الرئيسية نبذة عن المركز اصداراتنا عروض خاصة للإتصال بنا

English

 

كلمة الدكتور سليم الحص
                                  رئيس الوزراء اللبناني الأسبق
                    
عوده للصفحة

          إنني من المصرّين على ضرورة إيلاء الأولوية في قضية فلسطين للإنسـان نظراً لغير اعتبار . فقضية فلسطين هي أولاً وآخراً قضية إنسان سلب حقه في حريته وكرامته كما حقّه في أرضه . وكان هذا في واقع الحال سبيل العدو الصهيوني إلى إرساء قضية اليهود في العالم ومطالبتهم بوطن قومي في فلسطين،أي بالتركيز في الاستراتيجية الصهيونية عالمياً على كون اليهود شعباً مشرّداً لا وطن له . فصُوِّر زوراً أن فلسطين هي وطنه السليب وعاصمته القدس .
          إن الإنسان هو الذي يعاني تداعيات قضية فلسطين ، والإنسان عمره محدود ، مما يبرر تقديم قضية الإنسان على أي اعتبار آخر . أما الأرض ، فعلى أهميتها ،  فباقية ولا بد من استعادتها مهما طال الزمن . وقد بات من المسلمات أن التركيز على الأرض تستغله إسرائيل بلؤمها ودهائها لتجعل من قضية المصير مجرّد قضية حدود ، وقضية فلسطين في جوهرها قضية مصير لأمة قبل أن تكون قضية بقعة من الأرض ، على قدسية هذه الأرض .
          ثم إن التركيز على الوجه الإنساني للقضية إنما يتمثّل في المطالبة بتطبيق القرار 194 الصادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة منذ أكثر من نصف القرن ، مع إعادة تأكيده سنوياً بقرارات من الهيئة العامة ردحاً طويلاً من الزمن قبل أن يُصار إلى تهميشه تحت ضغط الصهيونية العالمية فيتناساه أو يتجاهله المجتمع الدولي ، مع التنبيه في كل الأوقات أن القرار 194 صادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة وليس عن مجلس الأمن .  ويراد لنا أن نصدّق أن لا قيمة لقرار من الهيئة العامة كما لقرار من مجلس الأمن ، علماً بأن قرارات الهيئة العامة تستمد قيمتها المتميّزة من كونها ثمرة توافق أو إجماع  دولي ، وعلة قرارات مجلس الأمن هي في كونها نتاجاً للعبة دولية أسيادها الدول ذات العضوية الدائمة في مجلـس الأمن ، وهي خمس ، المتحكم الأكبر فيها الولايات المتحدة الأميركية ، فإذا تم يوماً تنفيذ القرار 194 بعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين ، وبينهم نحو أربعمائة ألف من المقيمين في لبـنان، فإن إسرائيل ستفقد عملياً مبرر وجودها القائم مبدئياً على الصفاء العنصري . فإما أن تكون كياناً يهودياً أو لا تكون .
        من هنا ، فإن قضية اللاجئين ليست هي الوجه الإنساني الساطع في القضية الفلسطينية فحسب وإنما هي أيضاً ، عبر المطالبة بعودتهم إلى ديارهم ، السلاح الأمضى في يد العرب في صراعهم مع العدو الصهيوني .
          فهذه الاعتبارات جميعاً تدعو إلى تقديم أولويـة الوجه الإنساني في قضية فلسطين على أي اعتبار آخر . وقضية الأسرى والمعتقلين هي من صلب هذا الوجه الإنســاني للقضية .
        بأي حق أو منطق يزج بمن ينادي بالحرية لقومه في غياهب السجون لسنوات وســنوات ولا من يسأل أو يحاسب ؟أين هي حقوق الإنسان التي يتشدّق بها الغرب ويضعها في مقدم القيم الحضارية في العصر الحديث ؟
