتعاضد وقبول الآخر، وقيم المثابرة والانفتاح والمواطنة الصالحة. فهذه خصائص ورثناها وأصبحت من شيم الأردنيين وسنزرعها في قلوب أبنائنا إن شاء الله."

بحكم تجاربي الشخصية في السياسة الدولية والعمل العربي، أنا شديد اليقين والتفاؤل ان الأمة العربية تمتلك من التراث الحضاري والديني والثقافي، ومن مقدرات الموارد المادية والبشرية ما يجعلها اعظم اثرا في تشكيل ملامح السياسة الدولية الراهنة ومستقبل العالم، اذا استطاعت ان تجمع كلمتها وتوحد موقفها وتتواضع  علي رؤية جامعة تحدد بها مبتغياتها ومصالحها.

إن العلة ليست في الإنسان العربي، فتاريخنا يقول ذلك وهاهم أبناؤنا في المهاجر يحققون الإنجازات في العلوم والآداب، في الطب والهندسة، في الصناعة والاتصالات. إن العلة أو العلل تكمن في مشكلات الدولة الوطنية والتدخلات الأجنبية بسبب ضعف الدولة الوطنية العربية وسلبيات تجاربها واختلال التوازن الاستراتيجي في المنطقة العربية ومن حولها، وتعاظم ظواهر التطرف والتخلف. كما اثق في حكمة القيادات العربية و قدرة الشعوب علي تحقيق الإنجازات واحداث التحول المنشود والحلم العربي المشترك. لكن دون ذلك حتوف من العمل الشاق والتضحيات الجسام تبدأ بتوفر الإرادة الجمعية، إعادة ترتيب البيت العربي من الداخل ، ووقف النزيف والصراع المستمر بما يحقق الشرعية ورفاهية الشعوب ، حتي يتأتى لنا مواجهة العالم والاسهام الإيجابي في اعادة تشكيل توجهات السياسة العالمية والنظام الدولي. كفانا حيرة وجلدًا للذات ولنبعث الأمل في الشباب العربي الذي أقعدناه بكثرة البكاء والنحيب.

إن العالم لا يمكن أن يستقر وينعم ساكنوه بالطمأنينة إلا إذا استند على شرعية تقوم على العدل والمساواة واحترام سيادة الدول والتعاون بين أقاليمه المختلفة. وإقليمنا الشرق أوسطي لا يمكن أن يهنأ بالأمن والتطور الاقتصادي والتكنولوجي وأن يكون فاعلاً في ترسيخ العدالة العالمية إلا إذا تراضينا على منظومة إقليمية تقوم على التعاون لا على التشاكس، وعلى احترام سيادة الجيران لا على التدخل في شئونهم، وعلى عدم الاستعانة بالغير للإضرار بالآخرين، ولقاءً محدودًا يضم إيران وتركيا وإحدى الدول العربية يمكن أن يضع خارطة طريق لهذه المنظومة الإقليمية.

والعرب لكي يكونوا فاعلين في هذه المنظومة الإقليمية لابد من البدء بترتيب البيت أولاً والتهيؤ والاستعداد للمساهمة والمشاركة في النظام العالمي الجديد، واجتماعًا يضم عددًا محدودًا من الدول العربية يمكن أن يضع الأساس لذلك.

وإذا أضاع العرب فرصة التأثير علي تكوينات المنظومة المتعددة القطبية الآخذة في الشكل والتبلور  الآن ، سيكون ذلك اهدارا لفرصة ذهبية لا تتكرر في عمر الامم والشعوب كثيرا.

واختم مداخلتي بالتساؤل التاريخي: كيف يكون العرب ضلعا فاعلا في المعادلة الإقليمية أو وفي توازنات السياسية الدولية؟، هذا السؤال يقود الي مناقشة المشروع العربي الغائب. وهل يمتلك العرب مشروعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا للنهضة والمشاركة الفاعلة في شئون العالم بعد حلحلة الإشكالات التاريخية؟. حسب المعطيات المتوفرة لا يوجد مشروع عربي في الوقت الراهن للنهضة والتأثير علي شئون العالم، وفي المقابل توجد مشاريع عديدة في المنطقة بعضها مناهض لقيام أي مشروع عربي، وبعضها متصالح إذا تم الاتفاق والتفاهم علي شراكات استراتيجية طويلة المدي. هذا الأمر يقتضي التفكير في اتجاهين البناء التصاعدي من أسفل الي أعلي والبناء التنازلي من أعلي الي أسفل.

البناء التصاعدي من الأسفل الي الأعلى يقتضي إعادة تأسيس بناء الدولة الوطنية علي اسس سليمة علي ضوء التقسيمات الموجود اليوم، والاهتمام بالعمران البشري والعلمي والتكنلوجي وتطوير موارد القوة، وتمتلك كل دولة الحق في اختيار نظمها السياسية والاقتصادية وعلاقاتها ومصالحها شريطة أن تنأي عن الاستعانة بأي قوة خارجية للعدوان ضد أي دولة عربية أخري.وسيتفاوت كسب هذا الدول في البناء فبعضها سيكمل عملية البناء في وقت أوجز من دول أخري لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية عديدة، وربما تصبح بعض هذه الدول التي اكملت البناء واستثمرت في موارد القوة اقطابا اقليمية لا يمكن تجاوزها، و لا يكتمل المشروع العربي إلا بتأسيس الشراكات الإقليمية والتعاون والتنسيق بتحريك الاقتصاد ورؤوس الأموال وفتح الحدود والمعابر ورفع القيود عن حركة النقل والاتصال والسفر، والتعاون الأفقي والرأسي بين المؤسسات ونقل التجارب وتوحيد الإرادة السياسية وتكامل الموارد المالية والبشرية لخدمة أهداف المشروع العربي المشترك في أطار من التكامل الإقليمي والمصير المشترك.والأهم أن تعتمد مقومات الأمن الإقليمي العربي علي موارد القوة العربية لا علي الاستعانة بقوة دولية أخري لفرض حمايتها علي دول المنطقة والإقليم. وسيقود ذلك تلقائيا لعملية  البناء التنازلي من أعلي الي أسفل وذلك باستكمال رؤية المشروع السياسي وتعريف أهدافه ورسم تحالفاته الاستراتيجية، وتفصيل برامجه العملية وتقدير كيفية تحقيق اهدافه المرحلية والتكتيكية، والعمل علي إزالة التناقضات السياسية والأيدلوجية التي تتغذي من التناحر الداخلي والاحتفالات التاريخية وتكوين التحالف العربي العريض ليس فقط لمواجهة التحديات المصيرية الراهنة، ولكن ليكون العرب جزءا فاعلا ومؤثرا في النظام الدولي الذي يتجه نحو التعددية القطبية والإسهام الإيجابي في حركة تطور الاقتصاد العالمي وتشكيل مستقبل العالم بما يحقق المصلحة القومية العربية والاستراتيجية.

إن أمتنا مأزومة، بل هي في خطر يهدد وجودها وبقاءها، فإلى متى الانتظار؟

أجدد شكري مرة اخري لمعهد دراسات الشرق الأوسط وللمشاركين في الندوة ومقدمي الاوراق من المفكرين والباحثين والخبراء العرب، متمنيا مناقشات جادة وناضجة تفضي الي تحقيق أهداف الندوة لرسم تصورات مستقبل المنطقة العربية في تعاطيها التاريخي مع تحدياتها الداخلية وتدبر فرص تأثيرها علي مآلات السياسة العالمية والنظام الدولي الجديد، بما يخدم أهداف الشعوب العربية في الرفاه والتقدم والتنمية والازدهار.   

أعلى الصفحة


كلمة الافتتاح الثالثة

د. روزميري هوليس/ أستاذة دراسات سياسة الشرق الأوسط- بريطانيا

السيدات والسادة منظمي الندوة وضيوفها الكرام،

يسرّني ويشرفني أن أتقدم إلى ندوتكم هذه ببعض الملاحظات الافتتاحية التي أرجو أن تكون مقدّمة لنقاشات قيمة ومثمرة، راجيةً أن تعذروني لعدم تمكني من حضور جلسات الندوة شخصياً. 

تطمح كلمتي هذه إلى تقديم نظرة عامة تتناول المحور الرئيسي لهذه الندوة، العلاقات العربية- الدولية: الواقع والآفاق. ولهذا الغرض فقد جاءت مداخلتي تحت عناوين ثلاثة هي: 1) التطورات والتوجهات على المستوى الإقليمي منذ عام 2000؛ 2) التطورات والتوجهات على المستوى الدولي؛ 3) تداعيات الأحداث وآفاق المستقبل.

 1)    التطورات والتوجهات على المستوى الإقليمي

لقد شهد شهر كانون ثاني/ ديسمبر من عام 2010 بداية الانتفاضات العربية التي انطلقت من تونس ثم انتقلت سريعاً إلى مصر وغيرها من الدول العربية. وكانت الشعارات التي رُفِعت في تلك الانتفاضات وفي كل البلدان متشابهة حيث دعت جميعها إلى "الكرامة" و"الحرية" وتوفير مزيد من فرص العمل ووضع حد للفساد. وقد ساد الأجواء في تلك المرحلة شعور واضح جداً بأن ما حدث هو ظاهرة عربية عامة، سماها بعض المتابعين صحوة عربية ثانية.

ورغم ذلك فقد تصرفت الحكومات العربية إزاء هذه الانتفاضات بشكل مختلف. فالرئيس التونسي زين العابدين بن علي فضّل الهروب من البلاد. أما الرئيس المصري محمد حسني مبارك فقد حاول قمع الاحتجاجات لكنه اصطدم برفض الجيش إطلاق النار على المحتجين مما دفعه أخيراً إلى الرضوخ ثم التنحي. وعقب ذلك أجريت انتخابات نجم عنها صعود القيادي الإخواني محمد مرسي إلى دفة القيادة كرئيس للبلاد لمدّة وجيزة تسببت بإثارة قدر من الشقاق والانقسام دعت الجيش للتدخل والرئيس السيسي إلى إعادة إحياء النظام القديم. أمّا في المغرب والأردن فقد تعاملت الحكومات بشكل مختلف مع الظاهرة نفسها، إذ أقدمت على بعض الإصلاحات التي هدّأت من وقع الاحتجاجات. وكان مما ساعد على كبح جماح الاحتجاجات في هذيْن البلديْن أيضاً تطورات الاوضاع في دول أخرى.

أما في اليمن فقد تدخل مجلس التعاون الخليجي على خط الأزمة الناجمة عن الاحتجاجات. وقد نتج عن ذلك إحداث تغيير في النظام، لكن ذلك لم يَحُل دون اندلاع نزاع داخلي في البلاد أعقبه تدخل عسكري سعودي. أما حكومة البحرين فاختارت مواجهة المحتجين وقمع الانتفاضة بمساعدة عسكرية من السعودية. وفي ليبيا وعقب قيام الجامعة العربية بإعطاء الضوء الأخضر للتدخل الدولي، قامت قوات الناتو بمساعدة المتمردين للإطاحة بالقذافي، لكنها أخفقت بعد ذلك في منع انزلاق البلاد في الحرب الأهلية وفي الفوضى. أما في سوريا فلم يؤد هجوم الحكومة السورية على المحتجين إلاّ إلى إشعال حدّة المقاومة ممّا أدى إلى غرق البلد بعد ذلك في نزاع دموي، صاحبه تدخلات إقليمية ودولية بمستويات مختلفة.

أما على الجبهة الفلسطينية فقد شهدنا في الوقت نفسه ثلاث هجمات إسرائيلية مدمرة على قطاع غزة كان بدايتها في العام 2008-2009.

