رؤيتنا للمتغيرات

نشـاطـاتنا

إصـداراتنـا

وثـائـــق

دراســـات

خدمات مجانية

الدورات التدريبية

الشؤون الإسرائيلية

أحدث إصدارات 2010

التسـويـة السيـاسيـة

 التحديات والآفاق

الوطــــن البديـــل آفاق التطبيق وسبل المواجهة

القرن الإفريقي وشرق إفريقيا

الواقع والمستقبل

رسالة أوباما التصالحية والمطلوب عربيا

الفاتيكان والعرب، تحديات وآفاق في ضوء زيارة البابا للمنطقة

التداعيات القانونية والسياسية لانتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني

السياسات العربية في التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي حتى عام 2015م

الأزمة المالية الدولية وانعكاساتها

 

رؤى إسرائيلية استراتيجية حول حــرب لبنـان الثانيـة تموز/ يوليو 2006
إعداد وحدة الدراسات الإسرائيلية

لتحميل الملف كاملا بصيغة Pdf اضغط هنا

المحتويـات

أولاً: الداخل الإسرائيلي

- سياسة حكومة إسرائيل وأهداف الحرب - يهودا بن مئير

- الجبهة الداخلية الإسرائيلية كعامل مركزي في المواجهة مع حزب الله- مئير إلران

- تصورات واختبارها: حرب لبنان بوصفها محكاً - زاكي شلوم

ثانياُ: المقاومة اللبنانية

- المواجهة مع حزب الله، المواجهة مع حماس وما بينهما - مارك هيلر

- آية الله، حزب الله، وحسن نصر الله: إيران لاعب رئيس - أفرايم كام   

- الأزمة في لبنان: تلخيص مرحلي - تسفي شتاوبر

- غموض في تحديد المنتصر في المواجهة الراهنة - يورام شفايتزر

- حزب الله في يوم ما بعد: حرب توعية - يورام شفاتيزر

ثالثاً: الداخل اللبناني

- الصراع الطائفي في لبنان ومكانة حزب الله المستقبلية - أيمن منصور

رابعاً: العالم العربي

- ردود فعل في العالم العربي: غموض الخطوط التقليدية - إميلي لانداو

خامساً: الولايات المتحدة

- الولايات المتحدة نحو إجراء معقد - روني بيرت

سادساً: التوازن العسكري

- الردع وحدوده - يئير عفرون

- العودة إلى أرض الواقع: حول بعض قيود القوة الجوية في حرب لبنان - نوعام     أوفير

- السلاح الصاروخي في الحرب: هل من الأفضل تطوير وسائل لاعتراض القذائف الصاروخية؟ - يفتاح شفير

سابعاً: الدبلوماسية الدولية

- استراتيجية جديدة لشرق أوسط مختلف - أوري باريوسف

- حرب إلى هنا دبلوماسية متخلفة أو دبلوماسية الآن - روني بيرت

- هل المطلوب تغيير اتجاه في مواقف إسرائيل إزاء لبنان - زاكي شلوم

- تسويات محتملة لإنهاء الحرب في الشمال - شلومو بروم

ثامناً: دروس الحرب

- دروس الحرب– ضرورة تشكيل حلف دفاعي إقليمي - زاكي شلوم

·        أبرز ملامح التصورات الاستراتيجية الإسرائيلية لحرب لبنان تموز/ يوليو 200

·        ملحق تراجم الكتّاب

·        العناوين العبرية للدراسات


المـقـدمــة

تناولت وسائل الإعلام ومعاهد الدراسات الإسرائيلية حرب لبنان الثانية تموز/يوليو 2006 على صعيد واسع، وعالجتها من مختلف الجهات، ومن الإصدارت والتقارير ما يركز على الأحداث، ومنها ما يمكن اعتباره رؤى استراتيجية، (حيث يعتبر مصطلح "استراتيجية" من المصطلحات العسكرية التي تعني استخدام الوسائل المختلفة لتحقيق الأهداف، وهي تمثّل إطاراً موجِّهاً لأساليب العمل ودليلاً مرشداً لحركته)، وتعبّر هذه الرؤى نوعاً ما عن الجدل الذي دار في الداخل الإسرائيلي أيام حرب تموز/يوليو حول القضايا الأساسية التي تم طرحها آنذاك، وهي مجموعة من أهم أوراق السياسات العبرية التي أصدرها مركز يافي للدراسات الاستراتيجية في شهر آب/ أغسطس 2006، ويعد هذا المركز من أهم مراكز الدراسات الاستراتيجية في إسرائيل، وقد تأسس عام 1977 تحت اسم "معهد الدراسات الاستراتيجية" بناءً على مبادرةٍ من جامعة تل أبيب، وفي عام 1983 أطلق عليه اسمه الحالي، ويتكون أعضاؤه من باحثين إسرائيليين وآخرين أجانب، يتم تعيينهم هم ومدير المركز من قبل رئيس جامعة تل أبيب، ويموّل المركز ميزانيته السنوية بشكلٍ أساسي من من الفوائد السنوية التي تتحصل من صندوق المنح المؤسس من قبل جمعية أصدقاء الأمريكيين في جامعة تل أبيب، والتي مصدرها الأساسي تبرعات الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، ومن أهم إصداراته بالإضافة إلى الأبحاث والنشرات، التقرير السنوي لميزان القوى العسكري في الشرق الأوسط Middle East Military Balance))[1]، ونظراً لما تمثّله هذه التحليلات من تناولٍٍ لوجهات نظرٍ هامة طرحها باحثون إسرائيليون في فترة الحرب، ارتأى مركز دراسات الشرق الأوسط ترجمتها وتقديمها للقارئ العربي بهدف إغناء مخزونه الفكري في مجال التخطيط الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي في حالة الحرب، ولكي يثري الحوار العربي الداخلي حول جدوى المواجهة وتداعياتها على الكيان الإسرائيلي كنموذج من نماذج التعامل مع عدوانية وتوسعية المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وكذلك لتبيين حيثيات واعتبارات الجانب الإسرائيلي في تفكيره الاستراتيجي. 


ملخـص تنفيـذي لأهم نتائج التحليلات

نورد فيما يلي ملخصات مركزة لأبرز ما تناولته الرؤى الاستراتيجية التسعة عشر.

أولاً: الداخل الإسرائيلي

سياسة حكومة إسرائيل وأهداف الحرب

يهودا بن مئير

لقد تفاجأت الحكومة الإسرائيلية الجديدة بهذه الحرب؛ خاصة وأن الثلاثي الذي يقودها على الصعيد الأمني والخارجي هو الآخر جديد في هذه المناصب، لذلك فهي تعتبر تحدياً كبيراً لها، وقد فوجئ الكثيرون ومن بينهم حسن نصر الله بالتصرف السريع والحاسم للحكومة، الذي كانت مدركة لأبعاده وآثاره، إن حقيقة اتخاذ القرار وتنفيذه طيلة الوقت، قد حقق أهداف الحرب المتمثلة في تحطيم حزب الله، واستعادة عنصر الردع الإسرائيلي، وتغيير الواقع في لبنان، ومن أهم القرارات الاستراتيجية التي اتخذتها الحكومة في بداية الحرب؛ أولاً عدم إقحام سوريا في المواجهة، وقصرها على حزب الله وداخل الأراضي اللبنانية فقط، وثانياً التركيز على القيام بهجمات جوية والامتناع قدر الإمكان عن أي نشاط بري في جنوب لبنان.

الجبهة الداخلية الإسرائيلية كعامل مركزي في المواجهة مع حزب الله

مئير إلران

إن الجبهة الداخلية المدنية تشكل عاملاً مركزياً على صعيد المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحزب الله، لقد نجح حزب الله في تطبيق المفهوم القتالي القائم على فرضية أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية هي الحلقة المكشوفة والأضعف ضمن الإطار العام الإسرائيلي، ومن هنا فإن زعزعتها أو كسرها من شأنه أن يرجّح كفة حزب الله، على الرغم من تفوق إسرائيل عسكرياً، يجب على حكومة إسرائيل أن تقوي الجبهة الداخلية، والواضح أن القاعدة الضرورية لذلك هي وجود إنجازاتٍ عسكرية، ومواكبتها بفرصٍ فعلية لتسويةٍ سياسيةٍ مناسبة، تولد أملاً في الهدوء على المدى الطويل على الحدود الشمالية، كما أن هناك ضرورةً لبذل جهدين قوميين متوازيين؛ عسكريٍ بقيادة جيش الدفاع، وآخر بإدارة جهةٍ رسميةٍ رفيعة المستوى، تكون مسؤولةً عن إدارة النظام الداخلي لتقوية الجبهة الداخلية، وتعمل على التحسين الفوري لنظام الدفاع المدني بما في ذلك الوسط العربي، وتعزيز وتقوية النظام الاجتماعي النفسي في البلدات المتضررة، وتنفيذ خططٍ اقتصادية محددة للمتضررين في الدوائر والقطاعات المختلفة، بما في ذلك إيجاد تسويةٍ أو ترتيبٍ قانوني لتعويض المتضررين، بالإضافة إلى العمل على تقوية الأنظمة الخاصة بالسلطات المحلية التي تقوم عليها الخدمات السكانية.

تصورات واختبارها: حرب لبنان بوصفها محكاً

زاكي شلوم

لقد كشفت حرب لبنان الراهنة عن العديد من المفاهيم والتصورات لدى الزعامة السياسية والمجتمع الإسرائيلي، لا شك أن لهذه المفاهيم معانٍ كبيرة، أو تأثيراً كبيراً على الإدارة الاستراتيجية لدولة إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة بشكل عام، وأثناء الحرب الراهنة بشكل خاص، وبالتالي فإنه من الأهمية بمكان، دراسة واختبار آثارها ضمن رؤيةٍ انتقادية من أجل الوقوف على نقاط الضعف، والأخطار التي تنطوي عليها، وتجدر الإشارة هنا إلى أن قسماً من هذه المفاهيم تواكب دولة إسرائيل في مسيرتها، وقد كُشفت قبل ذلك من خلال مواجهاتٍ عسكريةٍ مختلفة خاضتها إسرائيل مع أعدائها.

ثانياً: المقاومة اللبنانية

المواجهة مع حزب الله، المواجهة مع حماس وما بينهما

مارك هيلر

إن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الأزمة على الحدود الشمالية لدولة إسرائيل وبين التصعيد الأخير في العنف الإسرائيلي – الفلسطيني؛ حيث أن الشرارة التي أضرمت النار في كلتا الحالتين، كانت قتل عدد من الجنود الإسرائيليين واختطاف آخرين من قبل جهات إسلامية لا تعتبر دولة (حماس وحزب الله)، وفي كلتا الحالتين سبق أن واكب الهجمات وحوادث الاختطاف، عملية إطلاقٍ لقذائف صاروخية صوب إسرائيل، من جهة أخرى فإن عملية كل طرفٍ – لا يعدّ دولة-  قد أحدثت أصداءً إيجابية لدى جمهوره، وعلى الرغم من هذا كله فإننا إن تعمقنا في دراسة الحالتين باستفاضة أكثر فإن الربط يتآكل بينهما؛ فالفارق الأول يكمن في هوية الفاعلين، فإذا كان حزب الله يبدو وكأنه جسم منضبط جداً وذو إطار واحد، فإن حماس لا تظهر عليها علامات التبلور التنظيمي إلى تلك الدرجة، والفارق الثاني هو أن التدخل الدولي يُعدّ ضمانةً أكبر لحماس مما هو لحزب الله.

آية الله، حزب الله، حسن نصر الله: إيران لاعب رئيس

أفرايم كام

إن قيادة حزب الله تربطها علاقاتٌ مباشرةٌ ومتواصلة بقادة النظام الإيراني، كما تُجري باستمرار مشاوراتٍ معها حول القضايا الأساسية ومنها العسكرية، إضافةً إلى تنسيق الحزب لخطواته مع إيران، وبناءً على ذلك نجد أنه لولا الدعم العسكري الإيراني لحزب الله لما كان بإمكان الحزب استفزاز إسرائيل، ورغم هذا كله فإنه لا مجال لاعتبار عملية اختطاف الجنديين -التي أدت إلى التدهور الحالي في لبنان- محصلةً لمبادرةٍ من النظام الإيراني، حتى أنها تبدي علامات قلقٍ من تعقيد الأزمة واستمرارها، إن المكسب الوحيد الذي حققته إيران في هذه المرحلة من الأزمة الراهنة هو صرف النظر عن الملف النووي الإيراني، ولكن لمدةٍ زمنيةٍ محدودة على ما يبدو، غير أنها قد تخرج متضررةً من ناحيةٍ أخرى، حيث أن حزب الله قد يخرج جراء هذه المعركة ضعيفاً على الساحة السياسية اللبنانية، إن ضرب إسرائيل لأهدافٍ إيرانية في لبنان -لا سيما تلك التي لها علاقة بالحرس الثوري- هو أمر مشروع ضمن إطار القتال مع حزب الله، أما ضرب أهدافٍ إيرانية داخل إيران، فهو خطأ كبير؛ لأن ضرب أهدافٍ في إيران على غرار ضرب أهدافٍ في سوريا، لن تدفع هذين النظامين إلى تقليص علاقاتهما مع حزب الله، عدا عن أنهما يملكان القدرة على الرد على إسرائيل، إذن ففي الوقت الذي تدرس فيه إسرائيل كيفية إنهاء المعركة بنجاحٍ في لبنان، لا ينبغي عليها فتح جبهةٍ أخرى مع إيران أو سوريا.

الأزمة في لبنان: تلخيص مرحلي

تسفي شتاوبر

إن التطورات في منطقتنا تخضع لمجموعة من المتغيرات منها؛ طموحات الهيمنة الإيرانية والصحوة الشيعية، وغياب عراق صدام حسين الذي شكل عائقاً في وجه المآرب الإيرانية في التغلغل إلى منطقة الشرق العربي، والضائقة الكبرى التي يمر بها العالم العربي بالإضافة إلى غياب زعماء قادرين على إنشاء تحالفات والقيام بتحركات كبرى، وفقدان الدول السيادية لقوتها لصالح جهات محلية، وإنه لمن السابق لأوانه القيام بعملية تحديد ميزان الربح والخسارة في هذه المواجهة؛ لأن أي نتيجة أو إنجاز ستكون له أثار متتابعة على سلسلة طويلة من القضايا الجانبية الأخرى، بيد أنه من الممكن استنتاج بعض النتائج المرحلية.

غموض تحديد المنتصر في المواجهة مع حرب العصابات و"الإرهاب"

يورام شفايتزر

إن المواجهات الدائرة بين دولة وتنظيم عصابات تشكل تحدياً صعباً ومعقداً، وبالتحديد للدول الديمقراطية جراء القيود والضوابط التي تفرضها هذه الدول على نفسها في نضالها ضدّ هذه الجماعات، بطريقة تحول بينها وبين تفعيل كامل قدراتها ضد تلك التنظيمات، كماان هذه التنظيمات تتميز بأنها تلقى الرعاية في دول فاشلة، وهي محمية نسبياً وتخضع لسيطرتها المطلقة، أي أنها هي التي تحدد لنفسها، بل وتملي أجندتها على الدولة المضيفة لها فعلياً، وتوفر لنفسها الحماية والدعاية لها داخل البلدات المدنية، عدا عن استخدامها للمباني السكنية كأماكن لتخزين الوسائل القتالية، وعلى صعيد آخر فإن الميزة الكبرى لها هي استغلال هذه المنظمات للحساسية الخاصة بحياة المدنيين من قبل الدول الديمقراطية التي تقاتل ضدها، مما يجعل موضوع تحديد النتصر في مثل هذه النزاعات أمراً في غاية التعقيد.

حزب الله في يوم ما بعد: حرب عصابات و"إرهاب" وحرب توعية

يورام شفايتزر

إن محاولة تقييم أوضاع حزب الله بعد انتهاء المعارك، ترتبط إلى حد كبير بنتائج الحملة التي تخوضها إسرائيل ضدّ الحزب وهي ليست معروفة بعد، وعلى الرغم من هذا القيد فإن من الممكن اليوم الإشارة إلى عدد من الأهداف المحورية المعدودة التي سعى قادة حزب الله إلى تحقيقها على المدى القصير على الأقل؛ حيث يمكن القول إن شخصية نصر الله ومكانته بعد الحرب، سيكون لها تأثير كبير على أسلوب سلوك حزب الله مستقبلاً، ومن المتوقع أن يتطلع نصر الله إلى زعامة لبنان مستقبلاً، على الصعيد العسكري التقليدي وحرب العصابات، يمكن أن تتوقع أن يعمل حزب الله بكل قوته لتقليص أضرار الحرب، بل أن يضطر إلى التخلي عن مواقعه في جنوب لبنان، وقد يحاول استخدام المناورة في ظل الضغوط الممارسة عليه، لكي يبقي على مكانته كقوة عسكرية مستقلة، كما سيحاول أيضاً المماطلة في أي عملية تهدف إلى تجريده الفوري من سلاحه، وفي حال محافظته على مكانته الخاصة كمليشيا مسلحة وحيدة في لبنان، فإنه سيطمح بطبيعة الحال إلى التزود من جديد بدعم من سوريا وإيران بأسلحة استراتيجية، كما ويمكن لحزب الله أن يبدأ بالعمل خارج لبنان ضد أهداف إسرائيلية.