          ثم إنّ تركيزنا على الوجه الإنساني للقضية العربية يحدونا إلى رفض كل أعمال التفجير التي لا تُميِّز بين مُسلّح وأعزَل ولا تُوفِّر الأبرِياء من المدنيين بصرف النظر عن هويّتهم أو انتمائهم . إن استهداف المدنيين الأبرِياء أتاح للعدو ، وهو الإرهابي بامتِياز، أن يُصوِّر للناس أن المقاومة والإرهاب سيّان .
          إلى كل ذلك لا بد لنا من التأكيد على ضرورة الحرص على مبدأ تلازم المسارات الفلسطيني واللبناني والسوري في أية محادثات للتسوية قد تُجرى مستقبلاً. فلا قِبل للسوري أو اللبناني أن يسير الفلسطيني في طريقه منفرداً فيوقع على تسوية مع العدو الإسرائيلي من دونهما، ففي تلك الحال لن يتورع العدو الصهيوني عن إهمال كل الحقوق اللبنانية والسورية وإهدارها. ولا قِبل للفلسطيني في المقابل أن يسير اللبناني أو السوري ، لا قدّر الله ، في طريقهما فيوقعا على تسوية مع العدو من دون الفلسطيني ، ففي تلك الحال لن يتردد العدو الإسرائيلي في إهدار الحقوق الفلسطينية الحيوية ، وبذلك يكون اللبناني والسوري قد تنكّرا لأي فضل لشعبيهما في النضال من أجل قضية فلسطين عبر أكثر من نصف القرن ، وكأن هذا النضال لم يكن . من هنا القول بحتمية تلازم المسارات الفلسطيني واللبناني والسوري في أية محادثات للتسوية قد تُجرى مستقبلاً. وإن لم يكن تلازم ، فتنسيق وثيق في أضعف الإيمان.
          ولا غلو في القول إن تلازم المـارات هو من تلازم المصائر . ونحن من الذين يعتقدون أن الانتفاضة المباركة في الأرض المحتلة ، في فلسطين ، كانت ستواجه ظروفاً أصعب وأعتـى مما واجهت لو كانت الجبهتان اللبنانية والسورية قد سلكتا طريق التسوية على غرار ما كان على الجبهتين المصرية والأردنية . بعبارة أخرى ، كان صمود لبنان وسوريا حتى اليوم من مقومات صمود الجبهة الفلسطينية ، وهذا ما لا يجوز قومياً إنكاره أو التقليل من شأنه .
          ونحن نتحدّث عن التسوية ولا نتحدّث عما يسمى سلاماً . فالسلام لا يتحقق إلاّ برضا الشعوب واقتناعها . أما التسوية فتكون بإنهاء حال الحرب المسلّحة . والصراع قد يستمر سلمياً لأجيال وأجيال بعد انتهاء الحرب المسلحة حتى إنجاز الحقوق القومية المشـروعة وفي مقدمها عودة اللاجئين ، كل اللاجئين ، إلى ديارهم في فلسـطين، كل فلسطين . ولـنذكر أن اتفـاق كامـب دايفـيد مـع مصـر ، كما اتـفـاق وادي عـربـة مـع الأردن ، لـم يرتقِيا إلى مستوى السلام ، بدليل عدم تطبيع العلاقات بالمعنى الحقيقي للكلمة ، فلا الإسرائيليون يتجولون أحراراً في شوارع القاهرة أو عمّان ، ولا المنتجات الإسرائيلية قيد التداول في الأسواق المصرية أو الأردنية ، وما زالت إسرائيل هي العدو في الخطاب الإعلامي كما في الأدبيات السياسية .
          ويجب أن لا يُستهان بفعالية استمرار الصراع غير المسلّح بعد إنهاء حال الحرب ، فالهند تحررت بفعل المقاومة السلمية بقيادة المهاتما غاندي ، وتحرر الأفارقة في جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا بفعل الكفاح غير المسلح . فالمقاومة السلمية المدنية قد تتخذ شكل التظاهرات الشعبية والإضرابات والاعتصامات والعصيان المدني والحملات الإعلامية والسياسية وسائر مبادرات التوعية والتعبئة ، ومن أكثر الوسائل فاعلية استمرار لا بل تصعيد المقاطعة وسد كل أبواب التطبيع ومنافذه على شتى الصعد : السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياحية  والثقافية . ويبقى السؤال الكبير: أين للعرب غانديهم أو مانديلاهم؟