وأخيراً ولكن ليس آخراً، فقد ظهر على جانبي الحدود في كل من سوريا والعراق ما سُمِّي بتنظيم الدولة الذي وُلِد أصلاً من رحم القاعدة. وقد واصل هذا التنظيم حملات التجنيد على مستوى العالم وانخرط في هجمات إرهابية على نحو جّر عليه نقمة واسعة جعلته هدفاً لهجوم معاكس شنته قوى إقليمية ودولية. وعلى هامش ما حدث على هذه الجبهة، حشدت القوى الوطنية الكردية قواها على حدود سوريا والعراق وتركيا مما دفع الأخيرة إلى الانخراط في الحرب الدائرة هناك.

وفي نظرة إجمالية على مسارات الأمور في المنطقة العربية فإنه يمكن القول بأن ما حدث قد خلخل على نحو ملموس الأنظمة القائمة، وأن الحرب في ليبيا واليمن وسوريا والعراق قد تفضي إلى دمار واسع أو حتى إلى عدم قدرة أي نظام وطني على بسط سيطرته على أراضي كل دولة من هذه الدول. وقد يستمر هذا الأمر لسنوات قادمة. ومن استقراء الواقع الحالي يمكن القول أيضاً إنه لا يوجد إجماع أو تحالف يمكنه إعادة فرض النظام في الدول السالفة الذكر. بمعنى آخر، فإنه لا تلوح في الأفق بوادر وجود اتفاقات أو تسويات لما تمر به هذه الدول على غرار اتفاق "الطائف" الذي وضع حداً لخمسة عشر عاماً من الحرب الأهلية في لبنان.

  2)    التطورات والتوجهات على المستوى الدولي

كانت الولايات المتحدة الأمريكية قبل العام 2010 القوة التي لا تنازع في الشرق الأوسط كما في غيره، أما بعد ذلك فقد بدا أنها لم تعد قادرة أو راغبة في فرض إرادتها على المنطقة. لقد كانت ردة فعل الولايات المتحدة على الانتفاضات العربية غامضة وتفتقر إلى استراتيجية واضحة. فمثلاً، لقد انتقد المصريون الولايات المتحدة الأمريكية بسبب دعمها للرئيس مرسي، ولكن هذا الدعم لم يكن كاملاً أو حاسماً. وقد بدا ذلك جلياً في سرعة تكيف الإدارة الأمريكية مع نظام المشير عبد الفتاح السيسي.

وعندما تدخل الناتو في ليبيا اختارت إدارة أوباما "القيادة من الخلف"، كما اختارت أن تكون "في خلفية" التدخل السعودي العسكري في اليمن. صحيح أن بعضاً من قوات الولايات المتحدة والقوى الغربية المتحالفة معها منخرطة في قتال تنظيم القاعدة في ليبيا، إلاّ أن تلك القوى هي نفسها التي تسعى في الوقت نفسه إلى استصدار قرار من الأمم المتحدة بوقف القتال هناك. وفوق هذا، فقد قاوم الرئيس أوباما دعوات من حلفاء الولايات المتحدة إلى تدخل أوسع في سوريا وذلك بذريعة أن الرأي العام الأمريكي لا يرغب في تدخلات خارجية واسعة النطاق بعد التجربة التي خاضتها بلاده في العراق. ولا يوجد شكّ في أن هذه الحجة ستؤثر في سياسة الرئيس المقبل، هذا إذا افترضنا بأن روسيا وإيران وتركيا ستبقى في سوريا حتى استلام الرئيس الأمريكي الجديد مهامه.

وفي الوقت نفسه نرى الروس والأمريكيين غير قادرين على فرض النظام في الأراضي التي يخليها تنظيم الدولة، هذا أيضاً على فرض وجود قوة يمكنها أن تفرض أي شكل من أشكال النظام ليحل مكان هذه القوة المرعبة.

على أن هناك أمراً جوهرياً لا بد من أن أشير إليه هنا وهو أن "الغرب" يعيش اليوم تحولاً مُهماً سيعيق عودة سياسة التدخل في الشرق الأوسط كما عرفناها في القرن العشرين. إذ تشهد كل من الولايات المتحدة والغرب حركة نكوصية قوية ضد العولمة تجسدت في "الشعبوية". وهو أمر واضح عند اليمين وعند اليسار على السواء. وقد رأينا مثالاً لهذا النكوص في الولايات المتحدة عبر "بيرني ساندرز" من اليسار و"دونالد ترامب" من اليمين.

أما في أوروبا فلدينا أحزاب يسارية كحزب سيرزا اليوناني وحزب بوديموس الإسباني، وأحزاب يمينية كحزب جولدنج داون في اليونان وحزب المملكة المتحدة المستقل في بريطانيا وهي أحزاب في اليسار وفي اليمين تتبع سياسة نكوص عن العولمة و"الكوزموبوليتية" شبيهة بتلك الموجودة في الولايات المتحدة. إن خيبة الأمل من الاتحاد الأوروبي لا تقتصر على بريطانيا. وهنا يأخذ النكوص عن العولمة أيضاً شكل الاستياء والتحرر من  "النخب ذات الامتيازات"، أعني الرابحين من العولمة والتوجهات الكوزموبوليتية.

 3)    التداعيات والآفاق

سوف تؤدي الانقسامات التي تشهدها أوروبا والولايات المتحدة إلى انشغال -وفي بعض الأحيان شلّ عمل- الحكومات على جانبيْ الأطلسي لسنوات قادمة. هناك مشكلة حقيقية هنا تتعلق بشرعية النظام السياسي الغربي. فالديمقراطية لا يبدو أنها توفر حماية من "الشعبوية"؛ إذ في مقدور القادة الشعبويين الفوز بالانتخابات واستغلال رغبات الناس العاديين في وظائف معقولة ورواتب عالية ووضع حدٍّ للتجارة الحرة إذا كان ذلك يعني منح الوظائف للأجانب على حساب المواطنين. صحيح أن الشعبويين من اليمين ذوو نزعة قومية والشعبويون من اليسار ذوو نزعة عالمية، لكن كليهما يعتقد أن حقوق الناس العاديين أو "العمّال" قد تعرضت للتجاهل من قبل النخب التي كانت تتمتع بالامتيازات. ويبدو أن الأشخاص الذين يطمحون أن يكون سياسيين في المستقبل وفي أن يتم انتخابهم في الديمقراطيات الغربية سيجدون أنفسهم مطالبين ببذل مزيد من الاهتمام لما يريده الناخبون أكثر من حاجتهم إلى السير على نهج النخب التقليدية وعلى نظرة الأخيرة ومفهومها لـ"الصالح العام".

إن تداعيات ذلك على التدخل الغربي في العالم العربي يأخذ صورة غير واضحة المعالم. أشك بأننا سنرى خططاً جديدة وشاملة لدمقرطة المنطقة -كتلك التي أطلقتها إدارة بوش عند اجتياح العراق. كما أنه من المستبعد -وهذا شيء إيجابي- أن نشهد اجتياحات جديدة على غرار اجتياح العراق. وعوض ذلك سنشهد علاقات ثنائية مع كل قطر عربي على حدة وهو أمر ستكون له الأولوية على أي توجهات تتبنى سياسة عامة للتعامل مع الإقليم ككل. فمبيعات السلاح توفر أماناً وظيفياً في الدول المصنعة له، وهي تجارة نتوقع أن تزدهر، وإن كنا لا نراها أمراً حسناً جداً. ويمكننا أن نتوقع أيضاً عقد اتفاقات مع حكومات إفريقية وشرق أوسطية تحدّ من تدفق المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية. وقد يُفضي عقد مثل هذا النوع من الاتفاقات إلى مزيد من الاستثمار الغربي في خلق فرص عمل في العالم النامي، لكننا لا نتوقع أن يكون هذا الاستثمار بمستوى التطلع أو أن يسمح بحدوث تحول كبير في تلك الدول.

وإذا ما نظرنا إلى التدخل الغربي في مناطق النزاع في العراق وسوريا وليبيا واليمن فربما جاز لنا أن نتوقع مساراً مشابهاً يقوم أساساً على استمرار تقديم الدعم لقوى محلية وعلى التدخل عِبر الطائرات الموجهة عن بعد إلى جانب الحرب الإلكترونية، ولكن ليس التدخل البري. على أن التدخل غير البري لن يُفضي إلى نتائج حاسمة. أما التطور الذي ستكون له نتائج حاسمة فهو وجود إمكانية للقوى غير الغربية لتحقيق أهدافها من غير خوف من قيام القوى الغربية بردود فعل معاكسة. وهذا ينطبق على روسيا وإيران وتركيا والهند والصين وذلك في كل المجالات المتعلقة ببناء القوة، سواء كانت القوة المقصودة ناعمة أم لا.

نخلص من استعراض هذه الوقائع والتحليلات إلى أننا أمام لحظة من التحول في تاريخ المنطقة. فمسارات الأحداث مخيفة بقدر ما يصبح إحياء النظام الذي ساد في العالم العربي نهاية القرن العشرين غير قابل للتحقق. هذا مع ضرورة التأكيد على أن الأنظمة التي كانت قائمة آنذاك كانت تفتقر إلى الشعبية كما برهنت الانتفاضات العربية. ومن شأن حدوث أمر كهذا أن يضيع فرصة على عمل عربي جماعي يسمح للعرب بالتأثير في مستقل المنطقة قبل أن تبزغ إلى الوجود قوة خارجية جديدة ومهيمنة .

أعلى الصفحة


كلمة الافتتاح الرابعة

أ. جواد الحمد/ رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط

أصحاب السعادة والمعالي والعطوفة،

السادة والسيدات المحترمين،

        أرحب بكم في هذه الندوة العلمية السياسية المتميزة، والتي تُعقد اليوم على أرض الأردن وفي رحاب مركز دراسات الشرق الأوسط، والتي تشاركون فيها من أرجاء العالم العربي وباثني عشر بحثاً علمياً لتناول واقع ومستقبل العلاقات العربية-الدولية.

        لقد شكلت المنطقة العربية محوراً اساسياً وأحياناً الأهم في رسم سياسات دول العالم الكبرى، وشكل البعد الجيواستراتيجي لمنطقتنا بثرواتها وموقعها الاستراتيجي ودورها وكفاءتها الحضارية التاريخية وتواصلها مع القارات الثلاث الاكبر في العالم (آسيا، أوروبا، أفريقيا) مدخلاً لمطامع دول العالم فيها، ولا تزال كذلك برغم تنامي مناطق ودول أخرى على الصعيد الاقتصادي في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا وجنوب ووسط أفريقيا، ومنذ مطلع القرن العشرين تعرضت المنطقة العربية لعمليات تمزيق وتقسيم واستباحة استعمارية غير مسبوقة منذ 1300 عاماً سبقت، وتعرضت لمشروع تقاسم دولي ظالم عُرِف باتفاقات سايكس-بيكو عام 1916، تبعه صكوك انتداب استعمارية ظالمة تعرض العرب فيها لمظالم وانتهاكات وجرائم حرب لم يُعاقب أحد عليها طوال أكثر من نصف قرن، وتبع انسحاب الاستعمار العسكري منها إنشاء الكيان الإسرائيلي في وسطها على أرض فلسطين عام 1947 ليكون أداة استنزاف وتوتير وعدوان كما هو أداة للتقسيم ومبرراً للتدخل الاستعماري المتجدد في البلاد العربية.

        ولم تنجح الأمة العربية منذ ذلك الوقت وبرغم الكثير من الجهود المخلصة في استعادة وحدتها، بل ولا حتى أن يكون لها مواقف موحدة حقيقية من مختلف القضايا التي تهمها ناهيك عن القضايا العالمية، وتمزقت بين محوري الشرق والغرب في ظل الحرب الباردة واستفاد القطبان الدوليان منها بمعنى الكلمة دون أن يقدم أي منهما لها ما يقابل ذلك، بما في ذلك تغييب الدور الدولي للعرب سواء في مؤسسات الأمم المتحدة أو في رسم سياسات العالم تجاه المنطقة العربية والصراع العربي-الإسرائيلي أو تجاه أي قضايا أخرى، وبقي التهميش ولا زال هو أساس سياسات هذه الدول.