ثالثاً: الداخل اللبناني

الصراع الطائفي في لبنان ومكانة حزب الله المستقبلية

أيمن منصور

إن الفوارق في هوية الطوائف اللبنانية وتعارض المصالح الهائل بينها، سوف يزداد ويتعقد أكثر جراء الأزمة الداخلية اللبنانية، بل ربما ينزلق لبنان نحو أزمةٍ داخليةٍ تتسم بالعنف، كما أن هوية رجال حزب الله تنطوي أو تدمج في ثناياها هويةً طائفيةً مشبعةً بالحماسة الدينية، مما يدفع التيارات والأطراف الأخرى إلى التعاون ضد حزب الله.

إن حزب الله اليوم يخوض صراعاً لا هوادة فيه إزاء حقيقة وجوده، كما أن خشيته الرئيسة ليست من إسرائيل، حيث يعتقد قادة الحزب أن إسرائيل عاجزةٌ عن القضاء على حزب الله، وهذا المفهوم يقوم على الاعتراف بأن الحزب يعتمد على دوافع عقائديةٍ دينية أكثر مما يعتمد على بنيةٍ تحتيةٍ طبيعية يمكن القضاء عليها، وإنما تتأتى مخاوف حزب الله من الساحة الداخلية والأوصياء الخارجيين للتيارات المختلفة كافة، من هنا فإن حزب الله يوجه قسماً كبيراً من حملته الدعائية إلى الداخل، ويعرض نفسه على أنه القوة الرئيسة لحماية لبنان، بينما يواجه أعداؤه الداخليون صراعاً ليس بالسهل.

رابعاً: العالم العربي

ردود فعل في العالم العربي: غموض الخطوط التقليدية

إميلي لانداو

إن أحد الجوانب المهمة في الحرب بين حزب الله وإسرائيل، يتعلق بمواقف الدول العربية حيال التطورات الراهنة، إن مواقف الدول الثلاث (مصر والأردن والسعودية) حيال هذه القضية تنطوي على أهميةٍ بالغة، كما تعكس استعداداً من جانبها للخروج بشكل واضحٍ وعلني من القالب المألوف والمندد آلياً لإسرائيل، كلما خاضت حرباً مع أي جهة عربية كانت، وبالتالي فإنها تكشف النقاب عن خلافاتٍ حول قضيةٍ كان من السهل إيجاد إجماعٍ واسعٍ بشأنها، إضافة إلى أن مثل هذه التصريحات تشكل تحدياً لمواقف متجذرة بقوة لدى الجمهور العربي، كما أنها تُظهر الفجوات بين الحكومات ومواطنيها، فإن الموقف الذي تعبر عنه الدول الثلاث تجاه حزب الله ينطوي على أهميةٍ كبيرة، ويحمل في طياته طاقاتٍ من شأنها أن تشكل قاعدةً لتعزيز الأصوات المعتدلة في الشرق الأوسط، لكن علينا التأكيد على القضايا المشتركة فيما بيننا وبين هذه الدول، وذلك عن طريق العمل بحكمة، وعدم التضييق على الأنظمة العربية التي تتبنى مواقف غير شعبية، لذلك فمن غير المحبذ أن نجعلها في وضعية الاختيار بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وبين المصلحة العربية من جهة أخرى.

خامساً: الولايات المتحدة

الولايات المتحدة نحو إجراء معقد

روني بيرت

إن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله ليس ناجماً فقط عن الدعم الرئيسي للنظام في إسرائيل؛ إذ أن الأزمة في لبنان من وجهة نظر الولايات المتحدة يتم النظر إليها قبل كل شيء ضمن سياق الجهدين الرئيسيين في سياستها اللذين يرتبط الواحد منهما بالآخر وهما: مكافحة الإرهاب، وضمّ إيران، لأنها ترى في حزب الله تنظيماً إرهابياً وأداةً بيد إيران، وقد بدا أنه مع تسارع العملية الدبلوماسية أخذ الجانب المنطقي في الموقف الأمريكي بالتراجع، وذلك لأن الإدارة الأمريكية كانت تعقد الآمال على أمرين اثنين: أولهما؛ أن تزداد قوة الحكومة اللبنانية مع الزمن وأن يضعف حزب الله جراء عدم وجود عسكري سوري، ثانياً؛ أن يصبح حزب الله أكثر مرونة واعتدالاً بعد مشاركته في حكومة ديمقراطية، على الولايات المتحدة أن تقوم بعملٍ مضنٍ وذكي، من أجل إيجاد المزيج الصحيح من الإغراءات والضغوط التي تجعل حكومة لبنان تقبل بالتسوية الدولية المتبلورة، إلا أن الإدارة الأمريكية معنية أيضاً بصمود حكومة لبنان، بل تتعزز على حساب حزب الله، ولكن هناك على ما يبدو شكاً في نجاح مثل هذه الخطوة قبل القيام بتصعيد عسكري كبير.

سادساً: التوازن العسكري

الردع وحدوده

يئير عفرون

الردع عمليةٌ مركبة جداً، وتنطوي بالدرجة الأولى على أساس التهديد بتفعيل القوة في سبيل منع حدوث أمرٍ ما، أو قد يتم استخدامها كعقوبة بهدف منع العدو من القيام بإجراءٍ عنيف، وعملية الردع لها أكثر من نوع أو شكل ومنه؛ الردع المتبادل بين دولتين باستخدام خليط من الأساليب، وقد يكون بين دول إقليمية، أو ضد تنظيمات لا تعد دولة، ومن حيث حجم التوازن الردعي يمكن تقسيم الردع إلى قسمين ردع شامل، وردع مصغر ويقتصر على التوازن في جوانب محددة من الصراع، إن معادلة الردع بين إسرائيل وحزب الله تنطوي على توازنٍ شبه رادعٍ متبادل، ولأجل صيانة توازن الردع المميز إزاء حزب الله، فإنه ربما كان يكفي القيام بردٍ عسكريٍ كثيف، ولكن خلال مدةٍ زمنيةٍ محدودة، ويمكن القول إن الرد الإسرائيلي الضخم في لبنان، يؤكد مدى العقوبة التي تستطيع إسرائيل إنزالها بالجهات العاملة ضدّها، لكن الردع أصلاً لا يشكّل أساس إدارة وحلّ النزاعات، وإنما هو استراتيجيةٌ واحدةٌ ضمن عددٍ كبيرٍ من الاستراتيجيات التي تهدف إلى استقرار نظام العلاقات النزاعية، وفي كثيرٍ من الحالات ينجح الردع لمدةٍ زمنيةٍ محدودة فقط، كما أنه لا يحلّ محلّ التسويات السياسية، وإنما تكمن وظيفته في العمل على استقرار وتثبيت العلاقات العسكرية في حالات النزاع، وتقديم الدعم لتسويةٍ سياسيةٍ في حال وصولها.

العودة إلى أرض الواقع: حول بعض قيود القوة الجوية في حرب لبنان

نوعام أوفير

ينبغي الاعتراف بحقيقة أن القوة الجوية ليست حلاً سحرياً، ومع أن قدراتها أكثر بكثير مما كانت عليه في الماضي، إلا أن هناك أموراً من الصعب على سلاح الجو القيام بها بشكلٍ مرضي. ومع أن الاستخدام الذكي للطائرات والمروحيات المقاتلة والأسلحة الموجهة بدقة، إلى جانب نظامٍ استخباري وقيادةٍ وسيطرةٍ مساندة، تساعد في تحقيق إنجازات لا يُستهان بها على صعيد ضرب أهدافٍ استراتيجية، كمراكز القيادة، وقواعد الجيش وأهداف البنى التحتية، فإن القوة الجوية تجد صعوبة في تحقيق النجاح، حتى مع ما تُوصف بأنها أهدافٌ قصيرة المدى وذات زمن ظهورٍ قصير أيضاً، والمقصود بذلك الأهداف المتحركة التي لا تظهر ميدانياً، والقادرة على القيام بمهماتها والحفاظ على وضعية خفية نسبياً ومغادرة المكان بسرعة، ومن الأمثلة على ذلك؛ نظام صواريخ أرض‑ جو المتحركة، وكذلك القذائف الصاروخية أرض- أرض، وصواريخ أرض-أرض، من جهة أخرى سلاح الجو هو السلاح الثاني في العالم، إن سلاح الجو الإسرائيلي لم يخيّب الآمال في حرب لبنان الراهنة، فقد فعل ما يستطيع فعله.

السلاح الصاروخي أثناء الحرب: هل من الأفضل تطوير وسائل لاعتراض القذائف الصاروخية؟

يفتاح شبير

لقد اتضح أن استخدام السلاح الصاروخي ضدّ أهدافٍ مدنية في إسرائيل، كان الأمر الأبرز إبّان الحرب الراهنة؛ إذ تم إطلاق القذائف من قبل حزب الله صوب المستوطنات في شمال إسرائيل، وهنا يشار إلى أن حركة حماس هي الأخرى تستخدم أسلحةً متخلفةً وبدائية جداً تُطلقها من قطاع غزة باتجاه المستوطنات القريبة من قطاع غزة، وهذه المقالة هي عبارةٌ عن دراسة لطبيعة وميزات القذائف الصاروخية وطبيعة تفعيلها والانعكاسات الناجمة عن استخدامها، والأمل في تطوير وسائل مضادة أخرى لاعتراضها.

سابعاً: الدبلوماسية الدولية

استراتيجية جديدة لشرق أوسط مختلف

أوري باريوسف

إِن المواجهة مع حزب الله هي من نوعٍ جديدٍ جداً، وذلك وفقاً للكثير من المقاييس مثل: طبيعية الخصم، والعلاقات التبادلية بينه وبين الدولة المستضيفة له والدول الداعمة له، ونوع القتال، واستخدام الوسائل القتالية، وعلاقات الجبهة، والجبهة الداخلية، ومدة المعركة، وتأثير وسائل الإعلام على المعنويات الوطنية، وعلى طريقة إدارة حرب جيش الدفاع الإسرائيلي (وربما حزب الله أيضاً)، وأمور أخرى ايضاً، ولكن على المستوى الأساسي يبدو أن هذه المواجهة تعكس تغييراً دراماتيكياً في أفق التهديدات، وفي فرص إسرائيل في المنطقة، إذ تخوض إسرائيل لأول مرة حرباً ضد جهة تمثل إلى حد ما إيران، كما أن المواجهة الراهنة من شأنها أن تظهر أنها خطٌ فاصلٌ في تاريخ الصراع العربي -الإسرائيلي، إلى جانب أنها عمليةٌ متواصلة من تآكل قدرة ودافع الدول العربية على تشكيل تهديدٍ وجودي لإسرائيل، كما أنها تلقي بظلالها على زيادة معدل تطوير إيران لقدرتها النووية منذ أكثر من عقد من الزمن، وينبغي على إسرائيل أن تبذل قصارى جهودها بما في ذلك أن تبدي استعداداً لدفع أثمان ولو كانت باهظة للفلسطينيين ولسوريا، وإنهاء الصراع مع العالم العربي، لأن إيجاد نظام تحالفاتٍ غير رسمية مع الأطراف الوسط في المنطقة من شأنه أن يشكل دوراً كبيراً في وقف إيران، هذه الاستراتيجية تبدو لنا أنها الاستراتيجية الأكثر أماناً بالنسبة لإسرائيل لمواجهة الخطر الذي يتهددها.

حرب إلى هنا دبلوماسية متخلفة أو دبلوماسية الآن

روني بيرت

كان ينبغي على النظام في إسرائيل أن يهتم بالزمن السياسي قبل بدء العملية، لا بعد قيامها، وهناك مجموعة من الأمور التي لم نقم بها أو التي فعلناه متأخرين يجب ذكرها؛ حيث لم تطرح إسرائيل اقتراحاً لوقف إطلاق النار، كما أنها لم تستجب لمبادرات حول هذا الموضوع، وقبل بدء الهجمات والغارات لم يوجّه أي خطاب رسمي لرئيس حكومة لبنان، لتحمل المسؤولية، ولم يتم تقديم شكوى لمجلس الأمن، كان ينبغي على وزارة الخارجية أن تعدّ خطةً جاهزةً في الدُرج حول كيفية العمل والتحرك في حال اندلاع حوادث محلية أو عامة في الشمال، والأهم من هذا كان يجب على وزيرة الخارجية أن تطلب وبإصرار عدم الرد الفوري بهجوم عسكري، باستثناء نشاط محدد في إطار محاولة لعزل منطقة اختطاف الجنديين، كان ينبغي على إسرائيل التوجه إلى حكومة لبنان ومجلس الأمن والمطالبة بالتدخل الفاعل وتحديد ذلك بمدة زمنية محددة فور الشروع في العملية العسكرية، إن أمراً من هذا النوع ما كان ليسلب من إسرائيل الوقت المطلوب لعمليةٍ عسكرية، لأن معارضة حزب الله ولبنان كانت ستحول دون اتخاذ قرارٍ أو تطبيقه، إن المسار الدبلوماسي مهملٌ من جانب حكومة إسرائيل، جراء غياب التفكير والحساب المنظم، نحن الآن في وضعية نادرة، حيث نحظى بالدعم والتأييد الدبلوماسي الذي لا سابقة له، ولكن بدلاً من استغلاله واستثماره، فإننا نعمل على إغفاله وتجاهله، ونحن بذلك نظهر وكأننا فاشلون أخلاقياً على الصعيد الإنساني، بل إننا بذلك نمس بصورتنا.

هل المطلوب تغيير اتجاه في مواقف إسرائيل إزاء لبنان

زاكي شلوم

بعد ثلاثة أسابيع من  الحرب في لبنان وصلنا إلى مرحلةٍ تلزمنا بالتفكير حول ضرورة إحداث تغيير في اتجاه المواقف الإسرائيلية على الصعيدين السياسي والإعلامي، لأنه تبين أن دولة إسرائيل وقوتها الأمنية غير قادرتين على إحداث حسمٍ استراتيجي في هذه المعركة، لذلك ينبغي التأكيد على التغيير في التعامل السياسي والإعلامي حيال لبنان، بدل التركيز على العامل العسكري الذي يجعل من لبنان بنكاً لأهداف جيش الدفاع الإسرائيلي، بحيث يكون هناك تمييزٌ واضح بين البعد السياسي والإعلامي وبين البعد العملي.

تسويات محتملة لإنهاء الحرب في الشمال

شلومو بروم

لا يمكن لإسرائيل أن تحسم حربها في لبنان عسكرياً فقط؛ لأنها تواجه تنظيماً يعد "شبه دولة"، لذلك يجب السير قدماً في تسوياتٍ سياسيةٍ أيضاً، ولكي يكون بالإمكان ترجمة الوضع العسكري إلى تسوياتٍ تؤدي إلى استقرار الوضع على الحدود الإسرائيلية –اللبنانية هناك ضرورةٌ للمشاركة في فعالياتٍ سياسيةٍ دبلوماسيةٍ تضمّ إسرائيل، ولبنان، والدول العربية، والأسرة الدولية، وتشكيل تحالف دولي واسع للضغط على حزب الله وإيران، من جهة أخرى فإن إخراج الحلقة السورية من هذا المحور، سيساهم إلى حدٍّ كبيرٍ في إبطال عناصره الأخرى، ولكن كلما كانت التسويات التي ترغب بها إسرائيل أكثر طموحاً، كان تحقيقها أصعب ضمن هذا الإطار والزمن المطلوب، ومن الأفضل لإسرائيل أن يطبق القرار (1701) بما فيه انتشار الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية على طول الحدود معها، لكن القوات الدولية عاجزةٌ وتفتقر إلى المصداقية ومشكوكٌ في قدرتها لأسبابٍ عدّة، لكنها قد تدعم عن طريق وسائل متعددة من بينها مشاركة قوات عربية فيها مما سيجعلها تتمتع بالشرعية.