       إذا كان لنا أن نتكهّن بمسار الصراع العربي الإسرائيلي المُرتقب عبر العقد القادم ، فإننا نجيز لأنفسنا رسم المحطات والتوجّهات الآتية :
          - من جهة ، نحن لا نسقط من الحساب أن تسير السلطة الفلسطينية وسوريا ولبنان ودول عربية أخرى في طريق التسوية فتُوَقِّع مع الدولة العبرية على صك بإنهاء الحرب معها أسوة بمصر والأردن ، وذلك تحت ضغط المجتمع الدولي ، لا سيما الدولة العظمى أميركا ، بدعوى نشر ألوية السلام في المنطقة ، وكذلك تحت وطأة تشرذم القوى العربية ووهن جامعة الدول العربية ، وبفعل ضياع الموقف العربي على صعيد الرأي العام فيما الإنسان العربي غارق في يمِّ من الهموم ، وقد علّمتنا التجارب أن الإنسان ، في حال واجه مشكلة وقضية ، فإن المشكلة مُرشّحة لأن تطغى في نفسه على القضية . لا تَسَلْ أُمّاً تبحث عن قوت لطفلها الجائع كيف تحرر القدس ، فجوابها سيكون هاتِ خبزاً لطفلي . وهذه حال قِطاع واسِع من المجتمع العربي في غمرة معضلات الفقر والجهل والتخلّف .
          من جهة ثانية ، ليس من المستبعد أن تعمد دول عربية من خارج إطار الطوق المحيط بفلسطين إلى التهافُت على الانفتاح على الكيان الصهيوني في شكل أو آخر ، وبعضها شرعت منذ اليوم في سلوك هذا السبيل رضوخاً لإرادة دولية عليا أو اسـترضاء لها أو تحقيقاً لمكاسب آنية رخيصة . وبعضها تتنطّح إلى دور الوسيط المُحايِد بين أخٍ مَظلوم وعَدوٍ ظالِم .
          من جهة ثالثة ، نحن على يقين من أن التسويات لن تفضي إلى سلام حقيقي في الأفق المنظور إلى أن تتأمّن عودة اللاجئين ، كل اللاجئين ، إلى ديارهم في فلسطين ، كل فلسطين ، وستكون المقاومة السلمية هي سمة المرحلة المقبلة بكل أشكالها وعلى أوسع نِطاق .
        هذا مع العلم أن المقاومة الفعّالة تقتضي وعياً ونضجاً على الصعيد الشعبي على امتداد الوطن العربي أجمع ، وهذا يفترض تنمية الحيـاة الديمـقراطـيـة في المجتمعات العـربـية كافـة ، إذ من دونها لن تكون أمام الشـعب العربي فرصة حقيقية للتعبير عن إرادته الحُرّة . مِن هُنا نرى تلازماً وثيقاً بين آفاق استمرار النضال القومي لتحرير فلسطين وبين آفاق تطور نظام الحريات والديمقراطية في العالم العربي .
          إننا نعتبر النضال في سـبيل التنمية الديمقراطيـة فـي المجتمع العربي جهداً رافداً أو متمماً للنضال القومي من أجل التحرير ، لا بل هو جزء لا يتجزأ من هذا النضال . الرِهان يبقى مَعقوداً على صَحوَة شعبية عربية مَقرونَة ببروز قِيادة عربية استثنائية .

لأعلى الصفحة  عوده للصفحة

المؤتمر في سطور

برنامج المؤتمر

المتحدثون

كلمات الافتتاح

ملخصات الأوراق

 المؤتمر في الإعلام

أخبار المؤتمر

إعلان المؤتمر

 الكلمة الختامية

التقرير الختامي

خارطة موقع المؤتمر

صور المؤتمر

الداعمون

Designed by Computer & Internet Div.