الحضور الكريم،،

        مع الاعتراف بهذه الحقائق القائمة وببعدها وظروفها التاريخية والسياسية، غير أن العالم العربي أقام علاقات غالبها فردي مع دول العالم على الصعيد الاقتصادي والسياسي، ومؤخراً وبقوة على الصعيد الأمني والعسكري، وكان الاختلال ولا زال سيّد هذه العلاقات، التي تعمل في الغالب لصالح دول النظام الدولي الكبرى، والتي تطمع دوماً في ثرواتنا لاقتصادها، وأرضنا لقواعدها العسكرية العابرة للقارات، وتطمع بأن نكون منطقة استهلاكية لمصانع السلاح أو السلع الغذائية او التكنولوجيا التي تنتجها هذه الدول، ومع ذلك فلا زال العالم لا يعترف بأن هذا العالم العربي له شخصية وكيان يستحق أن يكون شريكاً في رسم سياسات المنطقة التي يعيش فيها، ناهيك عن الإسهام العالمي في التطور والحضارة والتقدم، وظلّ العرب على نفس الصعيد لا يعملون وفق منظومة موحدة، ولا باستراتيجيات موحدة، ولا بتناغم مع المصالح العليا للأمة، وانقسم الزعماء بل وتقاتلوا على خلافات شخصية لا علاقة لها بمصالح الأمة العربية، وانقسمت الشعوب في هذه الدول على نفس توجهات حكوماتها وزعاماتها، لدرجة القطيعة أحياناً، والتآمر أحيانا أخرى، والتعاون مع الخصوم الإقليميين والدوليين ضد بعضهم أحيانا ثالثة، بل واستخدام القوة والاحتلال العسكري ضد بعضهم، والتجرؤ على استدعاء الاستعمار بقواته العسكرية للاستقواء على الأخ الشقيق العربي الآخر تحت مبررات غير قومية ولا وطنية.

        لقد ظل هذا الإطار السياسي والاقتصادي والفكري المنقسم سيد الموقف في الغالب، ولئن جمعت العرب قضية فلسطين في بعض المحطات المهمة من القرن الماضي، غير أنها لم تعد كذلك اليوم، كما لم تعد فكرة الوحدة  الفدرالية أو الكونفدرالية مطروحة على بساط البحث لدى أي دولة أو زعيم إلا من بعض الشعارات الاستهلاكية بين فينة وأخرى، وقهرت الحكومات المتعاقبة حتى اليوم كل القوى الوحدوية والوطنية في الأمة وخاصة القومية منها والإسلامية، ولم تمكنها لا من المشاركة في الحكومات ولا في المشاركة في صناعة واتخاذ القرار.

الضيوف الكرام،،

        شكل الربيع العربي لحظة تاريخية فارقة وفرصة نادرة في معطيات التغيير في المنطقة العربية عام 2011، غير أن القوى الحاكمة والقوى السياسية والاجتماعية المعارضة أو التابعة للحكومات لم تتمكن من التفاهم على الشراكة في استعادة قوة أي دولة من دول الربيع الثمانية باستثناء محدود وغير مكتمل لكل من الأردن والمغرب، ولا تزال المعركة السياسية والاقتصادية وأحياناً الأمنية والعنفية والإرهابية محتدمة بين أبناء الأمة وبتسعير استعماري لم يتوقف بحجج متجددة أيضاً تخدم أجندته، لكنها بالتأكيد تستنزف الأمة وتضعف قدرتها على التماسك والوقوف على قدم وساق لاستعادة هويتها ودورها ولا حتى للدفاع عن نفسها ووقف العدوان الإسرائيلي المستمر.

        وعلى صعيد آخر تمكن الاستعمار الحديث من ربط النخب الحاكمة واقتصادات الدول العربية بمنظومات دولية مختلفة، لكنه لجأ في ذات الوقت إلى الانفراد بدولنا واحدة تلو الأخرى، كما هو الحال في اتفاقات الشراكة الأوروبية العربية المتعددة، والاتفاقات اليوورمتوسطية، ومنظمة التجارة العالمية، ومناطق التجارة الحرة، وفي الصراع العربي-الإسرائيلي، وفي استنزاف ثرواتنا النفطية بسياسات الانتاج والتسعير، وفي استيعاب الرساميل المالية العربية في المحافظ المالية وبنوك الدول الغربية بلا مردود حقيقي، بل وفي التعامل مع التهديدات الامنية المحلية والإقليمية، والتي كان لدول غربية دور في تأجيجها إن لم يكن في صناعتها عبر إسرائيل أو بشكل مباشر أو عبر طرف عربي أو إقليمي آخر.

        ولذلك فإن بحث العلاقات العربية-الدولية اليوم هو جزء من برنامج المركز لرفع مستوى التفكير السياسي العربي خارج دائرة الصراع والخلافات والصراعات بين النخب الحاكمة فيها، وهو محاولة لوضع مستقبل العرب في العالم في والسياسة العالمية على طاولة البحث والتفكير، حيث تعتبر العلاقات الدولية للدولة الواحدة ورقة أساسية من أوراق نهضتها وتقدمها وفق المفاهيم المختلفة في النظريات السياسية والاقتصادية كما تعلمون جميعاً، ونظرا لما يعتري هذا الموضوع من عقبات وإشكالات أعتقد أن أهمها غياب الرؤية العربية والموقف العربي الموحد تجاه أي دولة وتجاه أي اقليم، واليوم، حتى تجاه أي قضية محلية أو اقليمية أو دولية بما فيها القضية الفلسطينية كقضية مركزية في الأساس، وكذلك استمرار الأطراف الدولية المختلفة -التي أبعدت العرب عن سدة القرار الدولي على الدوام حتى في حالات التحالف الكامل مع بعضها- في تشجيع العلاقات الفردية لهذه الدول، والاستفراد ببعضها لحاجة أو ضعف، بل وتحريض بعضها على بعضها الآخر، واستنزاف مواردها المالية والنفطية والغاز والثروات الطبيعية الأخرى لصالح نمو اقتصادات الدول الخارجية على حساب رصيد الأجيال منها.

         وأصبح البحث عن دور عربي موحد عملية معقدة وأحيانا تُتهم بالعبثية من قبل النخب التي تحكم السياسة والاقتصاد في البلاد العربية، ووصل الحد لإقامة علاقات علنية وخفية مع قادة المشروع الصهيوني وإسرائيل التي تعمل على تدمير الأمة واستهدافها وربما أصبح بعض الساسة يعتقدون أن هذه العلاقات هي مدخل لحماية المصالح والحكم من الأشقاء العرب وأحيانا من القوى السياسية الوطنية في بلادهم، وهو أمر بالتأكيد يمثل انحرافاً فكرياً ومنعطف تدمير كبير لمنظومة الفكر العربي والمصالح العربية بما في ذلك القضية الفلسطينية والتنمية الاقتصادية وتجديد النظام السياسي وفتحه للمشاركات الوطنية الواسعة.

 السادة والسيدات،

        حتى لا أطيل عليكم في موضوع كبير واستراتيجي يتعلق بمستقبل هذه الأمة وأرضها وثرواتها ونخبها السياسية الحاكمة والمعارضة على حد سواء، فأقول، هذه فرصة ونافذة تفكير استراتيجي يفتحها اليوم مركز دراسات الشرق الأوسط لأصحاب العقول والخبرات والقدرات والإبداعات للتوصل إلى رؤى جديدة تجمع الكل العربي على المصالح الكلية للأمة، وتحول الجهد العربي في بناء منظومة العلاقات الدولية لأي دولة أو أي مجموعة منها مجالاً لتقوية الأمة العربية وتنميتها على مختلف الصعد، وورقة تستخدم لتثقيل وزن هذه الأمة ومنع تمزقها، ولوقف الاستفراد الدولي والإهمال الدولي والاستنزاف الدولي في آن واحد.

        ولعل دراسة الأبحاث التي تقدم في هذه الندوة ومناقشتها وإثرائها من قبل نخبة من المتخصصين في مجالات تناولها إنما هي حلقة مهمة من حلقات البحث عن دور للعرب ولتوحيد مواقفهم وتوسيع دائرة التأثير الحضاري لهذه الأمة واستعادة المكانة التي نعتقد بأنها لائقة بنا، وبرغم علمي بأن العقل العربي حتى من قبل الخبراء يخضع اليوم لضغط الواقع الصعب والدامي الذي يحيط ببلادنا وفي داخلها عبر الحروب الأهلية والحروب الطائفية والحروب بالوكالة والتدخل الدولي والإقليمي العنيف في شئوننا، وانفراط عقد النظام العربي حتى بالحد الأدنى الذي كان عليه سابقاً، برغم كل ذلك فإن التفكير الاستراتيجي لا يمكنه الاستسلام لوقائع التاريخ اللحظية بل عليه العبور إلى المستقبل عبر الزمن لوضع الرؤية والاستراتيجية التي تحقق التقدم والتطور، وربما تنقذ الأمة من الانزلاق إلى ما هو أكبر من هذه اللحظة الصعبة المؤلمة، وأعتقد أن تجارب العرب السابقة فيها عدد مهم من الإضاءات على إمكانية نجاح هذه المحاولات، وعلى قدرة الفكر العربي والشباب العربي على الانتقال إلى واقع أفضل في ظل نظرية استراتيجية واضحة تنقله فكرياً لينتقل بعدها سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً.

وختاماً،،

        أترككم للاستمتاع بالبحوث التي بين أيديكم وسبر أغوار الافكار التي حوتها في محاولة لقراءة الوقائع لنكون واقعيين وآفاق المستقبل لنكون استراتيجيين، وفي استعادة الروح لنكون دناميكيين فاعلين، وحتى لا نقع فريسة اللحظة لنذرف الدمع على دماء وأشلاء ودمار حيث لا قيمة للدموع ما لم تقف خلفها وبين يديها إرادة التغيير والتضحية والتقدم والانطلاق من واقع المعاناة وألم الجراح إلى أمل المستقبل والعمل المثابرة لتحقيق الطموحات وهي مركزة باستعادة قيمتنا ودورنا ورادتنا واستقلالنا ووحدتنا. وأعلن عن شكري الشديد للأخوة والزملاء الذين بذلوا كل جهد ممكن لإنجاح انعقاد هذه الندوة وعلى رأسهم الدكتور بيان العمري المدير التنفيذي للمركز ورئيس اللجنة التحضيرية لهذه الندوة، والدكتور عبد الحميد الكيالي رئيس وحدة البحوث والدراسات في المركز ومنسق اللجنة العلمية لهذه الندوة وزملائهم المبرزين أعضاء اللجنة العلمية وأعضاء اللجنة التحضيرية، والشكر الموصول للأخوة الباحثين وأصحاب كلمات الافتتاح وللذين شرفونا من خارج الأردن ضيوفاً أشقاء وأعزاء على بلادهم الأردن، ولكم جميعاً على المشاركة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعلى الصفحة


ملخصات أوراق العمل

الجلسة الأولى: العلاقات العربية- الأمريكية والروسية

 

الورقة الأولى

العلاقات العربية- العربية ودورها في العلاقات العربية الدولية

د. مجدي حماد

 

يضع تحليل العلاقات العربية- العربية وتحديد دورها في العلاقات العربية الدولية، في اعتباره أن النظام العربي يتميز بكثافة التدخلات الآتية من النظام العالمي، بالنظر إلى الموقع الجغرافي الاستراتيجي والمصالح الاقتصادية والسياسية، فضلاً عن الموقع الذي احتلته إسرائيل كجسم نابع من نظام القمة الدولي إلى النظام العربي.