ثامناً: دروس الحرب

دروس الحرب– ضرورة تشكيل حلف دفاعي إقليمي

زاكي شلوم

إن ناصرية الخمسينات قد تمّ استبدالها الآن بـ "الإسلام المتطرف"، كما حلّ محلّ مصر في هذه الحقبة من الزمن إيران، وحلّ محلّ عبد الناصر أحمدي نجاد، إلا أنه ضمن أي مقارنة يمكن القول بأن التهديد الحالي من جانب إيران و"الإسلام المتطرف" الذي يواجه الأسرة الدولية بشكلٍ عام، والشرق الأوسط بشكلٍ خاص، يفوق الخطر الناصري إبّان أعوام الخمسينات بأضعافٍ مضاعفة، لذلك ينبغي التوجه نحو تشكيل تحالفٍ دفاعي إقليمي واسع، بالتعاون مع الدول الغربية الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة ويضم الدول التالية: إسرائيل، وتركيا، والسعودية، ومصر، والأردن، ودول الخليج، والولايات المتحدة، وبريطانيا، لكن مع الانتباه إلى ضرورة عدم جعله حلفاً رسمياً، بحيث أن لا توقع أي وثيقة تشير إلى وجوده؛ وذلك لسببٍ بسيط هو أن أطراف التحالف غير قادرةٍ على التعايش معاً ضمن حلف رسمي، إذ أن معظم هذه الدول ستفضل تعاوناً عسكرياً استراتيجياً وثيقاً بعيداً عن الأضواء.


القراءة الإسرائيلية لحركة المتغيرات في الحرب

لقد مضى على آخر حربٍ خاضتها إسرائيل ما يقارب ربع قرن من الزمن، وها هي رحى الأيام تدور وتندفع بالأحداث نحو حربٍ أخرى، كشفت الكثير من الأوراق التي غابت عن أذهاننا لأكثر من خمسة وعشرين عاماً، وجددت ما كان عالقاً في ذاكرتنا عن الجيش الذي لا يُقهر، أعادت ترتيب موازين القوى في المنطقة إلى حدٍ ما، وساهمت في إحياء معسكر المقاومة الذي شهد ضموراً في فترة التسعينات وأوائل القرن الحالي لصالح معسكر السلام، وتالياً فيما يلي نقدّم بعض الرؤى الاستراتيجية التي نسجها باحثون إسرائيليون لإنقاذ إسرائيل من معركتها الجديدة.

أولاًُ: الداخل الإسرائيلي

سياسة حكومة إسرائيل وأهداف الحرب

يهودا بن مئير

الشروع في الحرب

يمكن القول أن الحكومة الإسرائيلية قد تفاجأت بهذه الحرب، إذ أنها حكومة جديدة ليس ضمن المعنى الدلالي اللفظي فقط، فلقد تشكلت هذه الحكومة بشكل قانوني بعد إجراء انتخابات عامة، إلا أن الأمر يتعلق بنظام جديد بشكل جوهري جداً، عدا عن أن الثلاثي الذي يقود الحكومة على الصعيد الأمني والخارجي هو الآخر جديد في هذه المناصب، فرئيس الحكومة مواطن يفتقر كلياً إلى الخدمة العسكرية، ومع أنه عمل في ثلاث حكومات سابقة، كما أنه عمل خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة قائماً بأعمال رئيس الحكومة، غير أنه لم يكن مشاركاً في إدارة أي نشاطات أمنية حتى الآن، أما وزير  الدفاع فهو سياسي لا خبرة له على الإطلاق في المجال الأمني أو السياسي، كما أنه لم يكن وزيراً في يوم من الأيام، ولم يكن عضواً في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، ووزيرة الخارجية هي أيضاً جديدة إلى حد ما، فلم تكن في الماضي مشاركة في هذا المجال بصورة عميقة.

هناك من يعتقد أن ما قصده حزب الله بعملية اختطافه للجنديين والتي جاءت بعد فترة قصيرة من عملية حماس في منطقة كيرم شلوم، هو تحدٍ للحكومة الجديدة، واختبار لمدى قدرتها على اتخاذ القرار والتحرك هي وقادتها، وذلك على غرار النمط السوفيتي، حيث كانوا في موسكو يختبرون كل رئيس أمريكي جديد.

وسواء أكان الأمر بهذه الطريقة أو تلك، فإنني أشك أن عملية حزب الله صبيحة الثاني عشر من تموز، بعد مرور أسبوعين على اختطاف الجندي في كيرم شلوم، حيث صوحبت العمليتان بإطلاق القذائف صوب الأراضي الإسرائيلية، قد وضعت الحكومة الجديدة والثلاثي فيها أمام تحدٍ واختبار خطير جداً.

لقد فوجئ الكثيرون وبشكل خاص (حسن نصر الله) على ما بدا من تحرك الحكومة السريع والحازم، حيث أعلن رئيس الحكومة صبيحة اليوم الذي اختطف فيه الجنديان عن عقد جلسة خاصة للحكومة في نفس المساء، مما يشير إلى أنه كان قد عقد العزم على الشروع في عملية عسكرية واسعة النطاق ضد حزب الله منذ الساعات الأولى لذلك اليوم، وبالفعل صادقت الحكومة خلال تلك الجلسة بالإجماع على اقتراح رئيس الحكومة ووزير الدفاع القاضي بالشروع في مواجهة مباشرة مع حزب الله على طول لبنان وعرضه، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المهم في قرار الحكومة ذاك، هو أنها كانت مدركة لأبعادها ووزنها، أي أنها كانت تعلم أن عملية كهذه ستؤدي إلى توجيه ضربة قاسية جداً للبنية التحتية المدنية في لبنان، كما ستؤثر على الأبعاد الدولية المرتبطة بذلك، ومن جهة أخرى فقد تعرض عملية كهذه جميع المناطق الدولية الشمالية حتى حيفا إلى قصف متواصل وعنيف بآلاف صواريخ الكاتيوشا والصواريخ الأخرى، وسيكون لها أبعاد داخلية إسرائيلية ناجمة عنها، مما يجعلنا نقول أن حقيقة اتخاذ القرار وتنفيذه طيلة الوقت، قد حقق أهداف الحرب بما في ذلك إعادة عنصر الردع لإسرائيل.

أهداف الحرب

إن تحديد أو تعريف أهداف الحرب أمر ليس بالسهل، فالسياسيون كما هي عادتهم قد حددوا أهدافاً عامة ثلاثة للحرب، وهي تحطيم حزب الله، واستعادة عنصر الردع الإسرائيلي، وتغيير الواقع في لبنان، وتجدر الإشارة هنا إلى أن صياغة هذه الأهداف قد تمت بصورة عامة جداً وليست محددة، فعلى الرغم من أن هدف استعادة عنصر الردع الإسرائيلي قد تحقق إلى حد كبير، إلاّ أنه ليس واضحاً أبداً إن كان بالإمكان تحقيق الهدفين الآخرين، إضافة إلى وجود أهداف مميزة أخرى ومحددة، سيشكل مدى تحقيقها أو عدمه اختباراً على مدى نجاح العملية العسكرية، وهذه الأهداف هي:

أ‌-        إعادة الجنديين الإسرائيليين المخطوفين دون ربط الأمر بالإفراج عن سجناء فلسطينيين.

ب‌-    إلحاق الضرر بقدرة حزب الله العسكرية بشكل جدي، من خلال تدمير جزء كبير من الوسائل القتالية لديه لا سيما الصاروخية منها، إضافة إلى إلحاق أضرار كبيرة قدر الإمكان بمقاتليه، وبقيادة الحزب العليا بالدرجة الأولى.

ت‌-    إضعاف مكانة حزب الله في لبنان خاصة، وفي العالم العربي عامة، جراء المس بقدرته العسكرية وبرموزه وصورته.

ث‌-    إبعاد حزب الله عن الحدود مع إسرائيل، وتوجه جيش لبنان إلى الجنوب، وبسط السيادة والصلاحية الحكومة اللبنانية المنتخبة على جميع المناطق اللبنانية.

ج‌-     إيجاد جهاز يعمل على تجريد حزب الله من أسحلته الثقيلة الصاروخية، وكذلك الحيلولة دون استئناف تزويد الحزب بوسائل قتالية أخرى من قبل كل من إيران وسوريا.

إن عدداً من هذه الأهداف، مثل المس بقدرات حزب الله العسكرية وإضعاف مكانته، وإبعاده عن حدود إسرائيل، يمكن تحقيقها كاملة أو بشكل جزئي على الأقل بوسائل عسكرية، أما الأهداف الأخرى فيمكن تحقيق بعض منها أو تحقيقها كاملة فقط من خلال تسوية سياسية وبدعم دولي، ويبدو أن حكومة إسرائيل مدركة جداً لهذه الحقيقة، وبالتالي فهي تعمل ضمن هذا الاتجاه.

لقد أوضح رئيس حكومة إسرائيل ووزيري الدفاع والخارجية أن إسرائيل تعمل بالتزامن وبشكل متوازٍ على المسارين العسكري والسياسي، وقد أخذت الإجراءات السياسية زخماً كبيراً خلال زيارة وزيرة خارجية الولايات المتحدة رايس للمنطقة، من جهة أخرى فإن كل تسوية سياسية يتفق عليها ينبغي تثبيتها ضمن قرار جديد لمجلس الأمن، مع مراعاة أن يقوم هذا القرار على العودة للقرار1559، وإنشاء قوة جديدة متعددة الجنسيات تنتشر بجنوب لبنان، تساعد في انتشار الجيش اللبناني وصولاً إلى الحدود مع إسرائيل.

من الصعب تقييم النتائج النهائية للعملية العسكرية خلال هذه المرحلة، ولا شك أن حزب الله قد تلقى ضربة قوية أدت إلى إضعافه، إلا أنه من السابق لأوانه التحدث عن مرحلة حسم عسكرية، فالصورة النهائية منوطة بعوامل كثيرة بعضها مجهول، إضافة إلى إمكانية حدوث تطورات غير متوقعة من شأنها التأثير بشكل كبير على الصورة النهائية للنتيجة، كما أن هذه التطورات قد تكون مفاجأة لحزب الله مثل نجاح إسرائيل في تصفية حسن نصر الله أو شخصيات كبيرة أخرى من قيادات حزب الله، رغم ذلك فإنه يجب ضمن الميزان العام للمعركة، أن نعزو وزناً جدياً للمناعة القومية للشعب الإسرائيلي؛ إذ أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية قد تلقت خلال أسبوعين وحتى الآن، ضربات على نطاق وعمق لم تشهد لها مثيلاً منذ حرب الاستقلال، وبالرغم من ذلك فإن استطلاعات الرأي تشير إلى أن 90% من الجمهور الإسرائيلي يؤيد الحرب، و 85% ينظرون بإيجابية إلى أداء جيش الدفاع، و70% يرون أداء كل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع هو جيد أو جيد جداً.

وكما هو معلوم ومتوقع فإن المعارضة هي الأخرى قد وقفت إلى جانب الحكومة في هذه الحرب، وقدمت لها الدعم الكامل مما يساهم مساهمة كبرى على صعيد عنصر الردع الإسرائيلي.

أما فيما يتعلق بالتسوية السياسية فإنه من الصعب على هذا المسار أيضاً تقدير فرص وتحقيقها خلال هذه المرحلة، إذ ينبغي على كل تسوية سياسية أن تكون مثبتة بقرار من مجلس الأمن، إضافة إلى موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية فيه، وموافقة صامتة من الدول العربية المعتدلة وموافقة حكومة لبنان وإسرائيل بطبيعة الحال، وحكومة لبنان ضمن هذه المعادلة هي الحلقة الأضعف ومن الصعب تقدير موقفها النهائي، عدا عن أن الأمر يتعلق بحكومتين حكومة السنيورة وحكومة لحود.

قرارات حكومية استراتيجية

من المناسب في الختام الإشارة والتحدث عن قرارين استراتيجيين اتخذتهما الحكومة الإسرائيلية عند بداية المعركة، ، أما الثاني فهو التركيز على القيام بهجمات جوية والامتناع قدر الإمكان عن أي نشاط بري في جنوب لبنان، لقد لاقى هذين القرارين الكثير من الجدل، بل هناك من يعترض على الحكمة في القرار الأول والذي تتمسك به الحكومة بإصرار، وهناك من يعتقد أن السبيل الوحيد لتوجيه ضربة قاصمة لحزب الله هو من خلال إبعاد الوصاية السورية عنه، وهذا لن يتم إلا بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، وفي المقابل فإن المؤيدين لموقف الحكومة يقولون: إن عزلة حزب الله وحقيقة عدم وجود طرف عربي أو إسلامي يهب لمساعدته، يشكلان عنصراً هاماً في إضعاف الحزب.

أما فيما يتعلق بالقرار الثاني، فيبدو أن الحكومة ذاتها لم تتمسك به على طول الخط، إذ اتضح بعد انتهاء الأسبوع الأول من الحرب، أن جيش الدفاع عاجز عن تقليص الهجمات الصاروخية والكاتيوشا على الجبهة الداخلية الإسرائيلية بشكل فاعل، وأنه لا مناص من الزج بقوات برية إلى جنوب لبنان، ويشار هنا إلى أن هناك كثيراً من الأصوات قد تعالت منتقدة للحكومة بسبب عدم إصدارها الأوامر للجيش منذ اللحظات الأولى للحرب، والعمل على الاستيلاء على المواقع والتحصينات الحدودية لحزب الله والسيطرة عليها، وتدمير جميع منصات الكاتيوشا في هذه المواقع والقرى.

إننا نشهد في هذه الأيام اتساعاً لنطاق عمليات جيش الدفاع البرية بجنوب لبنان، كما أن هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن حملة واسعة لتجنيد الاحتياط قد بدأت، مما يدل على أننا نترقب زخماً قتالياً برياً في جنوب لبنان.

الجبهة الداخلية الإسرائيلية كعامل مركزي في المواجهة مع حزب الله

مئير إلران

لقد مضى أسبوعان على حرب لبنان الثانية، وها هي الجبهة الداخلية المدنية تشكل عاملاً مركزياً على صعيد المواجهة العسكرية، فبعد سقوط أكثر من ألف صاروخٍ على المناطق الشمالية، بمعدل عشرات الصواريخ في كل يوم منذ الأيام الأولى للقتال، تبدو لنا استراتيجية حزب الله على صعيد المواجهة الراهنة -أي إدارة ذكية لحرب استنزاف مشتركة- تعتمد في أساسها على الاختباء والبقاء في عمق لبنان وجنوبه، من خلال إدارة هجومٍ متواصلٍ ومكثف على شمال دولة إسرائيل، يهدف إلى المس بنظام الحياة المدنية في إسرائيل، وبشكلٍ أساسي بواسطة أسلحة بثّ الرعب، وعرقلة نظام الحياة العادي، حيث طبقت قيادة حزب الله التصور الذي تبنته خلال الأعوام الأخيرة، والقائم على فرضية أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية هي الحلقة المكشوفة والأضعف ضمن الإطار العام الإسرائيلي، ومن هنا فإن زعزعتها أو كسرها من شأنه أن يرجّح كفة حزب الله، على الرغم من تفوق إسرائيل عسكرياً خلال الأسبوعين الأوليين للحرب.

لقد نجح حزب الله في تطبيق هذا المفهوم القتالي لديه، وبذلك تبدت الاستعدادات المتواصلة والسرية التي كان يقوم بها لتأمين كمياتٍ كبيرةٍ من الأسلحة ذات المدى البعيد، على الرغم من تنفيذه عمليات إطلاقٍ شبه متواصلة في ظروفٍ صعبةٍ بالنسبة له، بسبب التفوق الجوي الإسرائيلي المطلق.

إن هذا العدد الهائل من الصواريخ التي تُطلق صوب الجبهة الداخلية الإسرائيلية، إنما تعكس ماهية المواجهة الحالية؛ والتي تفيد بأن الأمر يتعلق بمواجهةٍ عسكرية تُلقي على عاتق الجبهة الداخلية المدنية دوراً مركزياً، يعتمد على التوفيق الحسابي بين الصقور، إذ أن من المستحيل هنا إغفال التماثل الحاصل لدى الجانبين؛ حيث يجد السكان المدنيون في إسرائيل كما هم في لبنان أنفسهم يتعرضون لهجماتٍ متواصلة، بوسائل قتاليةٍ بعيدة المدى، كونهم يُعدّون جهةً من شأنها التعبير عن أزماتها في وجه قياداتها، باتجاه الضغط لتغيير مواقفها السياسية.

إن هذا ليس مكاناً لتحليل مدى حكمة توقعات إسرائيل في تحقيق نجاحٍ ما، في أعقاب الضغط على السكان المدنيين في لبنان -لاسيما الطائفة الشيعية كرافعة تغييرٍ أمام قيادة حزب الله-، إن النتيجة قد تكون عكسية كما هو الأمر في الحالة الفلسطينية؛ حيث يتعاظم تعاطف الجمهور الواسع مع حزب الله، ويزداد الدعم السياسي له، وتتصاعد مشاعر الكراهية لإسرائيل.

من جهة أخرى يمكن القول أن الصورة المرسومة للجبهة الداخلية الإسرائيلية هي صورةٌ في غاية التعقيد؛ فمن جهة تمّ خرق الوضع الطبيعي لدى قسمٍ كبيرٍ من الجبهة الداخلية الإسرائيلية بشكلٍ مطلق، فهناك إصاباتٌ كثيرةٌ في الأنفس والممتلكات إلى جانب الكثير من الأضرار الاقتصادية، لاسيما في الشمال، وقد بدأت تنعكس سلباً على الاقتصاد الوطني كله، كما تفيد التقارير المختلفة بأن عدد الإسرائيليين الذين تركوا منازلهم يتراوح ما بين الثلث والنصف على الأقل وبين الإخلاء شبه الكامل في جزءٍ من البلدات الواقعة في شمال البلاد، وفي بلدات أخرى لاسيما القريبة من خط المواجهة، وفي حالاتٍ كثيرة بقيت في المنازل الجماعات الأكثر فقراً وضعفاً في أوساط السكان، كالشيوخ والسكان غير القادرين على دفع تكاليف السكن المتواصل في أواسط البلاد.

ومن الجدير بالذكر أن هناك فارقاً واضحاً وإشكالياً نجده إذا ما قارنا بين الضواحي الشمالية المهددة والمتضررة، وبين المنطقة الوسطى التي يواصل السكان فيها حياتهم الصيفية كالمعتاد، وعلى الرغم من هذا كله فإن الانطباع العام هو أن الجمهور الإسرائيلي بما في ذلك سكان المناطق الشمالية، لا يزال يظهر قدرةً كبيرةً على الصمود والثبات والإجماع والدعم السياسي الواضح لحكومته ولأهداف الحرب.

من جهة أخرى فقد جاء في استطلاع قامت به قيادة الجبهة الداخلية نشرته مجلة "بمحانيه" بتاريخ 19 يوليو/ تموز أن نسبة 80% من سكان الشمال يعتقدون أنه ينبغي على جيش الدفاع مواصلة العملية العسكرية في لبنان، وفي استطلاعٍ آخر أجراه معهد داحاف بإدارة الدكتورة مينا تسميح نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت بتاريخ 18 يوليو/ تموز جاء أن 86% من الذي سُئلوا قالوا أن عملية جيش الدفاع لها ما يبررها، و 87% راضون عن أداء جيش الدفاع في الحرب، و78% راضون عن أداء رئيس الحكومة، وفي استطلاعٍ لقيادة الجبهة الداخلية أشار 74% من الذين سُئلوا من المناطق الشمالية إلى أنهم يفضلون البقاء في أماكن سكناهم، و65% وصفوا مناعتهم الشخصية بمستوى عالٍ، وفي استطلاعٍ آخر أجراه رافي سميت ونشر في صحيفة غلوبوس بتاريخ 19 يوليو/ تموز قال 85% من الذين سُئلوا -وجميعهم من مناطق شمال الدولة- أنهم يعتقدون أن الجمهور يبدي مستوى عالٍ من الصمود، كما أن ثلثي الذين سُئلوا في مناطق الشمال قالوا أنهم في أمانٍ بموجب هذه المعطيات الجزئية.

وبنتءً على ذلك فإنه لا يزال من السابق لأوانه، بل من الصعب جداً قياس مدى المناعة التي يبديها الجمهور، لاسيما صموده على المدى الطويل، ومن الواضح أن هناك جهوداً مقصودةً من جانب الزعامة المحلية والقيادة الوطنية لخلق صورةٍ إيجابيةٍ للأجواء العامة، كما أن غالبية وسائل الأعلام لاسيما الإلكترونية منها –في هذه المرحلة-  تقدم وتخلق انطباعاً مماثلاً حول صمود وثبات الجمهور ودعمه للحكومة وبالذات جيش الدفاع، وإظهار مشاعر الثقة المتبادلة.

ويمكن الإشارة إلى عدة أسباب خاصة بشعور المناعة الراهن لدى الجمهور الإسرائيلي في وجه الهجوم الصاروخي منها:

1)   الشعور السائد لدى الجمهور بأن الأمر يتعلق بنضالٍ عادلٍ ضدّ عدوٍ لا يتوانى عن القيام بأي شيء، وهو العامل الأكثر أهمية، وهذا يقوم على حقيقة أن إسرائيل قد انسحبت بشكلٍ أحادي من جميع الأراضي اللبنانية، وأن الحرب الراهنة قد بدأت باستفزازٍ مقصودٍ من جانب حزب الله، والذي يُعدّ ممثلاً محضاً "لمثلث الشر" "الإسلامي الأصولي الإرهابي"، ويشار إلى أن استطلاعاً للرأي تم في 24 من يوليو/تموز من قبل موقع "ستار" على الإنترنت، قد عكس وضعيةً صارمةً وقتالية لدى الجمهور، أي أن 73% من الجمهور يؤيدون القيام بعمليةٍ بريةٍ واسعة النطاق في جنوب لبنان، و13% يؤيدون عمليةً بريةً مقلصة، و 14% يؤيدون حصر النشاطات العسكرية الإسرائيلية بالبعد الجوي فقط.

2)   تواجد جيش الدفاع في حالة من القتال الفاعل على جبهةٍ واضحة ضد عدو مُحدد، تثير المشاعر الوطنية لدى الجمهور الإسرائيلي، وميله الطبيعي للتجنّد في إطار ما يوصف اليوم بـ "معانقة الجنود"، وذلك ينعكس بشكلٍ واضحٍ كقاسمٍ مشترك معروف لدى الجمهور الإسرائيلي (أو لدى معظمه على الأقل)، ويضاف إلى ذلك حقيقة أن حكومة إسرائيل تطرح صورةً جليةً وحازمة، تقوم على قاعدة عدم الرضوخ أو الركوع والانحناء من خلال تفعيل قوةٍ عسكريةٍ ضخمة، وهذا أيضاً يقف على مدى الدعم والتأييد لها.

3)      عدد الإصابات في صفوفنا حتى الآن قليل، ومعظم القذائف الصاروخية الموجّهة إلينا لا تلحق أضراراً مباشرة.

4)   هناك شعورٌ سائدٌ الآن يقول: "إن ترك المنزل المعرض للقصف في المناطق الشمالية،  أمرٌ يجد له تفهماً بل ويعد أمراً مشروعاً، وإنه خلافاً للماضي لا يُنظر إلى الذين يغادرون بيوتهم نظرة الفارين، وإنما كمن يمثلون توجّهاً منطقياً"، وقد جاء في استطلاعٍ على موقع الإنترنت MSM شمل أكثر من 1600 شخص، أن 90.5% من الأشخاص يعتقدون أنه ينبغي تفهم مشاعر أولئك الذين يتركون منازلهم في شمال البلاد جراء قصف حزب الله، وقد عبّر عن هذا التوجه بشكلٍ صادق عضو الكنيست البروفيسور شلومو براز نتس – وهو خبيرٌ في حالات التوتر- عندما صرح لصحيفة هآرتس بتاريخ 20 يوليو/ تموز: أنه "ينبغي أن نكون في غاية الحذر عندما نتحدث ونقول إنه يحظر على الأشخاص هناك ترك منازلهم، فإذا كان هناك شخصٌ يسكن في منطقةٍ معرضةٍ للتهديد، وبإمكانه من خلال بذل جهدٍ قليل الانتقال إلى مكان آخر في الجبهة الداخلية أكثر أمناً، فإن هذا يُعد أحد الأمور المنطقية جداً والتي ينبغي عليه القيام بها، ولا يجب أن ينطوي الأمر على أي عقوباتٍ اجتماعية، بل على العكس يجب علينا تشجيعه".

لكن يبدو أن الشعور الحالي الخاص بالمناعة القومية أمرٌ غير موضوعي إلى حدٍ ما، بل مضلل إن لم يكن غير ذلك؛ إذ من شأن هذا الشعور أن يُخلي مكانه بسرعةٍ نسبياً مع تبدّل جزءٍ من الظروف من أزمةٍ وضائقة إلى خيبة أملٍ وإحباط، ومن ثم إلى انتقاداتٍ ومعارضة، وهنا يندمج الجهد العسكري مع الجبهة الداخلية إلى حدٍ كبير، والنجاحات الواضحة على الصعيد الميداني العسكري، وبالتحديد في حال عدم ارتفاع معدل الخسائر بشكلٍ كبير، فإن هذا من شأنه التأثير على قوة المناعة الداخلية وفي غيابها يكون التوجه عكسياً، لاشك أن القيادة الإسرائيلية مدركة جداً لهذه الإشكالية، وبالتالي فإننا بحاجة إلى نجاحاتٍ مرئيةٍ واضحة وسريعة على صعيد القتال، إضافةً إلى ضرورة تخفيض معدل القصف الصاروخي للجبهة الداخلية الإسرائيلية بشكلٍ كبير، ومن هذه الناحية فإن مرور الزمن ليس في صالحنا.

إِن هدف حزب الله هو إثارة حرب استنزافٍ متواصلة، تفرز انعكاسات لدى الجانب الإسرائيلي، وساعة التوقيت بدأت تدق، ربما ليس كما كان عليه الحال في الماضي على الساحة الدولية، حيث تُظهر الولايات المتحدة حتى الآن دعماً واضحاً لإسرائيل، بما في ذلك قضية مواصلة القتال، غير أن هذه الساعة من شأنها أن تدق بقوةٍ أكثر في الساحة الداخلية تحديداً، حيث أصبحنا نلاحظ براعم الإرهاق والضعف والانتقادات والجدل الشعبي، لاسيما لدى الصحافة المكتوبة.

بإمكان حكومة إسرائيل أن تفعل أكثر من ذلك لتقوية الجبهة الداخلية، ومن الواضح أن القاعدة الضرورية لذلك وجود إنجازاتٍ عسكرية، وبالتحديد إذا واكبت هذه الإنجازات فرصاً فعلية لتسويةٍ سياسيةٍ مناسبة، تولد أملاً في الهدوء على المدى الطويل على الحدود الشمالية، إذ أن عبارات التأييد والعواصف والانفعالات إزاء مناعة الجبهة الداخلية لن تكون كافية طيلة الوقت.

وبإمكان الحكومة، بل يجب عليها أن تركز جهوداً مكثفة لمواجهةٍ منظمة للضائقة التي تعاني منها بلدات الشمال، وإلى حدٍ كبير هناك ضرورةٌ لبذل جهدين قوميين متوازيين؛ عسكريٍ بقيادة جيش الدفاع، وآخر بإدارة جهةٍ رسميةٍ رفيعة المستوى، تكون مسؤولةً عن إدارة النظام الداخلي لتقوية الجبهة الداخلية، وضمن إطار هذه الجهود هناك ضرورةٌ لتحسينٍ فوري لنظام الدفاع المدني بما في ذلك الوسط العربي، وتعزيز وتقوية النظام الاجتماعي النفسي في البلدات المتضررة، وتنفيذٍ قريب لخططٍ اقتصاديةٍ محددة للمتضررين في الدوائر والقطاعات المختلفة، بما في ذلك إيجاد تسويةٍ أو ترتيبٍ قانوني لتعويض المتضررين، بالإضافة إلى العمل على تقوية الأنظمة الخاصة بالسلطات المحلية التي تقوم عليها الخدمات السكانية، ولقد برهنت حالاتٌ سابقة على العلاقة المباشرة بين اهتمام النظام بالفرد وبين المناعة العامة، والذي يتبين أنه الآن عنصرٌ حيويٌ جداً للنجاح في المواجهة الراهنة، ومع أن المناعة القومية هي مفهومٌ مجرد، إلا أن الاستثمار في بنائه ينبغي أن يكون فعلياً ومرئياً أيضاً.

تصورات واختبارها: حرب لبنان بوصفها محكاً

زاكي شلوم

مقدمة

لقد كشفت حرب لبنان الراهنة عن العديد من المفاهيم والتصورات لدى الزعامة السياسية والمجتمع الإسرائيلي، ضمن سياق تفعيل القوة المتوفرة لدى دولة إسرائيل ضدّ أعدائها، والأهداف التي سعت إلى تحقيقها بواسطة تفعيل هذه القوة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن قسماً من هذه المفاهيم تواكب دولة إسرائيل في مسيرتها، وقد كُشفت قبل ذلك من خلال مواجهاتٍ عسكريةٍ مختلفة خاضتها إسرائيل مع أعدائها.

لا شك أن لهذه المفاهيم معانٍ كبيرة، أو تأثيراً كبيراً على الإدارة الاستراتيجية لدولة إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة بشكل عام، وأثناء الحرب الراهنة بشكل خاص، وبالتالي فإنه من الأهمية بمكان، دراسة واختبار آثارها ضمن رؤيةٍ انتقادية من أجل الوقوف على نقاط الضعف، والأخطار التي تنطوي عليها، وسأقوم بدراسة ثلاثة مفاهيم مركزية منها:

لا مبرر لأي نشاطٍ حربيٍ تبادر إليه إسرائيل دون استفزازٍ لها، يستغرب الكثيرون مما حدث ويتسألون: كيف سمحت دولة إسرائيل لتنظيمٍ معادٍ مثل حزب الله ببناء مثل هذه القوة العظمى في غضون الأعوام الأخيرة، فالعملية الضخمة والمتواصلة لإطلاق الصواريخ والقذائف الكاتيوشا صوب مناطق شمال إسرائيل، رغم النشاط الجوي والأرضي المتنوع الذي قامت به إسرائيل ضد حزب الله وبنيته التحتية، يشكل دلالةً واضحةً على مدى القوة الهائلة التي تمكّن حزب الله من تكديسها خلال الأعوام الأخيرة، كما اتضح أن إسرائيل كانت بحوزتها معلوماتٌ مفصلةٌ حول تعاظم قوة حزب الله، وامتلاكه أنظمة سلاحٍ استراتيجية وصلت إليه من إيران وسوريا، ورغم هذا كله فقد امتنعت عن المبادرة إلى أي عمليةٍ عسكريةٍ لإحباط مثل هذا التعاظم لقوة حزب الله.

ولم يكتفِ حزب الله بعملية التسلح هذه، بل قام بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في آذار/ مارس 2000، ببناء خطٍ طويلٍ من المواقع المحصنة على امتداد الحدود مع اسرائيل، وعلى مقربةٍ من مواقع جيش الدفاع، ومن خلال خرقٍ سافرٍ لقرارات الأمم المتحدة، وفي هذا الإطار يشار أيضاً إلى أن هذا النشاط الاستفزازي من جانب حزب الله، الذي لم  تواجهه إسرائيل بأي مبادرةٍ عسكريةٍ ضده، تؤدي إلى دفعه بعيداً عن الخط الحدودي معها، يتعارض بشكلٍ مطلقٍ مع تصريحات زعماءٍ إسرائيليين من أعلى المستويات والقائلة: إن أي نشاطٍ استفزازي لإسرائيل من قبل حزب الله بعد الانسحاب من جنوب لبنان، سيجعل إسرائيل تردّ بقوةٍ ضد هذا التنظيم.

إن ردود فعل إسرائيل من وجهة نظر حزب الله على أي عملٍ استفزازيٍ يصدر عنه، كان من الممكن أن يُفسر -وهذا ما حدث بالفعل- على أنه تعبيرٌ عن عدم الرغبة الواضحة لديها في كسر القواعد، كما أن حزب الله يعتقد أيضاً أن إسرائيل ليست راضيةً عن سلوك حزب الله، وبالتالي فإنها ستردّ عليه بالمثل إزاء أي نشاط غير عادي ومعادٍ من جانبه، إضافة إلى ذلك فإنها على استعدادٍ لاحتواء كميةٍ من الضربات في حال عدم تجاوز هذه العمليات لسقفٍٍ عالٍ جداً، وشريطة ألاّ يؤدي الأمر إلى مواجهةٍ شاملةٍ أخرى في لبنان.

من جهة أخرى اعتقد حزب الله أن مأزق حرب لبنان الذي بدأ بالاجتياح عام 1982 لا يزال يلاحق دولة إسرائيل، وأن قادتها سيبذلون كل ما بوسعهم للحيلولة دون الوقوع في وضعٍ مماثل.