غير أن الأكثر أهمية وخطورة، هو ما تفعله الدول العربية ذاتها، كما يتضح من تحليل عدد من السياسات والتوجهات ذات الصلة؛ أولها- تهافت الدولة العربية، بعد أن أخذ النظام العربي يفقد خاصيته العربية بفقدان القدرة عبر قواه الأساسية التي كانت تلعب دور قاطرة النظام، أو نقطة الثقل في التفاعلات الأساسية فيه، الدور الذى كان يحدد جدول أعمال النظام وأولوياته، وكيفية إدارة أنماط السياسات فيه، وفي المنظفة.

وثانيها– التناقضات العربية- العربية التي أصبحت تحتل الأولوية على التناقضات العربية الغربية، ومن ضمنها التناقضات العربية- الإسرائيلية.

وثالثها– تساقط الجوامع المشتركة، حيث فقد الوطن العربي الإحساس بهويته، بل وتملكته نزعات القبائل المتحاربة.

ورابعها– أزمة الفعالية، التي توضحها الفجوة الكبيرة والمتسعة باطراد بين التعهدات التي تقطعها الدول العربية على نفسها في مؤسسات النظام العربي، وبين تنفيذها بالفعل.

ورابعها– الجماهير العربية، ففي إطار تحليل الأزمة الاستراتيجية العامة التي يتعرض لها الوطن العربي، تبدو الجماهير العربية غائبة عن الفعل السياسي .. من ثم التساؤل: لماذا يكون الأمر على هذه الشاكلة؟ هكذا يجرى تحليل مرحلة غياب وتغييب الجماهير العربية، منذ مطالع السبعينات من القرن الماضي، ثم مرحلة العودة ورد الاعتبار، بخاصة بعد تطورات "الربيع العربي" وتداعياته، التي جاءت لتؤكد أمرين على جانب كبير من الأهمية: أولهما – كسر حاجز الخوف لدى الجماهير العربية، وثانيهما – إدراك الشعوب العربية أن الثورة ممكنة، بل إنها الممكن الوحيد في مواجهة نظم الدكتاتورية والفساد والتبعية.

وخامسها– المنظومة الرأسمالية العالمية، التي أصبحت تشكل، دون أي تحد خارجي يذكر، قلب النظام العالمي كله، وتقبض بإحكام على الدفة الموجهة لمساره، بمكوناتها الثلاثة: الدول الرأسمالية السبع المتقدمة؛ والشركات متعددة الجنسية؛ والمؤسسات الاقتصادية العالمية (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة التجارة العالمية)؛ حيث إن الترجمة المباشرة لهذا التوجه الرأسمالي تجاه الوطن العربي تنصرف عملياً، ومن الناحيتين الاقتصادية والسياسية، إلى تصفية الصراع العربي الغربي باعتباره الصراع الأساسي في المنطقة، وفي سياق ذلك تجري تصفية الصراع العربي الإسرائيلي باعتباره الصراع المباشر، بحيث تتحقق الهيمنة المباشرة للمركب الامبريالي – الإسرائيلي، وتسقط القومية العربية وتتلاشى وتندثر.. مرة واحدة وإلى الأبد.

وفي الخلاصة فإن النظام العربي –في الوقت الذي تشتتت جهوده وطاقاته خارج حدوده وداخلها– لم يواجه من قبل خطر الانفراط من داخله، لكن الزلازل التي تعرّض لها طوال العقود الأربعة الماضية، واستمرارية تداعياتها المدمرة، تؤكدان أن التحدي الأكبر الذي سيواجه هذا النظام هو تحدي الانفراط من الداخل. وهذا هو المعنى الحقيقي للقول بأن مشروع النهضة العربية برمته يواجه نوعاً من تحديات المصير: يكون أو لا يكون.

 

الورقة الثانية

واقع العلاقات العربية الأمريكية وآفاقها المستقبلية

د. أسامة عبدالرحمن الدوري

 

        بدأ تغلغل النفوذ الأمريكي في البلاد العربية على شكل تجارة مع بلدان المغرب العربي وسواحل عُمان ومسقط  ومصر والعراق، ومنذ البداية رافق ذلك الأسلوب الدبلوماسي والتهديد تارة أخرى (حرب 1804-1805 مع طرابلس الغرب). ثم بدأ التغلغل الثقافي الامريكي قبل الحرب العالمية الأولى سواء بإرساليات تبشيرية  ومدارس، ومطبعة، وبعثات آثاريه.

وبعد الحرب العالمية الأولى أعجب العرب بمباديء الرئيس ودرو ويلسون الأربعة عشر التي كان ظاهرها طيباً وباطنها خدمة للمصالح الأمريكية. ثم برزت مسألة امتيازات النفط التي أصرت الإدارة الأمريكية على حصول شركاتها على نصيب من تلك الامتيازات سواء بالعراق أو العربية السعودية ثم دول الخليج العربي الأخرى. ورافق ذلك عقد معاهدات مع بعض دول المنطقة، ومنها معاهدة 1930 مع العراق.

بعد الحرب العالمية الثانية برزت إلى السطح المشكلة  الفلسطينية التي وقفت واشنطن ومنذ البداية إلى جانب ما بات يعرف بإسرائيل واعترفت بها.

أدى بداية الحرب الباردة، ومحاولة واشنطن والغرب جذب بعض الدول العربية إلى جانبهم، وضمان الهيمنة الأمريكية أكثر، أدى إلى تشكيل ميثاق بغداد 1954، ثم إعلان الرئيس أيزنهاور مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط تحت ذريعة حماية العرب من المدّ الشيوعي.

جاءت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، ليوضع العرب والمسلمين في دائرة الإرهاب، وارتفع صوت الرئيس بوش الابن بأن العراق واحدا ممن سماهم في "محور الشر" ، كل ذلك أدى إلى الاحتلال الأمريكي المباشر لمناطق عربية أو هيمنة عسكرية وتدخل مباشر، كما حدث في العراق عام 2003، فهيمنت واشنطن على المنطقة العربية هيمنة مباشرة، وبهذا يمكن القول إن الرئيس بوش الإبن آمن وخلال فترتيْ حكمه بعسكرة السياسة الخارجية الأمريكية.

واللافت للانتباه أن سياسة الرئيس أوباما لم تعتمد على القوة العسكرية الغاشمة، واقتنع أن القوة لوحدها لا تستطيع حماية بلاده، ولهذا امتنع عن استخدام القوة والتدخل العسكري بالصورة التي استخدمها سلفه، كما حدث في العراق. ولكن على أرض الواقع استمر التدخل العسكري في ليبيا ومن ثم في سوريا واليمن، والآن في حرب تحرير الموصل من سيطرة داعش.

وفيما يخص القضية الفلسطينية أعلن أوباما حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم وهذا يمثل رؤية أمريكية جديدة، ولكن هل سارت واشنطن بخطى متقدمة في هذا المجال؟.

    تمثل تدخلات واشنطن في معظم البلدان العربية الآن دليل واضح إلى الصورة التي وصلت إليها العلاقات العربية الأمريكية.

        لا يملك العرب أي مركز قوة في الوقت الحاضر يمكن أن يلعب دوراً في تعديل مسار العلاقات العربية الأمريكية. ولهذا فإن افضل وسيلة امام العرب هو الاهتمام ببناء القدرات العلمية والتقنية والاهتمام بالتعليم، ومن جهة أخرى على العرب أن يدركوا أن عصر النفط بدأ يذوي ولا بد لهم أن يتجهوا لبناء اقتصاد خارج مظلة النفط، ويجب أن يفكروا بشكل جدي بالمستقبل.

        وهناك من يرى ان واشنطن لم تعد تعط  لعلاقاتها مع العرب أولوية، بل ذهبوا بعيداً إلى المحيط الهادي وآسيا لأن مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية هناك.

 

الورقة الثالثة

العلاقات العربية الروسية

د. خالد العزي

تُعدّ العلاقات العربية- الروسية قديمة جديدة ربطتها المصالح الاقتصادية والتجارية والثقافية طوال القرن الماضي نتيجة الظروف الجيوسياسية التي فرضتها طبيعة الموقع الجغرافي والديمغرافي للدول العربية من جهة، والحاجة الملحة للدول الغربية للوصول والسيطرة على هذه البقعة الجغرافية من جهة أخرى، والتي تفرضها مميزات عدة.

فالعالم العربي يرتبط تاريخياً بعلاقات دينية مع روسيا الأرثوذكسية التي لم تكن غريبة عن العالم الإسلامي، نظراً لوجود أقلية مسلمة داخل الاتحاد الروسي ولمجاورتها لدول إسلامية في شرق ووسط آسيا.

ومع انهيار الاتحاد السوفياتي ووقوع الدولة الروسية في أزمة اقتصادية وسياسية تراجع الاهتمام بالأصدقاء القدامى من قِبل الدولة الروسية الحديثة حيث كان للعرب نصيباً من هذا الإهمال في الأجندة الروسية.

وانطلاقاً من المصالح الاقتصادية بدأت روسيا تتوجه من جديد نحو العالم لاستعادة دورها السياسي في الحلبة السياسية الشرق أوسطية. كان العالم العربي جزءاً أساسياً من التفكير الدبلوماسي الجديد الذي بدأ يديره  الرئيس بوتين من أجل ربط مصالح اقتصادية جديدة لحلفاء جدد.

فالعلاقات بدأت تُرمّم بطريقة سريعة بين العالم العربي وروسيا حيث بدأ العرب ينظرون إلى روسيا  كونها الجسر الحضاري والثقافي الرابط بين الشرق والغرب في ظلّ القرية الكونية الجديدة.

كانت زيارات بوتين المتكررة إلى دول العالم العربي، ولاسيما إلى دول الخليج العربي التي تركت صداها القوي على المنطقة العربية وروسيا والعالم، مما ساعد في إحياء العلاقات العربية- الروسية؛ حيث نشطت الزيارات المباشرة  بين العرب والروس، وفتحت آفاقاً جديدة في العلاقات الروسية- العربية التي كانت مقفلة بوجه الاتحاد السوفياتي.

ولكن الحديث عن هذه العلاقات التي لم يُكتب لها الاستمرار في زخمها الطبيعي بسبب دخول العالم العربي في مرحلة الربيع العربي الذي أربك الروس ووضعهم في حيرة بسبب التغيير الذي يعيشه العالم العربي.

 

الجلسة الثانية: العلاقات العربية- الأوروبية

الورقة الأولى

العلاقات العربية مع الاتحاد الأوروبي

(الاتحاد المغاربي- دول مجلس التعاون الخليجي)

د. محمد بوبوش

 

شهدت العلاقات العربية- الأوروبية منذ السبعينيات من القرن الماضي مراحل عدة بدأت بإطلاق ما سمِّى الحوار العربي- الأوروبي الذي انطلق إثر الأزمة البترولية الأولى. وانطلقت الشراكة الأوروبية المتوسطية "يوروميد" أو مايسمى بـ "عملية برشلونة" في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر سنة 1995، وهدفت إلى تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والبلدان العشر التي تقع حول البحر الأبيض المتوسط في المشرق والمغرب العربي أي الجزائر، ومصر، وإسرائيل، والأردن، ولبنان، وليبيا، والمغرب، والأراضي الفلسطينية المحتلة وسوريا وتونس، من خلال زيادة وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية.