إن الرد الخاص بالتساؤلات حول ردود الفعل الإسرائيلية السلبية حيال نشاطات حزب الله، من المستحيل ربطها بغياب معلوماتٍ حول طبيعة نشاط حزب الله المعادي والأخطار الكامنة فيها لدولة إسرائيل، كما أنه ليس من المعقول الافتراض بأن الزمن كان يعمل لمصلحة إسرائيل، وأن بالإمكان تحقيق أهدافها حيال التنظيم دون اللجوء إلى القوة.

أنا أعتقد أن السبب الأساسي في عدم استعداد إسرائيل للقيام بمبادرةٍ حربيةٍ ضد حزب الله، كامنٌ في تقديرها أن مثل هذه الخطوة لن تحظى بشرعية الرأي العام الإسرائيلي، وبطبيعة الحال الرأي العام في الخارج.

وفي نظري أن هذا الاعتقاد والتقدير يستند إلى نظام القيم والمعايير التي ترسخت في المجتمع الإسرائيلي -لاسيما خلال فترة ما بعد حرب لبنان- وأنه بموجب نظام القيم هذه، يحق لإسرائيل المبادرة إلى تنفيذ عمليةٍ ذات صفةٍ حربية، ولكن كردّ فعلٍ على القيام باستفزازٍ لها، وبشكل لا يدعُ أمامها مجالاً سوى الرد بهذه الطريقة.

كما أن ردّها هذا  يكون متناسباً مع الاعتداء عليها، وكما هو معلوم فإن أحد بؤر الانتقادات القاسية لعملية (سلامة الجليل) عام 1982، تركزت على الفترة التي سبقت العملية، حيث ساد الهدوء النسبي على الحدود مع لبنان، وبالتالي فقد تم اعتبار أي عملٍ حربيٍ من جانب إسرائيل بمثابة إجراءٍ يهدف إلى إنهاء هذه الحدود، كما أن هناك انتقاداتٍ مماثلةٍ وجُهت لجيش الدفاع في أعقاب الإحباط الذي واكب عملياتٍ محددةٍ تم القيام بها دون وقوع اعتداءات، والانتقادات الأكثر بروزاً في هذا السياق، هي الانتقادات اللاذعة التي أعقبت تصفية "صالح شحادة" في أواخر تموز/ يوليو 2002؛ حيث احتج المنتقدون بأن هذه العملية قد أدت إلى خرق حالة الهدوء، بل أنها أحبطت اتفاقاً متوقعاً بين المنظمات المسلحة بشأن وفق إطلاق النار مع إسرائيل.

أنا أعتقد -مع أن من الصعب البرهنة على أن هذه المجموعة من الآراء قد ساهمت في إيجاد معيار- جعلت من الصعب على جيش الدفاع ودولة إسرائيل اتخاذ خطواتٍ حربيةٍ مبادرٍ إليها ضد حزب الله خلال الفترة التي كان الحزب يبني خلالها قوته ويعظمها، وأنه الآن فقط وبعد تراكم كمٍ كبيرٍ من العمليات الاستفزازية من قبل حزب الله ضد إسرائيل ومنها؛ اختطاف ثلاثة جنود في الهندسة القتالية في تشرين أول/ أكتوبر 2000، واختطاف إلحنان تننباوم، والقيام بعمليات إطلاق نار أخرى أحياناً تكون قاتلة باتجاه مواقع جيش الدفاع والمستوطنات على طول الحدود الشمالية، إضافةً إلى ما قام به الحزب مؤخراً من اختطاف جنديين وقتل ثمانية آخرين، فقد تبلور على ما يبدو شعورٌ بأن حزب الله قد تمادى في استفزازاته، وأن ما يقوم به يشكّل مبرراً لأي نشاط حربي إسرائيلي.

بعدما انسحبت إسرائيل من لبنان إلى الحدود الدولية، لم يعد هناك مبررٌ لمهاجمة إسرائيل، إن هذا الادعاء نسمعه في التصريحات الرسمية وعلى أعلى المستويات السياسية، لقد كررته إسرائيل مراراً خلال الأعوام السابقة، وصرحت كثيراً أنها التزمت بالتعهدات المتفق عليها كافة، وانسحبت في أيار/ مايو 2000 إلى الحدود الدولية مع لبنان، حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة  قد أقر بذلك، وبالتالي فليس هناك أي مبررٍ للقيام بعملٍ عدائيٍ ضدّها.

لقد انسحبت إسرائيل بالفعل إلى الحدود الدولية مع لبنان، ومع ذلك فإن من المستحيل عدم طرح شكوك إزاء هذه العملية، وهل كان تأكيد هذا القول مراراً يخدم مصالح دولة إسرائيل، فعملية السلام التي انتهت باتفاقات سلامٍ مع مصر والأردن واتفاق أوسلو، قد قامت على مبدأ أساسي يقول: إنه "حتى في حال وجود بعض نقاط الخلاف مع الدول -ومنظمة التحرير- فإنه سيتم حلّها لاحقاً بالطرق السياسية من خلال المفاوضات، وليس من خلال اللجوء إلى القوة"، وهذا يدل أيضاً عدم وجود خلافٍ يبرر استخدام القوة ضد إسرائيل.

أنا أعتقد أن تأكيد انسحاب إسرائيل إلى الحدود الدولية كقاعدةٍ لعدم شرعية مهاجمتها فيه أمر ضبابي، بل يقوّض مفعول المبدأ المذكور سابقاً، عدا عن ذلك فإن التأكيد على انسحاب إسرائيل إلى الحدود الدولية لبرهنة أنه يسلب شرعية الاعتداء عليها، ينطوي على خطرٍ كبيرٍ لإسرائيل؛ إذ من الممكن تفسيره -لا قدّر الله- على أنه استنتاجٌ بإمكانية قيام أعداء إسرائيل بالعمل ضدها في المناطق التي تزال إسرائيل متواجدة فيها، لو لم تنسحب منها إلى الحدود الدولية كالضفة الغربية مثلاً، كما أن هذا من شأنه أن يقزّم بل يفقد إسرائيل أحد الإنجازات الأساسية لخطة الانفصال، كالحصول على اعترافٍ من جانب الولايات المتحدة بحق إسرائيل -ضمن عملية تسوية- في ضمّ مناطقٍ يتواجد فيها استيطانٌ يهوديٌ كبير، وإلحاقها بالسيطرة الإسرائيلية حتى لو تواجدت شرق الخط الأخضر.

من خلال التصريحات الرسمية لحكومة إسرائيل يظهر لنا أنه لا توجد لإسرائيل مواجهة مع لبنان وحكومته ومن يقف على رأسها، مع أن إسرائيل تكرر موقفها الدائم القائل أن حكومة لبنان مسؤولةٌ عن أي نشاطٍ يقع في أراضيها ضد إسرائيل، وهكذا قيل أيضاً أنها مسؤولةٌ عن مصير الأسرى الإسرائيليين وعودتهم بسلام إلى إسرائيل، ولكن بموازاة ذلك هناك تصريحاتٌ متكررةٌ تتحدث عن عدم وجود مواجهةٍ لإسرائيل مع لبنان وحكومته، وأن المواجهة هي مع حزب الله فقط، أنا أعتقد أن من المناسب فحص هذه التصريحات، وفحص ما إذا كانت تخدم بالفعل مصلحة إسرائيل؟ وتجدر الإشارة هنا إلى أن النقاش ضمن هذا السياق لا يتطرق إلى السياسة العملية الإسرائيلية حيال لبنان، بل يتأتى بسبب الاستجابة إلى المطالب الأمريكية التي تدعو إسرائيل إلى عدم المس بالديمقراطية الهشة في لبنان، وهذا يعني تركيز إسرائيل على توجيه الضربة لحزب الله وربما سوريا أيضاً، ولكن دون القيام بعملياتٍ من شأنها زعزعة استقرار النظام في لبنان.

إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا يقضي بمنح لبنان "شهادة تبرئة" على الصعيد الإعلاني؛ إذ أن العمليات الحربية التي ينفذها حزب الله ضد إسرائيل، وتلحق الضرر الكبير بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، تتم من داخل أراضي دولةٍ ذات سيادة، من جهة أخرى فإننا نرى حكومة لبنان لا تبدي استعداداً لتحمل المسؤولية الفعلية إزاء ما يجري في أراضيها، بل أنها غير مستعدةٍ أبداً للتحدث عن أي تحفظٍ بشأن نشاط حزب الله ضد إسرائيل، كما فعل على سبيل المثال وليد جنبلاط، وبطبيعة الحال فإن حكومة لبنان غير مستعدةٍ للقيام بأي خطوةٍ عملية للتضييق على قدرة نشاط حزب الله ضد إسرائيل، مما يجعلنا نقول ضمن هذه الأسباب الواضحة، ما الجدوى التي تحققها إسرائيل في حال إنزال لبنان عن مقعد المتهمين، والتشدق دائماً ببالقول أن لا مواجهة لإسرائيل مع لبنان وحكومته؟ ينبغي علينا على الأقل السكوت في هذه القصة ضمن الظروف القائمة.

أخيراً، في رأيي لقد كشفت حرب لبنان عن عيوب في المفاهيم على صعيد المواقف التي تبنتها حكومة ودولة إسرائيل وتعرضها على الخارج، وإن أحد هذه العيوب يلازم إسرائيل منذ أعوام، وبالتالي فإن من الأهمية بمكان إجراء نقاشٍ عامٍ حول منافع وأضرار هذه المواقف، لأن من شأن هذا الحوار بلورة مفهومٍ منظمٍ لدولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي إزاء هذه الموضوعات الهامة

ثانياً: المقاومة اللبنانية

المواجهة مع حزب الله، المواجهة مع حماس وما بينهما

مارك هيلر

يبدو لنا من النظرة الأولى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الأزمة على الحدود الشمالية لدولة إسرائيل وبين التصعيد الأخير في العنف الإسرائيلي - الفلسطيني.

إن الشرارة التي أضرمت النار في كلتا الحالتين، كانت قتل عدد من الجنود الإسرائيليين واختطاف آخرين من قبل جهات إسلامية لا تعتبر دولة (حماس، حزب الله) المدعومتين من جانب سوريا وإيران، وتسللت عبر الحدود الدولية المعترف بها من مناطق انسحبت منها إسرائيل بشكل أحادي الجانب.

في كلتا الحالتين سبق أن واكب الهجمات وحوادث الاختطاف، عملية إطلاق قذائف صاروخية صوب إسرائيل (قسام من غزة وكاتيوشا من لبنان)، وفي كلتا الحالتين أيضاً أثارت الهجمات وحوادث الاختطاف ردود فعل عسكرية إسرائيلية على نطاق واسع، ليس لضمان الإفراج عن الجنود المختطفين دون أي تنازل في المقابل فقط، وإنما للعمل على إحداث تغيير جوهري في الواقع السياسي على طول الحدود الواردة أعلاه وعبرها أيضاً.

من جهة أخرى فإن عملية كل طرفٍ – لا يعدّ دولة -  قد أحدثت أصداءً إيجابية لدى جمهوره، وفي حقيقة الأمر فإن التفسيرات والتبريرات لعملية حزب الله نُسبت إلى دعم القضية الفلسطينية، كما أكدت بوضوح على وجوب شمول السجناء الفلسطينيين ضمن أي صفقة تبادل تتم لضمان الإفراج عن الجنود الإسرائيليين المختطفين.

هذه الخطوط المتشابهة تفسر لنا إلى حد ما ردود الفعل الإقليمية والدولية في الحالتين؛ فحكومات الدول العربية الهامة -باستثناء حكومة سوريا- قد أعربت صراحة عن خشيتها من مغامرات الجهات أو الجماعات التي لا تعد دولة، والتي تسيطر على أجندات قومية، بل وتستطيع اتخاذ قرارات الحرب والسلم أيضاً.

ويشار إلى أن هناك تسامحاً واضحاً - إن لم يكن مصادقة صريحة - على التصعيد العسكري الإسرائيلي من جانب الأسرة الدولية.

على الرغم من هذا كله فإننا إن تعمقنا في دراسة الحالتين باستفاضة أكثر فإن الربط يتآكل بينهما؛ فالفارق الأول يكمن في هوية الفاعلين، فإذا كان حزب الله يبدو وكأنه جسم منضبط جداً وذو إطار واحد، فإن حماس لا تظهر عليها علامات التبلور التنظيمي إلى تلك الدرجة، حيث لا يوجد هناك هوية مؤكدة للفلسطينيين الذين أشعلوا الأزمة في غزة خلال عملية "كيرم شالوم"، فالبيانات الأولية الصادرة في أعقاب اختطاف الجندي شاليت قد أشارت إلى ثلاث مجموعات نفذت العملية هي: الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب عز الدين القسام)، ولجان المقاومة الشعبية، وكيان آخر غير معروف يُدعى جيش الإسلام، على كل حال أياً كانت هوية الوحدة المنفذة، فإن المجهول الأكبر يتعلق بخضوع الجناح السياسي في حماس وحجم التنسيق معه؛ إذ أنها نفسها مكونة من جناحين: الأول هو الجناح الذي سيطر في أعقاب انتخابات المجلس التشريعي على حكومة السلطة الفلسطينية، والثاني هو جناح الخارج المتمثل في المكتب السياسي المتواجد في دمشق، وعلى رأسه خالد مشعل وموسى أبو مرزوق.

إن رد الفعل الأولي المرتبك إلى حدٍ ما من جانب جناح الداخل أي رئيس الحكومة اسماعيل هنية بل ووزير الخارجية محمود الزهار أيضاً - المعروف بعنفه تجاه مسألة اختطاف الجندي- يشير إلى احتمالية أن تكون العملية قد نفّذت دون موافقتهما، بل حتى دون علمهما المسبق.

وفي المقابل فإن القيادة المتواجدة في دمشق أعربت عن دعمها غير المتحفظ للعملية فور وقوعها، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الجناح العسكري لا يعمل بصورة مستقلة وإنما يخضع لتوجيه سياسي ما، فقد يكون هذا التوجيه يأتي مباشرة من الخارج، لكن وإن كان الأمر كذلك فإنه يعكس وجهات نظر مختلفة، وبالتالي مصالح مختلفة للداخل والخارج.

لقد وعدت حركة حماس منذ توليها السلطة الداخل الفلسطيني إلى مواجهة المطالب المتعلقة بتزويد الجمهور الفلسطيني بشيء ما يرضي الاحتياجات غير العاطفية (المادية) ولا يزول بسرعة، وحتى الآن فإن الحركة غير قادرة على تلبية هذه المطالب، ولا يوجد سبب يجعلها تتوقع تلبيتها، طالما أنها موصوفة "بالإرهاب" وتخضع لحظر إسرائيلي وعقوبات دولية معينة.

من جهة أخرى فإن قيادة حماس في الخارج لا تحتمل مثل هذا العبء وبالتالي فليس لديها أسباب كبيرة للقلق إزاء الأبعاد الخاصة بإفساد سمعتها، كما هو حال حزب الله المنبوذ على الساحة الدولية، وفي أجزاء عدة من العالم العربي السني الذي يواصل الفلسطينيون الانتماء إليه، ولدى القطاعات غير الشيعية في المجتمع اللبناني.

إن هنالك فارقاً آخر له علاقة بالمرآة التي تنعكس فيها الأحداث في لبنان من وجهة نظر القيادة السياسية لحماس، وضمن هذا المفهوم فإن وجهة النظر في غزة ودمشق تلتقي إلى حد ما.

إن التحدي الذي يضعه حزب الله أمام إسرائيل قد ساهم دون شك في رفع مكانة حسن نصر الله في نظر الفلسطينيين؛ إذ سارت مظاهرات التأييد له في المدن الفلسطينية، وأصبحت رايات حزب الله تحتل مكانةً كريمةً، وتم عرض صور حسن نصر الله على نطاق واسع (مع أنها ليست في مكانها) إلى جانب صور عرفات والشيخ أحمد ياسين، وضمن هذا المفهوم فإننا نرى نصر الله يظهر في العام 2006 كزعيم غير فلسطيني يرفع لواء القضية الفلسطينية على غرار صدام حسين عام 1990، وجمال عبد الناصر عام 1956 ومرة أخرى عام 1967، في حين أن الزعماء السياسيين الفلسطينيين الطامحين إلى مثل هذه المكانة، من شأنهم أن يتوقعوا من خلال هذه التطورات نوعاً من تكافؤ الضدّين، فنجاح وانتصار حزب الله في نهاية الأمر خلال المواجهة مع إسرائيل سوف يغطي على دورهم وأهميتهم، بينما إخفاقه وهزيمته مهما كانت سيئة إلاّ أنها ستبقيهم مقبولين ضمن المفاهيم العامة، وبالتحديد الجناح الداخلي الذي سيبقى حراً في مواصلة أجندته اليومية المحلية.

إن وجهة النظر هذه تشير إلى فارقٍ ثالث هو: الأبعاد الخاصة بتدخل دولي محتمل؛ لقد انصب الاهتمام العالمي حتى اندلاع الأزمة اللبنانية على الهجوم الإسرائيلي في غزة ولم يوجّه إلى العراق، كما أن الأضرار التي لحقت بالفلسطينيين قد زادت من مشاعر الدعم والتعاطف معهم ليس في دول عربية فقط، بل في دول أبدت حكوماتها تحفظات إزاء الهجوم الفلسطيني في كيرم شالوم.

من جهة أخرى فإن هذا الأمر بعث أملاً في كبح جماح إسرائيل عبر تعاطف المجتمع الدولي، بل ربما وقف الحملة الإسرائيلية دون الفرض على قيادة حماس أي شروط سياسية غير مقبولة (مثل التزام الحركة بإعادة الجندي الأسير دون مقابل، وإلزام الحركة بوقف مطلق لإطلاق النار)، بل إن هذا الأمر طرح إمكانية تدخلٍ بناءٍ من جانب القيادة السياسية الداخلية لحماس إزاء موضوع الجندي المختطف، والتي ألمحت إلى رغبةٍ ما في هذا الصدد (مع أن هناك شكاً في قدرتها)، وأن تأخذ على عاتقها القيام بذلك، مما يمهد لها الطريق نحو مزيد من الاعتراف الدولي بها، بمعنى أن تكون حكومة حماس شريكاً في الحوار، وتحصل على الدعم الدولي الشرعي، لكن هذه الآمال تلاشت على المدى القريب على الأقل مع اندلاع الأزمة على الجبهة الشمالية، حيث تركزت أنظار العالم كله على لبنان، مما مكن إسرائيل من مواصلة عملياتها العسكرية في غزة ضمن إطارٍ ضئيلٍ جداً من القيود.

من جهة أخرى وعلى الرغم من هذا كله فإن التدخل الدولي يُعدّ ضمانةً أكبر لحماس مما هو لحزب الله؛ إذ أن كل تدخل لحزب الله تقريباً يجد تصدياً من شأنه أن يؤدي إلى تفعيل ديناميكية سلبيةٍ جداً، ولكن هنالك استثناء وحيد هو وقف إطلاق نار مفروض دون شرط، يعيد الوضع الراهن إلى ما كان عليه قبل الهجوم الإسرائيلي، ولكن يبدو أن هذا السيناريو ليس معقولاً في ظل الإدراك للقضايا المطروحة حتى لدى حكومات عربية هامة.

ورغم هذه الفوارق - وضمن مفاهيم معينة وبسببها تحديداً - فإن هناك علاقةً واحدةً هامة تتعلق بنتيجة المواجهة في لبنان التي سيكون لها تداعيات جوهرية على مستقبل حماس تحديداً، وعلى علاقة الفلسطينيين مع إسرائيل بشكل عام.

وفي حال تم إدماج عملية عسكرية إسرائيلية ما مع تدخل خارجي، وديناميكية لبنانية داخلية وتوجيه ذلك كله إلى القضاء على ما يمثله ويعرضه حزب الله، فإن من شأن قدرة الردع الإسرائيلية القوية والاستجابة الإقليمية والدولية للاحتياجات السياسية الفلسطينية أن تؤدي إلى اهتمام أكبر بالفلسطينيين دون استبدال حماس، وإنما القيام ببعض الدعم لتغيير نهجها على الأقل.

إن نصر الله وحزب الله سيجدان صعوبة في الخروج من الأزمة مع إسرائيل دون أضرار، ولكن على خلفية الصيغة التي تفهم فيها القضية في المنطقة، فإن حزب الله يكفيه عدم التعرض لهزيمة مهينة كي يتمكن من الادعاء بتحقيق النصر، والأمل في ذلك لا يبدو قليلاً، إذ أن توقع ازدياد زخم الحوار ومنطق المقاومة هو البديل الأكثر توقعاً، وأي ادعاءٍ حول مرونة اعتدالٍ واقعية من جانب حماس سيحظى غالباً بعدم الثقة، وعلى المدى المنظور فإن الاندفاع نحو نهج حزب الله يتوقع له أن يزداد.

آية الله، حزب الله، حسن نصر الله: إيران لاعب رئيس

أفرايم كام

لا مجال للشك أن هناك تدخلاً إيرانياً عميقاً في نشاط تنظيم حزب الله، فقد أقامت إيران هذا التنظيم، وتعد بمثابة مصدر إلهامٍ أساسيٍ له، بينما تعتبره إيران النموذج الناجح لتصدير الثورة الإسلامية، إن حزب الله مرتبطٌ بإيران كارتباط الطفل بالحبل السُري، إلى جانب وجود علاقاتٍ له مع سوريا؛ فإيران تزود التنظيم بمعظم وسائله القتالية، وعلى رأسها أسس نظامه الصاروخي، إلى جانب الدعم المالي بعشرات ملايين الدولارات سنوياً، كما أن إيران تقوم بتدريب مقاتلي حزب الله في معسكراتٍ على الأراضي الإيرانية وفي لبنان أيضاً، إضافةً إلى وجود وحدةٍ من الحرس الثوري الإيراني في لبنان منذ العام 1982، وهم بمثابة مستشارين عسكريين لحزب الله.

من جهة أخرى فإن قيادة حزب الله تربطها علاقاتٌ مباشرةٌ ومتواصلة بقادة النظام الإيراني، كما تُجري باستمرار مشاوراتٍ معها حول القضايا الأساسية ومنها العسكرية، إضافةً إلى تنسيق الحزب لخطواته مع إيران، وبناءً على ذلك نجد أنه لولا الدعم العسكري الإيراني لحزب الله لما كان بإمكان الحزب استفزاز إسرائيل، ويشار هنا إلى أن إيران لا تعكف على بناء قوة حزب الله العسكرية من أجل تعزيزه في وجه إسرائيل وعلى الساحة اللبنانية فقط، وإنما تهدف لاستخدام قدراته العسكرية وخاصةً نظامه الصاروخي، بغية المس بإسرائيل لاعتباراتٍ خاصةٍ بها إذا ما ارتأت ذلك.

ورغم هذا كله فإنه لا مجال لاعتبار عملية اختطاف الجنديين -التي أدت إلى التدهور الحالي في لبنان- محصلةً لمبادرةٍ من النظام الإيراني، بهدف إبعاد الضغوط الدولية عليها إزاء سعيها للحصول على أسلحةٍ نووية، وعلى الرغم من التقارب والعلاقة القائمة بين إيران وحزب الله فإن الحرب ليس دميةً إيرانية؛ إذ ظهرت في الماضي خلافاتٌ حول عددٍ من القضايا السياسية والتنفيذية، إن لحزب الله نظام اعتباراتٍ خاصٌ به له علاقةٌ بمكانته وبكونه عنصراً هاماً على الساحة اللبنانية، وبخضوعه لتأثير سوريا عليه أيضاً، وبالتالي فإن من الممكن الافتراض بأن ما قام به حزب الله كان بالدرجة الأولى ثمرة قرارٍ اتخذته قيادة الحزب، فلقد كانت هناك أسباب قوية خاصة بحسن نصر الله لتنفيذ عملية اختطاف الجنديين، حيث أعلن مسبقاً منذ أشهر عن رغبته في تنفيذ مثل هذه العملية، بل أنه حاول ذلك في الماضي، كما أن التوقيت الحالي كان مناسباً لذلك من وجهة نظره، حيث أن جيش الدفاع الإسرائيلي كان مشغولاً في حملةٍ كبرى في قطاع غزة، وخلال ذروة موسم الصيف في المناطق الشمالية.

وفي المقابل من الصعب النظر إلى الربح الكبير الذي كان من الممكن أن تحصده إيران من خلال هذه العملية إذا ما كان الرد الإسرائيلي محدوداً كما حدث في الماضي، كما أن الجدوى من تأجيل الانشغال بالملف النووي الإيراني كانت متوقعة، لذلك يمكن الاعتقاد أو الافتراض أن حزب الله قد قام بتنسيق عملية الاختطاف مع إيران بشكلٍ عام على الأقل، ثم باركتها، لكن دون إملاء أي إجراءٍ على حزب الله من قبل إيران.

في غضون ذلك تبدي إيران علامات قلقٍ من تعقيد الأزمة واستمرارها، كما أن تداعيات عملية جيش الدفاع ستكون مرتبطةً إلى حدٍ كبيرٍ بنتائجها، وبالتسوية المستقبلية التي ستحدث ميدانياً، ولكن بالإمكان التقدير من الآن بأنه في حال تحقيق إسرائيل لجزءٍ من أهداف العملية على الأقل، فإن إيران ستخرج متضررةً منها من جوانب عدة؛ إذ أن إسرائيل من خلال هذا الرد تكون قد عززت قدرة الردع لديها إزاء حزب الله، وبعبارةٍ أخرى أكدت إسرائيل على أنه بات من المستحيل الاعتماد على إمكانية فتح جبهةٍ أخرى في لبنان وعلى خشيتها من تفعيل النظام الصاروخي الذي أنشأته إيران لحزب الله.

يمكن القول -حتى هذه اللحظة- أن إطلاق قذائف صاروخية على نطاقٍ واسعٍ جداً قد أدى إلى إلحاق الضرر بسكان الشمال، لكنه لم يحدث تصدعاً في مناعة المجتمع الإسرائيلي، كما أن قسماً كبيراً من ترسانة صواريخ حزب الله قد تآكل جراء عملية جيش الدفاع، وجراء استخدامها، عدا عن أن حزب الله أخذ بالتراجع عن خط الحدود، بل إن هناك أملاً في عدم عودته إلى هذه الحدود أبداًٍ.

هذه الأمور كلها أدت بالدرجة الأولى إلى المس بحزب الله، إضافةً إلى المس بإيران أيضاً، ولقد اعتبرت إيران قوة حزب الله -لا سيما نظامه الصاروخي وانتشاره على الحدود- عنصراً هاماً على صعيد الردع حيال إسرائيل، فعلى سبيل المثال فإن إسرائيل لم تجرؤ حتى الآن على معاقبة إيران إزاء ضلوعها المتزايد في "الإرهاب الفلسطيني واللبناني" خشية أن تقوم إيران بتفعيل صواريخ حزب الله ضد المناطق الشمالية الإسرائيلية، ويشار هنا إلى أن عنصر الردع هذا لن يزول مستقبلاً، ولكن في حال نجحت إسرائيل في الحفاظ على إنجازات العملية العسكرية فسوف يحدث ذلك إشكالاً في الردع الإيراني حيالها، لأن قدرة حزب الله على المس بإسرائيل سوف تتقلص، كما أثبتت عملية جيش الدفاع على أن هناك حدوداًً لقدرة إيران على مساعدة ربيبتها خلال لحظة الاختيار، أي أن إسرائيل قد ألحقت ضرراً كبيراً بحزب الله، واضطرت إيران إلى الوقوف جانباً ودعمه بالتصريحات، ومحاولة نقل إرساليات الأسلحة له.

ليس صدفةً أن يقوم النظام الإيراني بتهديد إسرائيل، والرد عليها بقوة -وفي هذه الأيام تحديداً- في حال مهاجمة سوريا، إلا أنها تمتنع عن توجيه أي تهديدٍ واضح رداً على ما تعرض له حزب الله من أذى، وربما كان ذلك سبباً في إعادة تفكير نصر الله مستقبلاً في مدى اعتماده على دعم إيران أثناء الأزمات.

إن المكسب الوحيد الذي حققته إيران في هذه المرحلة من الأزمة الراهنة هو صرف النظر عن الملف النووي الإيراني، ولكن لمدةٍ زمنيةٍ محدودة على ما يبدو، غير أنها قد تخرج متضررةً من ناحيةٍ أخرى، حيث أن حزب الله قد يخرج جراء هذه المعركة ضعيفاً على الساحة السياسية اللبنانية، والانتقادات الدولية والإقليمية والداخلية اللبنانية قد تطال حزب الله أيضاً، حيث من المتوقع أن يتم اعتبار إيران -أكثر مما كان عليه الحال في السابق- عنصراً مشعلاً للنار في لبنان، مما يوجب ضرورةً للتصدي له من خلال تسويةٍ مستقبلية لمنع اندلاع معارك جديدةٍ في هذه المنطقة.

لكن هل ينبغي على إسرائيل استغلال الفرصة الراهنة وتوجيه ضربةٍ لإيران لردعها وإجبارها على عدم ترميم قوة حزب الله ودفعها إلى تقليص دعمها "للإرهاب الفلسطيني"؟

ينبغي علينا هنا التمييز بين نوعين من العمل؛ حيث يوجد في لبنان أهدافٌ إيرانيةٌ لا سيما تلك التي لها علاقة بالحرس الثوري، والجهود الإيرانية الهادفة إلى تعزيز وتسليح حزب الله، وهذه أهدافٌ مشروعة ضمن إطار القتال مع حزب الله، والذي يُسمح لنا القيام به، ومن الصواب المسّ بهذا النوع من الأهداف طالما هي معروفة، لكننا نشك في اعتراف إيران بضربها كونها تنفي جملةً وتفصيلاً تقديم الدعم العسكري لحزب الله، لكن من المعقول جداً الافتراض بأن تبذل إيران جهوداً جبارة لترميم وإعادة تسليح حزب الله قدر المستطاع في أعقاب الضرر الذي لحق به، وعلى إسرائيل – من جانبها- أن تبذل قصارى جهدها لعرقلة المساعي الإيرانية وذلك بدعمٍ من جهاتٍ دولية.

من جهةٍ أخرى فإنه سيكون من الخطأ استغلال الفرصة وضرب أهدافٍ إيرانية داخل إيران، أي أنه ينبغي على إسرائيل التركيز على تحقيق أهداف العملية في لبنان؛ لأن ضرب أهدافٍ في إيران على غرار ضرب أهدافٍ في سوريا، لن تدفع هذين النظامين إلى تقليص علاقاتهما مع حزب الله، عدا عن أنهما يملكان القدرة على الرد على إسرائيل، وقد يكون ذلك من خلال صواريخ بعيدة المدى مثلاً، إذن ففي الوقت الذي تدرس فيه إسرائيل كيفية إنهاء المعركة بنجاحٍ في لبنان، لا ينبغي عليها فتح جبهةٍ أخرى مع إيران أو سوريا.

الأزمة في لبنان: تلخيص مرحلي

تسفي شتاوبر

إنه لمن الأهمية بمكان مناقشة التطورات المحتملة للمواجهة بين إسرائيل وحزب الله، ومناقشة الأمر فيما لو حدث في ظل إيران ذات القدرة النووية، ترى هل كنّا سنرد كما نرد الآن على اختطاف الجنديين؟ وهل كانت الولايات المتحدة ستطلق لنا العنان في تلك الحرب؟ وغير ذلك. إن الإجابة على هذه الأسئلة تقع في نطاق التخمين في هذه الأيام، إلا أنه قد يكون من الصحيح القول أن ما يحدث على صعيد المواجهة في لبنان هو بالدرجة الأولى لعبة مسبقة  للمواجهة الكبرى القادمة بشكل مباشر أو غير مباشر بين إسرائيل وإيران.

إن التطورات في منطقتنا تخضع لمجموعة من المتغيرات منها:

·        طموحات الهيمنة الإيرانية والصحوة الشيعية.

·        غياب عراق صدام حسين الذي شكل عائقاً في وجه المآرب الإيرانية في التغلغل إلى منطقة الشرق العربي.

·         الضائقة الكبرى التي يمر بها العالم العربي بالإضافة إلى غياب زعماء قادرين على إنشاء تحالفات والقيام بتحركات كبرى.

·     الدولة السيادية تفقد قوتها لصالح لاعبين محليين؛ حيث يبرز في المنطقة التغير في ميزان القوى لصالح الشيعة -الذين تسلموا مقاليد الحكم لأول مرة في العراق- على حساب السيطرة السنية، التي استنفرت في وجه التحدي الشيعي كما ظهر ذلك في ردود فعل السعودية ومصر والأردن.

وإنه لمن السابق لأوانه القيام بعملية تلخيص وتحديد لميزان الربح والخسارة في هذه المواجهة؛ لأن أي نتيجة أو إنجاز ستكون له أثار متتابعة على سلسلة طويلة من القضايا الجانبية الأخرى مثل: المواجهة العامة للتطرف الإسلامي، والقضية الفلسطينية، وقضايا أخرى مثل: الردع، وعملية اتخاذ القرارات في إسرائيل، ومناعة الجبهة الداخلية الإسرائيلية والجانب العسكري في إسرائيل.