كما وضع الاتحاد الأوروبي آليات خاصة لتمويل المشاريع في البلدان المعنية، للوصول إلى الهدف النهائي المتمثل بإنشاء المنطقة الأوروبية العربية للتجارة الحرة بحلول عام 2010 من خلال سلسلة من اتفاقيات الشراكة الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وبعض هذه الدول، حلت محل اتفاقات التعاون المبرمة في سنوات السبعينيات من القرن الماضي.

 

تنقسم الدراسة إلى جزأين رئيسين: الأول يتعلق بعلاقات المغرب العربي كتنظيم إقليمي مع الاتحاد الأوربي، ومن خلاله تعرض للمحاور الآتية: الاتحاد المغاربي في سياسات الاتحاد الأوربي من خلال تطور الشراكة بين الجانبين منذ عقد الستينات إلى اليوم في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. أما القسم الثاني من الدراسة فيتناول الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي، من خلال تشخيص المصالح والأهداف الأوروبية في هذه المنطقة، ومجالات التعاون بينهما.

 

دخلت العلاقات الأوربية مع الاتحاد المغاربي في مأزق بسبب بعض الجمود الذي وقعت فيه السياسات الأوروبية، بوصفها مُوجهة بالأساس صوب التجارة والأمن، غير مكترثة اكتراثاً كافياً بمسألة التنمية المشتركة، ولا التكامل الإقليمي، ولا دعم ديمقراطية حقيقية في المنطقة. وعلى الرغم من وجود اتفاقيات تجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب العربي لما يربو على خمسين عاماً، فإن عدم وجود رؤية طويلة المدى، وعدم كفاية الموارد وقصور الوثائق الرسمية، كل ذلك يُفسر إلى حدٍّ كبير عدم استطاعة الاتحاد الأوروبي دفع عجلة النمو في المغرب العربي.

على أن بلدان المغرب العربي تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية لإخفاقها في تناول التحديات الاقتصادية، ومعالجة اختلال التوازن الإقليمي والاجتماعي، وتسوية ما بينها من خلافات، وانصرافها عن تحقيق التكامل الإقليمي، وعدم استجابتها لتطلعات مجتمعاتها. وعليه، فالإخفاق في انتشال بلدان المغرب العربي مما تعانيه من ركود اقتصادي وضعف سياسي مسؤولية يتحملها كل من الاتحاد الأوروبي وبلدان المغرب العربي جميعاً.

وقد أفضت هذه الإخفاقات، من كلا الجانبين، إلى ظهور حالة من التشكك والإحباط، فمن العجز عن سدِّ فجوة الثراء بين الاتحاد الأوروبي وبلدان المغرب العربي؛ إلى مضي معدلات الفقر والجهل في ارتفاعها في جُل بلدان المغرب العربي، فضلاً عن بطالة العنصر الشبابي التي ما فتئت تمثل الوقود لحالة الغضب والإحباط والثورات والرغبة في الرحيل وهجر الأوطان.

 وتخلص الدراسة إلى ضرورة أن يصلح الاتحاد الأوروبي سياساته في منطقة المغرب العربي، من أجل مصلحته هو أولاً، ثم من أجل مصلحة المغرب العربي. كما أن على بلدان المغرب العربي نفسها أن تتجاوز عاداتها القديمة، فتُسوي خلافاتها وتنفتح في أنظمتها السياسية، ليُشارك فيها الجميع، وتُنوع اقتصاداتها وأسواقها الخارجية، وتدعم التكامل الإقليمي فيما بينها.

ظلت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي دون مكانة مجلس التعاون الخليجي الاستراتيجية، وأهمية مصالح الاتحاد الأوروبي واستثماراته المالية. فعلى الرغم من توقيع اتفاقية التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي عام 1988، فإن المفاوضات حول اتفاقية تجارة حرة لم تُحسَم بعد، كما يصعب فهم انعدام التوافق الاستراتيجي الذي بات يُمثِّل خطورة على كلا الجانبين.

 

الورقة الثانية

العلاقات العربية- البريطانية

(بريطانيا والاعتراف بالدولة الفلسطينية: قراءة في موقف مجلس العموم البريطاني)

د. أديب زيادة

شكّل القرار الذي اعتمده مجلس العموم البريطاني في الثالث عشر من تشرين أول/ أكتوبر 2014 حول الاعتراف بدولة فلسطين تطوراً نظر له المراقبون بعين الأهمية نظراً للعامل الجيوسياسي الذي تتمتع به بريطانيا. فالأخيرة حليف استراتيجي لإسرائيل، وهي لها بمثابة المؤسس والراعي الذي خدم الحركة الصهيونية ومن ثم دولة إسرائيل أكثر مما فعله غيرها من الدول الصديقة في النصف الأول من القرن الماضي تحديداً. وعندما تخرج مثل هذه الدعوة من قبل مشرّعي دولة (وعد بلفور)- على الرغم من المحاولات الصهيونية المحمومة لثنيهم عن ذلك- فهي بلا شك تحمل من الدلالات والمعاني ما ينبغي الوقوف عليه. فبعد أن كانت الدعوات التي تُدِين إسرائيل وتنعتها بالوقوف وراء تخريب مساعي التسوية السياسية في المنطقة مقتصرة على حركات شعبية ونقابات واتحادات، انتقلت الحركة الاحتجاجية ليصل صداها بقوة إلى قُبّة البرلمان.

عمدنا في دراستنا هذه إلى الوقوف على خلفيات هذا الحراك الرمزي والهام وتفحص دلالاته ومآلاته، كما تمّ تناول ما جاء على ألسنة كافة النواب المتحدثين في جلسة القرار المتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس العموم البريطاني وعددهم ثلاثة وأربعون نائباً كعينة نقاش تمثيلية لما تم في سائر البرلمانات الأوروبية، علماً أنّ مداخلات هؤلاء النواب شكّلت وثيقة تاريخية أخذت هذه الورقة على عاتقها قراءتها بعناية، وتفكيك عناصرها والوقوف على المعاني التي تختفي خلفها. دار محور الحديث حول وجهتيْ نظر إحداهما تؤيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية والأخرى تُعارضها حيث تسلّح كل من الفريقين بدلائل وبراهين دعا من خلال استعراضها الآخرين لتأييد وجهة نظره.

وبفضل استخدام منهج تحليل مضمون الخطاب تم استجلاء طبيعة تلك المواقف والتفصيل فيها وتصنيفها، والخلوص إلى جملة من الاستنتاجات أهمها أن إسرائيل -كدولة تحركها هواجسها الأمنية- آخذة بفقدان صورتها على المستويين الرسمي والشعبي في بريطانيا، حيث بلغ مستوى الحنق لدى الساسة البريطانيين جراء التعنت الاسرائيلي مستوى غير مسبوق، وهو ما جرّأ النواب على اللجوء إلى تأييد هذه الخطوة وفي ذات الوقت توجيه انتقادات جريئة بحق إسرائيل.

دعت الدراسة في خلاصتها إلى البناء على هذا التطور الإيجابي لدفع الساسة إلى الكفّ عن الكيل بموازين مختلفة عبر الضغط على إسرائيل بالعقوبات، وإقناع أولئك الساسة في الوقت ذاته بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة من أجل نيل حقوقه.

 

الورقة الثالثة

العلاقات العربية- الفرنسية

د. أحمد سعيد نوفل

مرّت العلاقات العربية الفرنسية بمراحل مختلفة، من احتلال فرنسا واستعمارها أجزاء شاسعة من الوطن العربي في المشرق والمغرب، إلى موقفها المتميز من الصراع العربي-الإسرائيلي ، مروراً بمشاركتها في العدوان الثلاثي على مصر وانتهاء بمبادرتها ليس بحكم الجوار الجغرافي لأوروبا مع أطراف الصراع، بل من أجل أن تحافظ على مصالحها في المنطقة. خاصة أن أوروبا هي الساحة التي انطلقت منها الحركة الصهيونية في مشروعها الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، لأنه من دون الدعم الذي قدمته لها، ما كان من الممكن أن ترى إسرائيل النور. وكان الصراع على فلسطين منذ الحروب الصليبية حتى قيام إسرائيل يقع في سلم أولويات الدول الأوروبية. 

ينقسم البحث إلى ثلاثة أجزاء، يعالج الجزء الأول التطور التاريخي للعلاقات العربية- الأوروبية، والجزء الثاني، تطور موقف المجموعة الأوروبية من الصراع العربي- الإسرائيلي، والجزء الثالث توجهات الاتحاد الأوروبي نحو القضية الفلسطينية وعملية السلام منذ مطلع التسعينات وحتى عام 2016، وصولاً إلى مستقبل العلاقة العربية الفرنسية، والمبادرة التي قدمتها فرنسا باسم الاتحاد الأوروبي لحل القضية الفلسطينية.

وخلصت الدراسة إلى عدد من الاستنتاجات ومن أبرزها، رغبة فرنسا في الحفاظ على العلاقات الخاصة التي تربطها مع الدول العربية خاصة النفطية، وعدم تعريض هذه العلاقات للتوتر بسبب الصراع العربي-الإسرائيلي، وإعطائها الأفضلية في سياسات الاتحاد الأوروبي في الشرق الوسط. ومحاولة فرنسا تزعم سياسات الاتحاد الأوروبي مع الدول العربية بسبب عدم اتفاق دول الاتحاد على موقف موحد من القضايا والمشاكل التي تعصف بالدول العربية؛ كالأزمات في ليبيا وسوريا والعراق واليمن. وعدم وجود ضغوط عربية على الجانب الفرنسي والتي تتبع في سياستها الموقف الأمريكي لتطوير العلاقات العربية الفرنسية لصالح الطرفيْن. وتشجيع فرنسا، الحوار الفلسطيني-الإسرائيلي، وعقد المؤتمرات المتخصصة للبحث عن حلول للمشاكل التي تواجه عملية السلام. كان آخرها دعوتها إلى عقد مؤتمر دولي في العاصمة الفرنسية. كما أكدت الدراسة على لعب فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي دور الممول المادي للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، من أجل أن تبقي على نفوذها في الشرق الأوسط، لكي تعوض الخسارة عن الدور السياسي المحدود الذي تلعبه عِبر الدور الاقتصادي الداعم لعملية السلام .

كما خلص الباحث إلى التأكيد على محاولة فرنسا التنسيق مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة وروسيا للعب دور مشترك في عملية السلام في الشرق الأوسط، وهذا الموقف هو الذي أدى إلى تشكيل اللجنة الرباعية التي وضعت خطة خريطة الطريق. كما أكّد على أن فرنسا تريد أن تقوي علاقاتها مع الدول العربية، والاستفادة منها في تنشيط دورها في تسوية القضية الفلسطينية، وهي في الوقت ذاته لا تريد فصل التعاون الاقتصادي الأوروبي- العربي عن الدور السياسي الفرنسي في الشرق الأوسط.

أعلى الصفحة

الجلسة الثالثة: العلاقات العربية- الأفريقية

الورقة الأولى

العلاقات العربية- الأفريقية

(الحالة النيجيرية)

د مصطفى بنموسى

     

يقف الباحث في العلاقات العربية- النيجيرية، على واقع غير منطقي يتمثل في وجود مفارقة محيرة، فالقواسم المشتركة المتعددة تُوفِّر فرصاً كبيرة للوصول بالتعاون المشترك إلى مستويات عالية، لكن واقع العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية لايزال بعيداً جداً عن استثمار هذه الفرص، وترجمتها إلى معطيات وأرقام يستفيد منها الجانبان.

     من هذا المنطلق تساءلت –هذه الورقة– عن أسباب هذا الضعف وتجلياته وتداعياته على المنطقة العربية والإفريقية، وذلك في محاولة للبحث عن أنسب الحلول والمقترحات لإعادة التوازن والحيوية إلى العلاقات العربية- النيجيرية.