ومع ذلك فإن بالإمكان الآن الإشارة إلى بعض الاستنتاجات المرحلية مثل:

‌أ-   المشكلة المركزية في لبنان تكمن في غياب عنوان سلطوي لديه القدرة والاستعداد على فرض سيطرته على كامل لبنان، أي أن الأمر يتعلق بعائق معقد سببه البنية الطائفية والأغلبية الشيعية، كما أنه لا يمكن لأي قوة متعددة الجنسيات أن تشكل بديلاً فعلياً لجهة سلطوية كهذه، وتجدر الإشارة هنا إلى أن خروج السوريين الذين شكلوا رافعة إسرائيلية تقليدية محورية لكبح جماح حزب الله أدى إلى تفاقم المشكلة في لبنان (الأكثر صعوبة)، ولدى الفلسطينيين الذين لا يزالون يشكلون ساحتنا المركزية، إن لإسرائيل مصلحة محضة في إيجاد عنوان كهذا.

‌ب-  في لبنان كما هو في الملعب الفلسطيني تظهر مرة أخرى بوضوح الفجوة ما بين الحلم والواقع السياسي المعقد، مما لا يسمح بانسحاب أو انفصال أو انطواء دون إطار لتسوية ثابتة ذات عنوان وقدرة واستعداد لبسط السيطرة.

‌ج-  إن نصر الله وأفعاله بالنسبة للفلسطينيين يعد بمثابة مشكلة ليس بسبب الحسد أو التنافس لإظهار القدرة على اختطاف الجنود، لكن لدى الفلسطينيين شعور بالغيرة من الاهتمام العالمي بالأزمة اللبنانية، مقارنة مع الاهتمام الذي حظيت به الأزمة الأخيرة في قطاع غزة في أعقاب أسر الجندي غلعاد شاليت، وخصوصاً في خضم الانخفاض التدريجي للأهمية التي تبديها الأسرة الدولية خلال الأعوام الأخيرة حيال المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية، كذلك رؤية الفلسطينيين للتصرف الحر الذي يحظى به جيش الدفاع الإسرائيلي في لبنان.

أما بالنسبة للحرب نفسها:

‌أ-   يبدو أن الأهداف التي حُددت لجيش الدفاع الإسرائيلي مع بداية العملية العسكرية كانت طموحة أكثر مما يلزم، لذلك ظهر لدى قياديي الدولة نوع من المقايسة والمراجعة والصحوة حيال ما يمكن أن تنجزه هذه العملية.

‌ب-  نلاحظ أنه تم في لبنان للمرة الثانية بروز مشكلة الحدود العسكرية لإسرائيل إزاء مواجهة تنظيم عصابات ينجح في الاندماج بالسكان المدنيين ويحظى بدعمهم.

‌ج-  إن القرار الحالي القاضي بعدم إدخال قوات برية كبيرة هو القيد المركزي إزاء إمكانية إنجاز حسم المعركة بجدول زمني قصير، أما القرار الصادر بتجنيد ثلاث تشكيلات احتياط فإنه يحقق بضع أهداف منها:

·        التلويح بسلاح الردع في وجه سوريا

·         زيادة الضغط على حزب الله والحكومة اللبنانية

·         ولأهداف عملية أيضاً إذا اقتضت الظروف ذلك أو سمحت به.

‌د-   يبدو أننا نقترب نحو الإسراع في المعالجة الدبلوماسية التي تهدف إلى وقف إطلاق النار؛ وذلك بسبب مشاهد الدمار في لبنان التي تظهر على شاشات التلفاز العالمية، ومن الواضح أن المس على نطاق واسع بالمدنيين اللبنانيين سوف يعجل بعملية وقف إطلاق النار؛ وهذا يعني أن الوقت الممنوح لجيش الدفاع الإسرائيي أخذ بالنفاد، كما ستزداد الضغوط من أجل وقف إنساني لإطلاق النار على الأقل.

‌ه-   مشكلة قذائف الكاتيوشا والقذائف ذات المدى القصير هي مشكلة من الصعب مواجهتها، كما أن شمال إسرائيل سوف يظل يتلقى ضربات هذه القذائف إلى حين وقف إطلاق النار حتى لو تقلصت وتيرة إطلاق النار.

‌و-   إنه ليس من مصلحة إسرائيل تكرار ما يحدث على الساحة اللبنانية في قطاع غزة، يجب اعتبار ما يحدث هناك إنذاراً لإسرائيل إزاء ما هو قائم من معطيات -هي في إطار التكوين- في قطاع غزة؛ إذ أنه لا توجد لدى إسرائيل إجابات حول بعض أنواع الأسلحة، والثغرات المتعلقة بالرقابة على دخول منطقة غزة، على الرغم من الجهود المبذولة من جانب مصر والأسرة الدولية، وهذا يسمح بتسلل الأسلحة والوسائل القتالية إلى القطاع، ومن خلال النظر إلى المستقبل تبدو لنا ضرورة تسويات وترتيبات الرقابة ونزع الأسلحة في غزة حتى لا يتكرر السيناريو اللبناني.

‌ز-     يتضح لنا مرة أخرى من خلال المعركة الحالية في لبنان أن سلاح الجو والنيران المضادة غير كافية دون قوات برية.

‌ح-  لقد تم خلال الأعوام الأخيرة تطوير إجمالي بنك الأهداف، ويمكن القول أنه قد تم استنفاد الأهداف العسكرية التي حددتها إسرائيل في هذه المعركة، لذلك فإن  الاستخبارات الآن تعتمد على "الصيد الظرفي للأهداف التي تتيحها الفرص".

‌ط-  يمكن القول في جميع الأحوال أن الحرب في لبنان سوف تؤدي إلى إعادة النظر لدى الجيش فيما يتعلق بتقاسم الموارد بين القوات البرية وسلاح الجو.

ومن زاوية أخرى:

أ‌-   حتى في حال نجاح حزب الله وتمكنه من إحراز إنجازات معينة في هذه الحرب؛ فإن الانطباع الواضح هو أن الحرب سوف تزيد من أزمته على الساحة اللبنانية ومضاعفة الانتقادات له حتى من قبل مؤيديه.

ب‌- إن الحرب في لبنان -طالما لم يلحق أذى كبير بحزب الله ولم تتوسع هذه الحرب-فإنها تخدم بشكل عام سوريا وإيران أكثر من غيرهما،  إذ يمكن القول أنها لاحظت القدرات التنفيذية الجوية التي تظهرها إسرائيل، ولا نية لديها في التورط، كما أنه من المناسب إبداء حساسية إزاء توسع الدائرة القتالية والنشاط البري الإسرائيلي في لبنان ووصوله إلى الليطاني؛ لأن من شأنه أن يضع سوريا في مأزق.

لا شك أن حزب الله يتلقى الضربات المتتالية، ولكن من الصعب الجزم بأن الفعاليات المتراكمة لجيش الدفاع الإسرائيلي سوف تدفعه هو ونشطائه نحو أزمة ما، إن هناك انطباعاً مفاده أن فعاليات جيش الدفاع لا تزال لم تفرز عمليات قوية تؤدي إلى حسم ميداني، كما أننا نشكك في ذلك الحسم طالما لم تدخل أرض لبنان قوات برية كبيرة، مع الأخذ بعين الاعتبار الإشكاليات المعروفة المرتبطة بذلك في هذه الظروف:

أ‌-   يجب أن يركز جيش الدفاع جهوده على ضرب رموز حزب الله، وضرب كل شيء يشير إلى أن هذا التنظيم غير قابل للهزيمة عسكرياً؛ لأن ضرب قادة حزب الله من شأنه أن يشكل إعلاناً عن نهاية الحرب.

ب‌- على النشاطات البرية أن تتركز حول محاولة تنظيف مناطق بعمق 5 كم من الحدود؛ لمنع إمكانية وقوع عمليات تسلل أو محاولات اختطاف في المستقبل، كما أن هذا الحزام من الأرض سيكون خاضعاً لسيطرة مواقع قواتنا على الحدود، إن الموضوع الرئيسي خلال هذه المرحلة من الحرب هو إيجاد دافع يؤدي إلى إنهائها، إذ أنه في المواجهة التي تنطوي على أهمية ما للخيال تقريباً -كما هي المواجهة الآن-  قد لا يتم التمكن من توجيه ضربة قاضية لحزب الله، ولكن مع ذلك فإن دخول قوات دولية هامة –وهو الأمر الأقل سوءاً- يتم نشرها إلى جانب الجيش اللبناني على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية، بل وربما بين سوريا ولبنان ينطوي على تطور إيجابي في المنطقة بالنسبة لإسرائيل ويخلق واقعاً جديداً، ولكن هناك أهمية كبرى في أن تكون هذه القوة:

أ‌-       مشكّلةً من القوى الكبرى، وأن تكون تركيبتها وصلاحيتها ذات قوة وفاعلية.

ب‌-   تعمل على قطع قنوات تزويد حزب الله من إيران وسوريا.

ت‌- وضمن هذا السياق ينبغي على إسرائيل أن تتدخل للمشاركة في جهاز الرقابة، حيث أنه حتى لو انطوى أمر دخول قوات دولية بالمشاركة مع جيش لبنان على تطور إيجابي فإنه من الأجدر عدم تعليق آمال مبالغ فيها على هذه القوات، إذ أن الجهة التي ستقوم بنزع حزب الله من سلاحه في القطاع حتى الليطاني ليست واضحة هذا إن كان هناك جهة كهذه –هذا في حال عدم قيام جيش الدفاع الإسرائيلي بذلك- ولقد علمتنا تجربة الماضي أن القوة متعددة الجنسيات لا تفضل المواجهات المسلحة من شأنها أن تؤدي إلى سقوط ضحايا في صفوف قواتها؛ بسبب الضغط الداخلي في الدول التي ترسل هذه القوات، كما أنه من غير الواضح ردة فعلها في مثل هذه الحالة.

ث‌-  سيبقى حزب الله تنظيماً مسلحاً، كما يُعتقد أنه سيواصل جهوده في التسلل إلى مناطق الجنوب، إلاّ أنه ينبغي على إسرائيل -وتحوطاً من مواجهة مستقبلية- إيجاد ظروف تزيد من تفاقم أزمة حزب الله على الساحة الداخلية اللبنانية، كما ينبغي عليها السعي نحو التوصل إلى تسوية واسعة مع لبنان بما في ذلك حل مشكلة مزارع شبعا.

غموض تحديد المنتصر في الصراع ضد تنظيم العصابات و"الإرهاب"

يورام شفايتزر

يمكن القول إن المعركة الدائرة بين حزب الله وإسرائيل في لبنان هي عبارة عن نموذج للمواجهات الحاصلة بين دول ديمقراطية وبين تنظيمات إرهاب وحرب وعصابات، لاسيما تلك الدول الفاشلة التي تأوي مثل هذه المنظمات، ومن المعلوم أن هذه المواجهات تنطوي على ميزات خاصة.

إن مواجهات من هذا النوع تشكل تحدياً صعباً بل ومعقداً أيضاً، وبالتحديد للدول الديمقراطية جراء القيود والضوابط التي تفرضها هذه الدول على نفسها في نضالها ضد هذه الجماعات، بطريقة تحول بينها وبين تفعيل كامل قدراتها، كما تسد الطريق أمام كل الطرق التي تتبعها من أجل إرضاخ خصومها بشكل مطلق، من جهة أخرى فإن هذه الحقيقة تمكن المنظمات التي ليست بدولة من الاكتفاء بالحفاظ على بقائها، والمحافظة على قدراتها ولو لفترة محدودة، وذلك من أجل مواصلة المس بخصومها بشكل متقطع، لكنه مؤلم ومقلق بما فيه الكفاية، كي تستطيع أن تخلق لنفسها صورة المنتصر، رغم أن الضربات التي تلقتها كانت قليلة جداً أكثر من الدولة التي تعمل ضدها.

إن ميزة المنظمات التي ليست بدولة، لاسيما تلك التي تلقى الرعاية في دول فاشلة، ناجمة عن كونها تعمل داخل مناطق مستقلة إلى حد ما، ومحمية نسبياً وتخضع لسيطرتها المطلقة، أي أنها هي التي تحدد لنفسها، بل وتملي أجندتها على الدولة المضيفة لها فعلياً، وذلك  دون أن تتوفر للسلطة المركزية القوة العسكرية أو التصميم السياسي لمواجهتها، كما أن هذه المنظمات تعمل على توفير الحماية والدعاية لها داخل البلدات المدنية، عدا عن استخدامها للمباني السكنية كأماكن لتخزين الوسائل القتالية، وعلى صعيد آخر فإن الميزة الكبرى لها هي استغلال هذه المنظمات للحساسية الخاصة بحياة المدنيين من قبل الدول الديمقراطية التي تقاتل ضدها، في حين أن هدفها الأساسي هو المس قصداً بمواطني دولة الخصم، وبذلك تعفي نفسها من المسؤولية عن إلحاق الضرر بمواطني الدولة التي يتواجدون فيها، عندما يحدث ذلك وبشكل مباشر جراء نشاطات هذه المنظمات، إضافة إلى استغلال مسألة المس بالمدنيين المحبطين - حيال الطبيعة غير الأخلاقية والمناهضة للديمقراطية لدى الخصم الذي يخوض المعركة ضدها – لأغراض دعائية.

لقد عمل حزب الله ضد إسرائيل ضمن هذا المخطط بالضبط، فمنذ انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في أيار عام 2000 ، عكف الحزب على التدريب والتسليح والتحصن بدعم أوصيائه في طهران ودمشق، إضافة إلى ترسيخ قياداته داخل المدن والقرى في جنوب لبنان وداخل بيروت العاصمة والبقاع اللبناني.

من جهة أخرى، قام حزب الله خلال هذه الأعوام بشن العديد من الهجمات المحدودة النطاق على الحدود الشمالية لدولة إسرائيل، والتي حددت إطار المواجهة بين الحزب وإسرائيل.

وفي الثاني عشر من تموز، شن حزب الله هجوماً على قرى شمال إسرائيل، بما في ذلك إطلاق القذائف الصاروخية والهاون نحو المستوطنات الشمالية، واختطاف جنديين وقتل ثمانية آخرين، مما شكل خروجاً عن قواعد هذه اللعبة، الأمر الذي اعتبرته إسرائيل ذريعة لإعلان الحرب، وفي أعقاب ذلك شرعت بحملة عسكرية ضد حزب الله، بهدف إبعاد قواته عن الحدود وتوجيه ضربة قاسية لبنيته التحتية وقوته البشرية، حتى تتمكن حكومة لبنان من بسط سيطرتها على التنظيم، ونشر قواتها على طول الحدود مع إسرائيل، كما ينص على ذلك قرار مجلس الأمن 1559.

لقد واجهت إسرائيل خلال هذه الحملة تحدياً معقداً وحرباً ضد تنظيم شبه عسكري يتبع أساليب حرب العصابات والإرهاب، ويجد الحماية في أوساط السكان المدنيين ويعمل داخل دولة فاشلة تفتقر إلى القوة عسكرية أو الرغبة السياسية في بسط سيطرتها، في حين أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية تتعرض لهجمات مكثفة من إطلاق الصواريخ والقذائف الموجهة ضدها بطريقة سافرة، وذلك بقصد قتل المدنيين وإحداث أكبر قدر ممكن من الدمار، مما اضطر إسرائيل إلى العمل في لبنان من خلال تفعيل ضوابط وقيود، تمنع قدر الإمكان المس بالمدنيين اللبنانيين الذين يشكلون عن قصد وغير قصد حماية لهجمات حزب الله، التي ينفذها من قراهم ومدنهم، بل إن المس بالمدنيين اللبنانيين الذين تعاونوا وخزنوا الصواريخ في منازلهم بعلمهم تشكل أداة فعالة جداً لحزب الله في حربه الإعلامية، لجعل الرأي العام العالمي يقف ضد إسرائيل، إذ أن موت السكان المدنيين الذين اختبؤوا في قرية قانا في أحد أقبية المباني في المنطقة التي أُطلق منها 150 قذيفة باتجاه الأراضي الإسرائيلية، كانت بمثابة نقطة التحول التي انتظر حزب الله حدوثها، حتى يتسنى له تشويه صورة إسرائيل في نظر الرأي العام العالمي، وإظهارها كعنصر عدواني في المعركة والكشف عن طبيعتها غير الأخلاقية دون النظر إلى ظروف الشروع في الحرب وطبيعة هجماتها وأهدافها.