يرى الباحث أن مشهد العلاقات العربية- النيجيرية يُعاني مجموعة من الاختلالات، من قَبِيل ضعف التعاون السياسي بين الجانبيْن نتيجة غياب العقلانية في المنطلقات التي تحكم علاقات الدُوَل العربية بنيجيرية، إلى جانب ضعف التعاون الاقتصادي نتيجة التشابه الكبير في البنى الاقتصادية ذات الطبيعة الريعية بين الطرفيْن، وضعف الاستثمارات والمساعدات العربية التي يتم ضخها في الاقتصاد النيجيري.

       كما عرض هذا البحث العراقيل والصعوبات التي تقف حجر عثرة في وجه تطوير العلاقات بين الجانبين النيجيري والعربي، من قبيل: التأثير السلبي للنفوذ الدولي الخارجي على هذه العلاقات، وتردّي الوضع العربي،  أضف إلى ذلك تأثير البعد الأمني على هذه العلاقات خاصة مع  وجود  جماعة  "بوكو حرام" التي باتت تشكل تهديداً كبيراً لنيجيريا وللدول العربية على السواء.

       ولتجاوز هذه العراقيل والصعوبات وصولاً بالتعاون إلى مستوى التطلعات، وترجمة القواسم المشتركة بين الطرفيْن إلى مواقف سياسية وأرقام اقتصادية يرضى عنها الجميع. يقترح البحث مجموعة من الحلول والمقترحات من أبرزها: تفعيل العمل الدبلوماسي الجماعي من خلال تفعيل الاستراتيجية العربية الإفريقية المشتركة 2011-2016،  وتركيز الدول العربية على ترسيخ التعاون مع نيجيريا في مجموعة من المجالات ذات الأهمية الكبرى مثل المجال الاقتصادي، والاهتمام بالبعد الأمني في ظل الصراعات التي تمزق دولة نيجيريا، والاستعانة بآليات تنشيط التبادل الثقافي والتعاون الإعلامي لتقوية العلاقة بين الطرفيْن.

 


 

الورقة الثانية

العلاقات العربية مع الاتحاد الإفريقي

(جدلية الهوية وتحديات واقع دولي متحول)

د حمدي عبدالرحمن

 

يعكس تاريخ العلاقات والتفاعلات العربية الإفريقية في العصر الحديث على الدوام معضلة الهوية والانتماء وإشكالية تغليب الاعتبارات السياسية والأيديولوجية على المصالح الاقتصادية والأمنية المشتركة للطرفين. لذلك، لم يكن غريباً أن تسعى بعض الزعامات الإفريقية مثل الرئيس باندا في ملاوي والرئيس موبوتو في زائير (الكونغو الديموقراطية حالياً) إلى محاولة الفصل بين العروبة والأفريقانية في حركة الوحدة الأفريقية بحيث تصبح الرابطة الإفريقية بعد الاستقلال خاصة بدول جنوب الصحراء الكبرى، وذلك رداً على إنشاء الجامعة العربية وانضمام دول إفريقيا العربية إليها.

وقد واجهت مسيرة العلاقات العربية الأفريقية في إطارها المؤسسي تحديات كبرى أفضت إلى وجود فترة انقطاع تاريخي خلال العقود الثلاثة الماضية، فمصر التي احتضنت قمة العرب والأفارقة الأولى في القاهرة عام 1977 وكانت خلف جهود انعقاد قمة سرت الأفروعربية الثانية عام 2010 لم تحضر قمة الكويت عام  2013 إلا بوجهها العربي فقط. وقد أسهمت التحولات الإفريقية والإقليمية والدولية في أعقاب مرحلة الحرب الباردة في تعميق القطيعة بين العرب والأفارقة حيث طرحت أزمة الهوية والقومية بشكل حاد. وتسعى هذه الدراسة إلى طرح بعض القضايا والإشكاليات العامة التي ترتبط بمنظومة التفاعلات العربية الأفريقية في إطار الاتحاد الإفريقي. كما تهدف كذلك إلى اقتراح عدد من المداخل والأطر التي يمكن من خلالها تجاوز أزمة المواقف العربية تجاه الاتحاد الأفريقي سواء على مستوى الخطاب أو الممارسة. على أن الدراسة تثير كذلك بعض التساؤلات حول تأثير ثورات الربيع العربية على خطاب ومؤسسات العلاقات العربية الإفريقية في إطار الاتحاد الإفريقي.

ولعل الافتراض الرئيسي الذي تقوم عليه هذه الدراسة يتمثل في أن تراجع مباديء وأيديولوجيات الوحدة في كل من الوطن العربي وإفريقيا (العروبة والأفريقانية) بالإضافة إلى تحولات النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة (التكالب الدولي الجديد على الموارد الطبيعية) قد أثر بصورة سلبية على العلاقات العربية بالاتحاد الإفريقي. وعليه فقد خلصت الدراسة إلى القول بأن نجاح القمم الأفروعربية في تأسيس شراكة استراتيجية جديدة بين العرب والأفارقة رهن بمدى نجاحها في عدم تسييس العلاقة بين الطرفين وتدشين حوار استراتيجي جديد يناقش كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك على قدم المساواة. ولعل ذلك كله يفرض علينا ضرورة تبني شعار "التوجه جنوباً" نحو أفريقيا للانطلاق معاً نحو آفاق جديدة للنهضة والرقي. فهل نتعلم من أخطاء الماضي ونواجه تحديات الحاضر لتحقيق حلم الأفروعربية مرة أخرى؟


 

الورقة الثالثة

العلاقات العربية مع جنوب أفريقيا

(نموذجا مصر والخليج)

د. بدر حسن شافعي

 

تتناول هذه الورقة العلاقة بين جنوب أفريقيا باعتبارها أحد أقطاب القارة السمراء، والتي كانت في لحظة تاريخية محطّ اهتمام العالم أجمع بسبب سياسة الفصل العنصري (الأبارتيد)، فضلاً عن كونها بعد ذلك نموذجاً يُحتذى به في عملية التحول الديمقراطي والعدالة الانتقالية، وبين كل من قطبيْن عربييْن، الأول هو مصر باعتبارها القطب العربي المنافس لها في أفريقيا، ودول الخليج الست، باعتبارها تكتل اقتصادي كبير في القارة الآسيوية.

وتسعى هذه الورقة إلى الإجابة على عدة تساؤلات رئيسية بشأن عدد من المواضيع؛ ومن أبرزها: المحددات "المقومات" الذاتية لكل طرف التي يمكن أن تشكل عنصر جذب للطرف الآخر  من ناحية، كما تشكل دافعا لكل طرف للقيام بدور نشط في علاقاته الدولية بالأطراف الأخرى. ومجالات هذه العلاقة، وما يستتبعه ذلك من سؤال حول طبيعة العلاقة؟ هل هي علاقة تنافسية أم تكاملية أم هي علاقة تابع بمتبوع؟. والتحديات التي تواجه تدعيم هذه العلاقات، تحديات خاصة بالتنافس والهيمنة الإقليمية "حالة مصر وجنوب أفريقيا" أو بوجود تنافس من فواعل أخرى "الدول الأوربية والولايات المتحدة في الخليج"، و"الصين، الهند، اليابان، إيران، تركيا" في أفريقيا. وأخيراً مستقبل العلاقات بين الجانبين.

وفي هذا الإطار تم تقسيم الورقة لمبحثين أساسيين، وخاتمة. الأول يتضمن العلاقات المصرية بجنوب أفريقيا. والثاني: العلاقات الخليجية مع جنوب أفريقيا. وقد تضمن كل مبحث ثلاثة مطالب أساسية، الأول يتعلق بمحددات "مقومات" العلاقة، والثاني يرتبط بمجالاتها، أما الثالثة فيتحدث عن أبرز التحديات .

وخلصت الدراسة إلى عدد من النتائج، ومنها أن العلاقة بين هذه الأطراف الثلاثة لا تحظى بالأولوية لأسباب عدة منها السبب الجغرافي "البعد المكاني"، والذي جعل جنوب أفريقيا تُركز أولوياتها الخارجية على دول الجنوب باعتبارها المجال الحيوي لها، في حين تُركز مصر على الدائرة النيلية ودول شرق أفريقيا، وإن تراجع هذا الاهتمام بعد ذلك بسبب انكفاء الرئيس الأسبق حسني مبارك على الشأن الداخلي، وما تبع ذلك من تغييرات في مصر أدت إلى مشاكله اقتصادية لا تنتهي، وخاصة في الوقت الحالية. أما دول الخليج، ففضلاً عن اهتمامها بالعلاقة مع الغرب والولايات المتحدة، ناهيك عن القضايا الإقليمية الملتهبة حولها في سوريا، والعراق، واليمن، فإن اهتمامها بأفريقيا يكاد يقتصر على منطقة الشرق الأفريقي لعدة اعتبارات منها الاعتبار الجغرافي، فضلاً عن الاهتمام الأمني المتمثل في التغلغل الإيراني الداعم للحوثي في دول هذه المنطقة.

 


 

الجلسة الرابعة: علاقات العالم العربي مع دول آسيا وأمريكا اللاتينية

الورقة الأولى

العلاقات العربية- الصينية

د. عمار جفال

منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، شهدت العلاقات العربية الصينية  نقلة كمية ونوعية كبيرة جدا مع غالبية الدول العربية، و يرجع ذلك إلى توافر مجموعة  عوامل أهمها: أولا/ تبلور سياسة القوة الناعمة التي توجهت إليها الصين في سياستها الخارجية كخيار استراتيجي شامل  يؤطر العلاقات الدولية للصين و يميز سلوكها مع الدول و الفضاءات الجيوسياسية،  ثانيا/ تغير الظرف الدولي نحو زوال القطبية.  ثالثاً/ توجه العلاقات الدولية نحو أولوية العلاقات الاقتصادية و المبادلات التجارية على حساب الاعتبارات الأيديولوجية، و تخلي الصين عن الدعوة لنشر الشيوعية والانعكاسات الايجابية لهذا التوجه الجديد على ازدهار العلاقات الصينية وتطورها مع بلدان عديدة منها السعودية و بلدان أخرى. رابعا/ الطفرة الاقتصادية التي شهدتها الصين ودفعتها بقوة إلى البحث عن الموارد  الأولية عبر القارات، وفي مقدمة هذه الموارد: النفط و الغاز. و بالنظر إلى المكانة الحاسمة لاحتياطيات الوطن العربي من هذه المواد،. خامساً/  توجه الدول العربية طوال العشريتين الماضيتين إلى إدخال إصلاحات اقتصادية داعمة  لتطوير اقتصاد السوق، و تزامن دلك مع انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية الأمر الذي سمح  بإزالة العديد من العراقيل أما الاستثمار و التجارة البينية.     

     انطلاقاً من هذه التحولات والمؤشرات الواعدة، تهدف الورقة إلى مناقشة وتحليل العناصر الرئيسية في للعلاقات العربية الصينية وآفاق تطورها و ذلك ضمن المحاور الرئيسية التالية:

-       مناقشة  أهم أوجه التوافق و التقارب بين سياسات وتطلعات الطرفين العربي و الصيني

-       محاولة تقديم عرض معمق لحجم تطور العلاقات بين الطرفين واتجاهاته الجغرافية الهامة و هي: مجموعة الدول العربية بشمال إفريقيا، مجموعة الدول العربية الخليجية.

-       دراسة الحالة السودانية التي عكست رغبة الصين في انجاز نموذج ناجح للعلاقات مع الصين

أخيراً  خلاصة واستشراف لآفاق تطور العلاقات الصينية العربية على ضوء المعطيات السالفة الذكر.

 

أثبتت الصين أنها قادرة على تقديم نموذج تعاون جديد مع الدول العربية يختلف عن الممارسات التقليدية  للقوى الكبرى بالمنطقة، يتمحور حول المزج بين مكونات القوة الناعمة وما تتضمنه من ربط بين الجانب السياسي المحدد بالمبادئ الخمسة للسياسة الخارجية الصينية وفي مقدمتها مبدأ عدم التدخل واحترام سيادة الدول والجانب الاقتصادي المركز على التنمية وخدمة مصالح الطرفين. وهو ما يتوافق تماماً مع تطلعات الطرف العربي.

ورغم العوامل السياسية والحوافز الاقتصادية المساعدة جدا لتطور العلاقات بين العرب والصين، لا زالت هذه العلاقات من حيث الكم محدودة مقارنة بنسبة ارتباط الدول العربية بقوى اقتصادية أخرى وفي مقدمتها الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، لكن الملاحظ أن العلاقات الاقتصادية للدول العربية مع الصين تميزت بسمات واعدة، ومن أبرزها الوتيرة السريعة لطور العلاقات الاقتصادية كماً ونوعاً، وتنوع العلاقات الاقتصادية و توازنها ما بين الاستثمار التنموي والتجارة، وروح المغامرة الاقتصادية التي أبدتها المؤسسات الصينية بالاستثمار في قطاعات مهمشة ومناطق نائية  وغير آمنة مثل ما هو عليه الحال في السودان مثلاً. وتغليب الأهداف الكبرى على الحسابات الاقتصادية الصرفة بالدفع دائما نحو استثمارات مربحة للطرفين.

 

وفيما يتعلق بآفاق العلاقات الصينية العربية، يخلص الباحث إلى عدد من الأمور، ومن أبرزها:  

-       حاجة الصين الماسة لنفط العرب وتطور ورداتها منه إلى حوالي نصف حاجياتها، مؤشر هام يدفع بالعلاقات مستقبلاً إلى المستوى الاستراتيجي والحيوي ويساهم في بناء محور استثماري واعد خاصة مع  دول مجلس التعاون وفي مقدمتهم السعودية.

-       لاعتبارات جغرافية تتعلق بموقع الدول العربية بشمال إفريقيا بين السوق الأوربية- الإفريقية، واعتبارات تعاونية تتعلق باتفاقيات التبادل التجاري المبرمة بين بلدان شمال إفريقيا والاتحاد الأوربي وإفريقيا والعالم العربي، تتجه التطلعات الاقتصادية للطرفين إلى انجاز مناطق تنمية اقتصادية في هذه البلدان، وبالفعل بدأ العمل في مصر بمشروع منطقة شمال قناة السويس، كما يحتمل الشروع في إنجاز مشاريع مماثلة بالمغرب والجزائر وتونس و ليبيا لاحقاً. ومن شأن هذه المناطق أن تحول دول المنطقة إلى أقطاب تصنيع وتصدير.

-       فتح مشروع إحياء طريق الحرير الذي أطلقه الرئيس الصيني في خطابه بالجامعة العربية في كنون ثاني/ يناير 2016 آفاقاً رحبة لتطور العلاقات بين الصين والعرب على المدى البعيد. ويتضمن الشق البري (طرق وخطوط سكك حديدية ..الخ) والشق البحري (تطوير وتأمين الخطوط البحرية)، ويهدف المشروع بخططه الطموحة إلى تنمية رواق واسع ومكثف من الهياكل القاعدية البرية لخدمة الزراعة والصناعة والتجارة والتكنولوجيا بين الصين وأوروبا عبر الفضاء الجغرافي العربي.                                          

 

الورقة الثانية

العلاقات العربية- اليابانية

د. مسعود ضاهر

       

لم تعد اليابان المهزومة في الحرب العالمية الثانية  دولة عسكرية. لذا تمسكت اليابان بالحلول الدبلوماسية وليس العسكرية للنزاعات التاريخية الموروثة  في الشرق الأوسط. وشجعت على التفاعل وليس الصدام بين الحضارات. وتبنت "سياسة القوة الناعمة" التي تستند إلى الطاقة الإبداعية الكامنة لدى الشعوب، وأبرزها التراث الثقافي، والقدرة على التواصل، وتنشيط قطاع الخدمات المدنية، وتطوير المؤسسات الاجتماعية، ومعالجة قضايا الاندماج الاجتماعي، وحماية "التنوع ضمن الوحدة" لتجاوز الانقسامات بأشكالها المتنوعة.

        فتطورت العلاقات العربية- اليابانية بوتيرة متسارعة في العقد الأول من القرن العشرين إلى أن تضررت كثيراً من الانتفاضات الشعبية لعام 2011 والتي ادخلت منطقة الشرق الأوسط في مرحلة بالغة الخطورة. وليس من شك في أن التفاعل الإيجابي بين العرب واليابانيين ودول آسيوية أخرى بات حاجة ملحة لكلا الجانبين. إذ تلعب المقولات الثقافية دورا أساسيا في تطوير الحوار الشمولي، ومفاهيمه، وتوصياته. وذلك يتطلب قيام مؤسسات ثقافية عربية ذات تمثيل عربي شمولي تعنى باستمرار عملية الحوار بصورة تدريجية ومتصاعدة، وتضم الغالبية الساحقة من الباحثين العرب المهتمين بتجربة التحديث اليابانية.

وهي تولي أهمية خاصة للعناصر الشابة من الباحثين العرب الذين تلقوا علومهم في اليابان، ولديهم خبرة واسعة في دراسة المجتمع، والدولة، والتاريخ، والثقافة، والفلسفة، والعلوم، وغيرها من مشكلات البحث العلمي العربي حول القضايا النظرية المشتركة. وقد ولد جيل جديد من المترجمين العرب واليابانيين الذين يتقنون اللغتين العربية واليابانية بشكل جيد، ومن القادرين على ترجمة الروائع أو الدراسات العلمية اليابانية إلى العربية وبالعكس. وليس من شك في أن العرب مقصرون جدا في هذا المجال. فغالبية الترجمات عن القضايا المشتركة بين العرب واليابانيين ما زالت تتم عبر الترجمة عن ترجمات أوروبية.

        ونجحت اليابان في إقامة علاقات تفاعلية وثيقة مع الدول العربية على قاعدة مؤسسات مالية وتجارية واقتصادية عملاقة، واستفادت على الدوام من ثورات العلم والتكنولوجيا والاتصالات لتبني علاقات تجارية متينة مع دول العالم، ومنها الدول العربية. وحرصت الدبلوماسية اليابانية على تعزيز علاقاتها مع جميع الدول العربية. وهي تقدم مساعدات مالية وتقنية وفنية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبعض الدول العربية. وتساهم في تقديم الدعم اللوجستي، والمالي، والتنموي في كثير من المجالات، لعدد كبير من الدول العربية. وتزايد عدد المراكز الثقافية والجامعات والمعاهد اليابانية التي تدرس اللغة العربية وآدابها، وتاريخ العرب، ومبادئ الإسلام، والنظم الإسلامية، والقضايا الإسلامية الكبرى، والحركات الإسلامية، القديمة منها والمعاصرة. وشهد العقد الأول من القرن الواحد والعشرين اهتماما متزايدا من النخب العربية واليابانية .فقدموا تاريخ  شعوب الشرق الأوسط وثقافاتها بعيون يابانية وليس غربية. ونبهوا إلى وجود مجالات واسعة للتعاون المثمر بين المستعربين اليابانيين والباحثين العرب المهتمين بتطوير العلاقات العربية– اليابانية في المجالات الأكاديمية، والثقافية، والفنية، وبناء فضاء ثقافي آسيوي مشترك تتحدد  فيه معالم الثقافات الآسيوية، ومنها العربية، المؤهلة لبناء قرن آسيوي بامتياز، والمشاركة في قيام عولمة أكثر إنسانية. ولعب الباحثون اليابانيون دورا أساسياً في إقامة حوار عميق حول أفضل السبل الواجب اعتمادها من أجل الارتقاء  بالعلاقات المشتركة مع العرب نحو مستقبل أفضل. ودعا المتنورون العرب إلى تطوير تطوير الأنظمة السياسية في الدول العربية، وترسيخ قيم العدالة والحرية والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. فالتفاعل الإيجابي بين العرب واليابانيين لن يبقى أسير علاقات اقتصادية وحيدة الجانب بل يؤسس أيضا لعلاقات استراتيجية طويلة الأمد لأن كل التوقعات نشير إلى أن القرن الواحد والعشرين سيكون آسيويا بامتياز. علما أن الثقافة العربية مكون أساسي في الثقافات الآسيوية منذ أقدم العصور. وهي مدعوة اليوم إلى الحوار الإيجابي معها من موقع الندية للتخلص من تبعيتها المزمنة للثقافات الغربية. 

 

الورقة الثالثة

العلاقات العربية مع أمريكا اللاتينية

(البرازيل والأرجنتين وفنزويلا)

د. صدفة محمد

 

استهدفت الدراسة استعراض مختلف جوانب العلاقات العربية اللاتينية، من حيث: أسس ومرتكزات هذه العلاقات، ومستوياتها، وأبرز القوى الفاعلة فيها، وقضاياها ومجالاتها. بالإضافة إلى العلاقات الدولية لدول أمريكا اللاتينية وانعكاساتها على موقفها من القضايا العربية. فضلا عن مستقبل هذه العلاقات وأبرز التحديات التي تحول دون تطورها، ومسارات التحرك المقترحة للارتقاء بها.

وفي هذا الإطار، تناولت الدراسة أسس ومرتكزات العلاقات العربية اللاتينية، وأبرزها: الموروث التاريخي والثقافي والبشري المشترك، الذي يعود إلى القرن التاسع عشر من خلال تواجد كبير لمواطنين لاتينيين من ذوي أصول عربية. وكذلك اتفاق رؤى الجانبين حول عدد من مبادئ السياسة الخارجية، وأهمها: احترام الاستقلال الوطني، حق الشعوب في تقرير مصيرها، عدم التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. فضلا عن الاهتمام بإقامة نظام دولي متعدد الأقطاب من جهة، وبناء نظام اقتصادي عالمي أكثر عدالة من جهة أخرى. وكذلك الدعم القوي الذي تبديه دول أمريكا اللاتينية للقضية الفلسطينية وللحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

رصدت الدراسة مستويات التعاون العربي اللاتيني (الحكومي، والشعبي). على المستوى الرسمي- الحكومي، يتم التعاون في إطار قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية والاجتماعات الوزارية المنبثقة عنها، ومن خلال العضوية المشتركة في المنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية، وكذلك تنسيق المواقف في إطار المنظمات متعددة الأطراف. بالإضافة إلى التعاون الثنائي بين دول المنطقتين. ويتم التعاون على المستوى غير الرسمي - الشعبي، من خلال القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، فضلا عن دور الجاليات العربية في أمريكا اللاتينية.

توصلت الدراسة إلى أن هناك عدد من القوى القائدة والمحركة للتعاون المشترك بين الطرفين؛ إذ يبرز دور دول مجلس التعاون الخليجي وبخاصة السعودية والإمارات وقطر في الجانب العربي، والبرازيل وفنزويلا والأرجنتين وكذلك المكسيك في الجانب اللاتيني. وأوضحت الدراسة أن العلاقة بين الطرفين لم تعد تقتصر على الأبعاد الجيو- سياسية، بل أضحت تتضمن أبعادا جيو- اقتصادية، وكذلك اجتماعية وثقافية، فضلا عن التعاون في قطاعات مهمة مثل الطاقة النظيفة والبيئة والتغير المناخي والتكنولوجيا والأمن الغذائي وغيرها.

رصدت الدراسة حضور كبير وبارز لمجموعة من القوى الإقليمية في أمريكا اللاتينية وفي مقدمتها إيران وإسرائيل، فضلا عن علاقتها القوية ببعض القوى الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا. مما كان له انعكاسات واضحة على مواقف دول أمريكا اللاتينية المؤثرة من بعض القضايا العربية المهمة، وبخاصة الأزمة السورية.

في هذا الإطار، خلصت الدراسة إلى عدد من النتائج الرئيسية، منها: عدم تطور العلاقات العربية اللاتينية بالقدر الكافي، وهو ما يتضح في تدني حجم التبادل التجاري بين الطرفين، والذي لا يتجاوز في أفضل التقديرات 4 بالمائة من إجمالي التجارة الخارجية لكل منهما، فضلا عن اختلاف رؤى الطرفين حول عدد من القضايا المهمة. ويأتي في مقدمة المعوقات التي تحول دون تطور العلاقات العربية اللاتينية؛ تفاقم المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية داخل دول المنطقتين، والبعد الجغرافي وعدم كفاية وسائل النقل والروابط اللوجيستية، إلى جانب التحديات الثقافية واللغوية، وحداثة الاهتمام الرسمي بالعلاقات بين الجانبين.

وأكدت الدراسة على أن الحاجة لتكثيف الدول العربية لجهودها الرامية لتطوير العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية خلال المرحلة الراهنة تبدو أكثر إلحاحا من أي وقت مضى من أجل التقليل من التأثيرات السلبية التي يمكن أن تحدثها التغيرات السياسية الراهنة في أمريكا اللاتينية (التحول إلى اليمين) على العلاقات مع الدول العربية، وأن الارتقاء بهذه العلاقات يتطلب العمل على إنجاز خطط ومشروعات حقيقية تسهم في تحقيق منافع مشتركة للطرفين، وتقوية الأطر المؤسسية للعلاقات العربية اللاتينية، إلى جانب تكثيف حركة التبادل التعليمي والثقافي والعلمي. وكذلك الدخول في شراكات مع التحالفات والمنتديات التي تنخرط فيها بعض الدول اللاتينية المؤثرة وبخاصة البرازيل في إطار مجموعة البريكس والإبسا.

أعلى الصفحة


الكلمة الختامية والتوصيات

عقد مركز دراسات الشرق الأوسط في الأردن يوميْ 13-14/11/2016 ندوة متخصصة بعنوان "العلاقات العربية الدولية: الواقع والآفاق"، وشارك فيها نحو 80 شخصية من الأردن ومصر ولبنان والسودان والمغرب والجزائر والعراق وبريطانيا.

وناقشت الندوة على مدى يوميْن 12 بحثاً علمياً متخصصاً، توزعت على أربع جلسات، سعت من خلالها إلى تقييم الموقع والدور الذي يحتله العالم العربي على خريطة العلاقات الدولية، واكتشاف اتجاهات التطوير اللازمة في العلاقات العربية- العربية لزيادة الدور العربي الدولي وتطويره، ورسم السيناريوهات المستقبلية للعلاقات العربية- الدولية، ومحاولة تقديم رؤى مشتركة لصياغة سياسة خارجية عربية تخدم القضايا الكبرى.

وفيما يلي نص الكلمة الختامية التي ألقاها المدير التنفيذي في مركز دراسات الشرق الأوسط الدكتور بيان العمري.

السادة والسيدات،

يسرنا في ختام ندوتنا "العلاقات العربية- الدولية: الواقع والآفاق" أن نعبر بدايةً عن الشكر الجزيل على ما تم طرحه من أفكار رافقها نقاش وحوار علميّ مسئول، ما أسهم في تحقيق هذه الندوة لكثير من أهدافها من جهة، ولتكون نتائجها وخلاصاتها أساساً لمبادرة عربية واقعية تدعو إلى الارتقاء بالعلاقات العربية- الدولية على أساس التعامل مع الآخر بقدر من التكافؤ واستناداً إلى المصالح المشتركة وتبادلها من جهة ثانية.

خلص المنتدون إلى أن العلاقات العربية- العربية تمر بحالة من التشويه والانقسام، قد لا تكون قد شهدتها بهذه الحدّة من قبل، بانتقالها إلى حروب أهلية وطائفية في العراق وسورية وليبيا واليمن، وهي حالة مؤلمة فتحت الباب على مصراعيه للقوى الإقليمية الثلاث، إسرائيل وتركيا وإيران، لزيادة نفوذها الإقليمي على حساب الدول العربية، وهو ما انعكس على العلاقات العربية- الدولية بشكل سلبي، وأتاح للقوى العالمية أن تتدخل في المنطقة مباشرة ومن خلال وكلائها لتزيد حالة الاقتتال العربي عنفاً ونزيفاً بحجج الطائفية والمذهبية ومحاربة الإرهاب، ولتتسع دائرة الخلافات والانقسامات السياسية.

وانطلاقاً من العلاقة العضوية التي تربط الوضع الداخلي للدول بعلاقاتها الخارجية أكد المنتدون بأن غياب العدالة من منظومة قيم الدول العربية، وتغوّل السلطات فيها، وعدم الفصل بين السلطات، قد لعب دوراً في تراجع واقع "الدولة" بمفهومها الشامل لصالح "السلطة" بمفهومها المجتزأ، وواكب ذلك تراجع الفكر القومي الحافظ لوجود الدولة والأمة، ما يطرح على رأس الأولويات ضرورة التصدي لعلاج هذه الحالة بإجراءات متوسطة المدى وبعيدة، بحيث تتمكن الحكومات والشعوب من تطبيق هذه الإصلاحات.

كما أكدوا على أن "الغرب" يعيش اليوم تحولاً مُهماً قد يعيق عودة سياسة التدخل في الشرق الأوسط كما عرفناها في القرن العشرين؛ إذ تشهد كل من الولايات المتحدة والغرب تراجعاً وانزياحاً يتزايد شعبياً ضد العولمة، وسيترك آثاره على حدود التدخل الغربي في العالم العربي، ولكي يكون للعرب دور مؤثر وفعّال في تحولات السياسة العالمية لا بدّ من استثمار الفرص وتوحيد الرؤى العربية حول قضاياها الذاتية والخارجية، وهذا يتطلّب إصلاح العلاقات العربية- العربية كمتطلب للنجاح، حيث إن الأمة العربية تمتلك من التراث الحضاري والديني والثقافي، ومن مقدرات الموارد المالية والبشرية، ما يجعلها أعظم أثراً في تشكيل ملامح السياسة الدولية الراهنة ومستقبل العالم، إذا استطاعت أن تجمع كلمتها وتوحد موقفها وتتوافق على رؤية جامعة تحدد أهدافها ومصالحها الجمعية.

ودعا المنتدون إلى ضرورة أن يعمل السياسيون والأكاديميون العرب على صياغة رؤية/ مبادرة واقعية وبعيون عربية للارتقاء بالعلاقات العربية- الدولية وتثقيل وزن العرب على المستوى الإقليمي والدولي.

وفي العلاقات العربية - الأوروبية دعا المنتدون إلى إقامة علاقات متوازنة بين كل من العرب والأوروبيين تأخذ في حساباتها مصالح واحتياجات الطرفين، ولا تبقى مقتصرة على الأجندة الأوربية المتعلقة بالهجرة والأمن والإرهاب وفتح الأسواق العربية أمام المنتجات الأوروبية، وهو ما يلزم استئناف الحوار الأوروبي- العربي وفق منظور وتصورات جديدة، مستنداً إلى تراث كبير من الحوار السابق. 

وفي سياق العلاقات العربية- الإفريقية أكد المنتدون أهميتها وحذروا من التحول في العلاقات الإفريقية مع إسرائيل التي تسعى إلى استعادة مقعد المراقب في الاتحاد الإفريقي، ودعوا بناءً على ذلك إلى ضرورة البحث عن مداخل جديدة لتطوير العلاقات العربية- الإفريقية.

أما ما يتعلق بعلاقات العالم العربي مع كل من الصين واليابان فقد شدد المنتدون أن العلاقات مع الصين لا زالت محدودة من حيث الكمّ فضلاً عن النوع مقارنة بنسبة ارتباط الدول العربية بقوى اقتصادية أخرى وفي مقدمتها الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، وذلك رغم العوامل السياسية والحوافز الاقتصادية المساعدة جداً لتطوير هذه العلاقة.

وخلص المنتدون إلى أن التفاعل الإيجابي بين العرب واليابانيين لن يبقى أسير علاقات اقتصادية وحيدة الجانب، بل يؤسس أيضاً لعلاقات استراتيجية طويلة الأمد، لأن التوقعات تشير إلى أن آسيا ستلعب دوراً ريادياً في القرن الواحد والعشرين، علماً أن الثقافة العربية مكون أساسي في الثقافات الآسيوية منذ أقدم العصور، والثقافة العربية اليوم مدعوة إلى الحوار الإيجابي مع الثقافة الآسيوية من موقع الندية للتخلص من تبعيتها المزمنة للثقافات الغربية. 

ودعا المنتدون إلى ضرورة تكثيف الدول العربية لجهودها الرامية لتطوير العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية خلال المرحلة الراهنة التي تبدو أكثر إلحاحاً من أجل التقليل من التأثيرات السلبية التي يُمكِن أن تحدثها التغيرات السياسية الراهنة في أمريكا اللاتينية (التحول إلى اليمين) على العلاقات مع الدول العربية، كما دعوا إلى الدخول في شراكات مع التحالفات والمنتديات التي تنخرط فيها بعض الدول اللاتينية المؤثرة وبخاصة البرازيل في إطار مجموعة البريكس والإبسا.

الإخوة والأخوات،

نؤكد بأن توصياتكم وخلاصات أفكاركم سترفع للقيادات العربية الرسمية والشعبية جميعاً، وسنستثمر انعقاد القمة العربية القادمة في الأردن لتبني وتفعيل بعض هذه التوصيات، خاصةً إن تحولت إلى مبادرة مُحْكمة ومتكاملة ومقنعة بجهودكم وحواراتكم، وهو ما نسعى له مع عدد من الزملاء الخبراء في هذا المجال من الحاضرين بيننا خلال الأيام القادمة.

ختاماً، نشكركم ونشكر كل من أسهم في نجاح الندوة من الباحثين ورؤساء الجلسات والمشاركين في الافتتاح والمناقشين، والإعلاميين، ولا يفوتنا أن نشكر طاقم المركز والفريق العامل معه الذي بذل جهداً كبيراً يستحق كل الاحترام والتقدير لإنجاح الندوة.

أعلى الصفحة


صور من الندوة

أعلى الصفحة


جائزة البحث العلمي

 

المؤسسة الأردنيـة

للبحوث والمعلومات

 

مجلـة دراســات

شـرق أوسطيــة

 

الندوات والمؤتمرات

حلقــات نقاشيـة

المحاضرات

الحفل السنوي للمركز

من إصداراتنا

المصالحـة الفلسطينيـة 2011

ما بعد التوقيع

 

مستقبل وسيناريوهات الصراع العربي- الإسرائيلي

معركـــة غزة ... تحول استراتيجي في المواجهة مع إسرائيل

احتمالات اندلاع الحرب في منطقة الشرق الأوسط 2010/2011

دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس

العلاقات التركية- الإسرائيلية وتأثيرها على المنطقة العربية

 


حق عودة اللاجئين الفلسطينيين بين النظرية والتطبيق

إسرائيل ومستقبلها حتى عام2015م
تداعيات حصار غزة وفتح معبر رفح

اتجاهات التحول في توازن القوى السياسية والاجتماعية في الديمقراطية الأردنيةة


نحو توافق فلسطيني لتحريم الاقتتال الداخلي

 

 

 

 

 

 

 

Designed by Computer & Internet Department in MESC.Latest update   16- تشرين ثاني - 2016