إن حزب الله يعمل قصداً من داخل مناطق سكنية مكتظة، ورغم أن المعركة لم تنتهِ بعد لكنه بات واضحاً الآن، أن نسبة أو علاقات التآكل بين إسرائيل وحزب الله تتناسب مع فارق القوات بين الطرفين، مع العلم أن إسرائيل لم تلجأ إلى تفعيل كامل قوتها، بل عملت بحذر شديد وضبط نفس نسبي، كما أن الثمن الباهظ الذي دفعه مواطنو لبنان في الأرواح والممتلكات لا يضعه حزب الله في حساب الربح والخسارة لديه عند ادعائه بالانتصار في المعركة، بل إن الحزب حظي بدعم لهذا التوجه من جانب مسؤولين لبنانيين كبار أمثال الرئيس لحود، وهذا الادعاء يقوم في الأساس على حقيقة أن حزب الله نجح في توجيه ضربات قاسية للجبهة الداخلية الإسرائيلية ونجح في الحفاظ على وجوده.

على صعيد آخر، وفيما يخص هوية المنتصر في هذه المعركة وهو الموضوع الذي طرق بقوة في أعقاب توقف المعارك، فإنه من المتوقع أن نسمع أصواتاً في صفوف مؤيدي حزب الله وجهات متطرفة أخرى في العالمين العربي والإسلامي، تنادي بمضاعفة اللجوء إلى حرب العصابات والإرهاب كأداة ناجعة جداً، لمواجهة التفوق العسكري والتكنولوجي لدى الغرب،  ويشار في هذا السياق إلى، أن هذا الاستنتاج يرتكز على عدم الوضوح الخاص بهوية المنتصر في المعركة، والدائر منذ ثلاثة أعوام ونصف في العراق بين الولايات المتحدة وحلفائها وبين منظمات إرهابية وحرب عصابات محلية ومؤيديها الأجانب.

إن تحصن هذه المنظمات في أوساط السكان المدنيين وممارسة النشاط بداخلها، والمس الكبير بالمواطنين العراقيين والأجانب من خلال إلقاء مسؤولية ما لحق بهؤلاء السكان على الولايات المتحدة وحلفائها، يجعل من الصعب إرضاخ هذه المنظمات بل يساعدهم ذلك في حربهم الإعلامية بشأن بناء صورة النصر، لاسيما في ظل هذه الخسائر البشرية الباهظة في صفوف غير المتورطين في الأمر من المدنيين.

هذا ما حدث عندما نفذ تنظيم القاعدة حملة إرهابية ضخمة جداً في الولايات المتحدة، عندما كان تحت رعاية نظام طالبان، حيث تجاهل بن لادن تحفظات زعيم طالبان على الهجوم المخطط القيام به في الولايات المتحدة، والذي أدّى في نهاية الأمر إلى حدوث دمار كبير، وقتل عدد كبير من المواطنين الأفغان، إضافة إلى إسقاط نظام حكم طالبان هناك وتوجيه ضربة قاصمة لبنية التنظيم التحتية في هذا البلد، ورغم هذا كله، فإن هذا القتل والدمار الذي حدث لم يُنسب إليه ضمن حساباته، وإنما شكل مادة دعائية إعلامية لإثبات حقيقة الطبيعة الوحشية وغير الأخلاقية للغرب برئاسة الولايات المتحدة وشركائها، كما أن تنظيم القاعدة رغم كل ما حدث من دمار وخسائر في أفغانستان بسببه، لا يزال يدعي هو ومؤيدوه في أنحاء العالم بتحقيق النصر في الحرب الدائرة ضدهم، من خلال الاستناد إلى قدرتهم على مواصلة تنفيذ عمليات إرهابية في أنحاء مختلفة من العالم، بما في ذلك ساحات المواجهة التي يقاتل فيها مقاتلو القاعدة قوات عسكرية تفوقهم عتاداً وعدة، كما هو الأمر في العراق وأفغانستان.

بما أن الأنظمة الديمقراطية ليست مستعدة بكل قوتها أو كامل طاقاتها ومواردها في حربها ضد العصابات والإرهاب ، كما أنها تحول قدر المستطاع دون الخروج عن ضوابط وقيود تمليها على نفسها والنابعة من القيم التي تقوم عليها مجتمعاتها، فإن ذلك سيساهم في عدم إحراز نصر واضح وحاسم على خصومها رغم قدرتها على تحقيق ذلك، من جهة أخرى فإن هذا من شأنه الإبقاء على مساحة كبيرة لدى منظمات الإرهاب وحرب العصابات للتفاخر بنصر وهمي أياً كان.

من هنا يمكن القول؛ إن الدول الديمقراطية التي تفرض قيوداً كهذه على نفسها بإرادة منها لن تجد حلاً مطلقاً للتحدي الذي تضعه أمامها هذه المنظمات، وبالتالي فإن هناك أهمية كبيرة لتعميق الوعي في صفوف مواطنيها حول الميزات التي تقدمها الديمقراطية لخصومها، مما يساعد في تخفيف نسبة الشعور بالإحباط المزعج أحياناً والناجم عن زئبقية نصر حاسم خلال هذا النوع من الصراع، كما أن هذا الأمر قد يساعد أيضاً في بلورة طرق وأساليب نضال إبداعية أفضل مستقبلاً

حزب الله في يوم ما بعد: حرب عصابات "إرهاب"، وحرب توعية

يورام شفايتزر

إن محاولة تقييم أوضاع حزب الله بعد انتهاء المعارك، ترتبط إلى حد كبير بنتائج الحملة التي تخوضها دولة إسرائيل ضد الحزب وهي ليست معروفة بعد.

وعلى الرغم من هذا القيد فإن من الممكن اليوم الإشارة إلى عدد من الأهداف المحورية المحدودة التي سعى قادة حزب الله إلى تحقيقها على المدى القصير على الأقل.

من جهة أخرى فإن الساحة الأساسية التي سيتم من خلالها اختبار نتائج الحرب بين إسرائيل وحزب الله هي الساحة السياسية، لكن هذا المقال سيركز بشكل أساسي على محاولة تقييم وتقدير نشاطات حزب الله القريبة المتوقعة على الصعيد العسكري الإرهابي، وفي مجال التوعية الإعلامية.

إن التقدير القائل بأن حزب الله سيسعى إلى تحقيق هذه الأهداف دونما علاقة بالنتائج الفعلية والمؤثرة للقتال، وذلك من خلال العمل على تشويش ما جرى من قتل ودمار لحق بلبنان ناجم عن العملية العسكرية التي نفذها عناصر حزب الله في الحادي عشر من تموز هو تقدير غير جريء جداً.

ولكن من المتوقع أن يحاول نصر الله كعادته التغطية على كل ماحدث، وتحويل آلام الضربات التي تلقاها تنظيمه ولبنان بأسلوبه الخطابي المؤثر إلى إنجاز عسكري وقيمي دراماتيكي لا سابقة له في وجه الجيش الإسرائيلي، وعلى الرغم من الإنجاز التكتيكي الذي حظي به من خلال اختطاف الجنديين الإسرائيلي، إلا أن نصر الله قد فشل استراتيجياً في تقديره لقوة وعمق وتوقيت الرد الإسرائيلي، وكنتيجة مرحلية للهجوم الإسرائيلي فقد بات واضحاً الآن أن حزب الله قد دفع ثمناً باهظاً جراء خسارته للكثير من مقاتليه، وبنيته العسكرية، والمدنية المتمثلة بمؤيديه في جنوب لبنان، وتدمير قيادته، وإلحاق الضرر الكبير بمراكز المواصلات في بيروت وبعلبك، ومواقع البنية التحتية المدنية لمؤيديه، عدا عن أن الصورة  العامة لنصر الله والموحية بأنه الزعيم المحبوب الذي يحظى بالإعجاب والتقديرـ وفي بعض الأحيان تقديرات مبالغ بها - بسبب قدراته ومهاراته قد لحق بها الضرر أو على الأقل تصدعت هذه الصورة إلى حد ما.

وبالتالي فإنه يمكن القول إن شخصية نصر الله ومكانته بعد الحرب، سيكون لها تأثير كبير على أسلوب سلوك حزب الله مستقبلاً، وكما هو معلوم فإن حزب الله تنظيم متعدد الأوجه؛ له مؤسسات دينية واجتماعية وسياسية وعسكرية، وجميعها معاً تشكل مصدر قوته وخصوصيته، وعلى الرغم من ذلك فإن العنصر العسكري الإرهابي للتنظيم هو الذي منحه الشهرة، كما أثر كثيراً على ترسيخ مكانته الحالية في لبنان، وهو يعمل ضمن هذا المجال من خلال ذراعين: الأول يشتغل في مجال الحرب التقليدية شبه العسكرية وحرب العصابات، والثاني يركز على تفعيل وتوجيه الإرهاب.

على الصعيد العسكري التقليدي وحرب العصابات، يمكن أن تتوقع أن يعمل حزب الله بكل قوته لتقليص أضرار الحرب، بل أن يضطر إلى التخلي عن مواقعه في جنوب لبنان، وقد يحاول استخدام المناورة في ظل الضغوط الممارسة عليه، لكي يبقي على مكانته كقوة عسكرية مستقلة، كما سيحاول أيضاً المماطلة في أي عملية تهدف إلى تجريده الفوري من سلاحه، وفي حال محافظته على مكانته الخاصة كمليشيا مسلحة وحيدة في لبنان، فإنه سيطمح بطبيعة الحال إلى التزود من جديد بدعم من سوريا وإيران بأسلحة استراتيجية،  كالصواريخ متوسطة المدى وبعيدة المدى وقدرات عسكرية أخرى، أو على الأقل الاحتفاظ بتلك التي لم تتضرر.

من جهة أخرى فإن التركيز على محاولات تقييد قوة حزب الله العسكرية التقليدية من شأنها أن توجه جل نشاطه على المجال الإرهابي ربما لتوجيه وتفعيل الإرهاب، إن النية والعمل الإرهابي هي بطبيعة الحال عمليات سرية، حيث من الصعب توفير البراهين حولها وإلقاء المسؤولية العلنية على مؤيديها ومنفذيها، من هنا فإننا نتوقع أن يواصل حزب الله رعاية واستغلال علاقاته بالمنظمات الإرهابية، ومنها الشبكات الإرهابية الفلسطينية، وجماعات معدودة من عرب إسرائيل، وربما بقوة أكثر في أعقاب المواجهة الأخيرة ، بهدف المس بإسرائيل والاحتفاظ بيده وبيد أوصيائه الإيرانيين على القدرة على التأثير وإحباط أي خطوات سياسية مستقبلية.

من ناحية ثانية فإن هناك خياراً آخر بيد حزب الله، وهو خيار ممارسة النشاط الإرهابي في الخارج ضد أهداف إسرائيلية، بواسطة جهاز خاص له خبرة في مثل هذه العمليات، وله بنية تحتية موزعة على عدد كبير من دول العالم، ويشار إلى أن هذا الجهاز لم ينفذ خلال الأعوام الأخيرة أي اعتداءات في الخارج، وذلك بسبب اتفاق مشترك بين حزب الله وإيران، ينص على الامتناع عن القيام بذلك في ظل الأجواء غير المتساهلة حيال الإرهاب الدولي بعد الحادي عشر من أيلول/2001، وبهدف دفع مصالحهما ضد إسرائيل ضمن حدودها، ورغم هذا كله فيبدو أن حزب الله لن يجد صعوبة في إعادة تفعيل العمل الإرهابي عند الضرورة.

كما أن هناك خياراً آخر لدى حزب الله يمكن استخدامه لتنفيذ أعمال إرهابية في الخارج، تبعد عنه من خلال تفعيل جهات فلسطينية، مثل حركة الجهاد الإسلامي أو تنظيمات إسلامية سرية أجنبية، حظيت في الماضي بدعم حزب الله ودعم إيران.

إن لحزب الله خبرة في مجالٍ مركزي - لاسيما زعيم التنظيم حسن نصر الله - هو الحرب النفسية؛ إذ أن هذا العنصر في استراتيجية عمل التنظيم يزوده بالقوة المضاعفة، كما أن حزب الله يستخدم هذا الأسلوب بشكل ذكي، لتعزيز صورة قوته، وعرض أخطائه وإخفاقاته على أنها إنجازات، كما أن ظهور حسن الله بشكل بارع وتوقيت جيد على القنوات والفضائيات العربية المختلفة، واستخدامه لقناة المنار التابعة لحزب الله، هو مثال آخر ملموس على مدى الأهمية التي يوليها للإعلام والحرب النفسية كأداة ووسيلة لتجسيد الوعي الجماهيري إزاء نتائج قتال حزب الله.

ولاشك أنه سيواصل استخدامها لأنها تحتل مكاناً هاماً على صعيد إجراءات التنظيم حتى بعد وقف إطلاق النار، أما في حال حفاظ حزب الله على بقائه، فإن نصر الله سيعرض على الجماهير الأهداف المهمة له في لبنان وفي العالمين العربي والإسلامي، وكيف أنه خرج من هذه المعركة منتصراً ، كما من المتوقع أن يوضح لجمهور مستمعيه بأن قتال تنظيمه كان باسم لبنان والدفاع عنه وحمايته في وجه العدوان الإسرائيلي، وتجاهل حقيقة عدم حصوله على أي دعم حكومي أو شعبي لأفعاله.

من جهة أخرى فإن نصر الله سيبتلع الدوافع الشخصية التي قادت إلى عملية اختطاف الجنديين جراء رغبته في الحصول على إنجاز تكتيكي عظيم، لتعزيز مكانته وصورته كزعيم موثوق به يتمتع بمصداقية كلمته وشرفه وكرامته ويفعل ما يقول، كما سيلقى بالمسؤولية على إسرائيل إزاء النتائج المدمرة التي لحقت بلبنان، وبموازاة ذلك فإن من المتوقع أن يبرز نصر الله قتال تنظيمه ضد جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، وما ألحق بهم من خسائر كأسر جنوده، ومنع الإفراج عنهم بالقوة دون مقابل، حتى لو لم يحصل على الثمن المطلوب مقابلهم، وسيعرض الأضرار والضربات التي وجهها في صميم الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ونجاح تنظيمه في نزوح مئات آلاف الإسرائيليين الذين يقطنون المناطق الشمالية الإسرائيلية، عدا عن الأضرار الاقتصادية الكبيرة أيضاً، وعلى أن هذا هو السبيل الصحيح لمواجهة إسرائيل.

ومن المتوقع أن يدير نصر الله - الذي يتطلع إلى زعامة لبنان مستقبلاً ويعتبر نفسه جزءاً من الكفاح الإسلامي الذي يتجاوز الحدود الوطنية اللبنانية - حملة إعلامية تقدم حزب الله على أنه مثال ونموذج للقتال العنيد، الذي يشكل للمقاتلين المسلمين في العالم مثالاً يحتذى به، كما أنه سيتباهى بعزيمة وإصرار مقاتليه المستعدين للتضحية بأنفسهم، ونيل الشهادة في سبيل الله، والتي أصبحت منذ أن بدأها حزب الله أول مرة في بداية الثمانينات، نمطاً معروفاً للجهاديين في أنحاء العالم.

أما بشأن قدرة حزب الله على عرض المعركة كانتصار، ورسم مسار ومشوار التنظيم مستقبلاً، فإن تطورات هذه المعركة وأمدها ونتائجها ستؤثر على ذلك بشل كبير، لاسيما إبقاء القيادة الحالية لحزب الله بزعامة نصر الله وقادته العسكريين الكبار، بمن فيهم رئيس هيئة أركان التنظيم عماد مغنية وجماعته من قدماء الحملة الإرهابية التي قادها إبان أعوام الثمانينات والتسعينيات، وفي حال مجابهة التنظيم لهذا الكم الشائك والمعقد من المشاكل السياسية الداخلية، والضغوط الدولية الرامية إلى تحديد قوته، فإن من المتوقع أن يواجه اختياراً هاماً في زعامته.

ومن جهة أخرى فإن قدرة الغرب وبدعم من الدول العربية الواقعية ستواجه هي الأخرى اختباراً يتلخص في مواجهة تنظيم إرهابي مدعوم من قبل دول داعمة للإرهاب، وهناك دولة واحدة على الأقل تُوجه نحوها جهوداً دولية لمنعها من تطوير أسلحة نووية، ومن النظرة الأولى فإنه يبدو لنا أن ذلك سيحول دون إعادة تأهيل وترميم قدرة حزب الله الإرهابية العسكرية، على الرغم من أنه قد يظهر خارجاً عن إطار النزاع الإسرائيلي - اللبناني، كما  أن من الممكن أن تكون له إبعادٌ وتداعيات إقليمية خطيرة أو أبعد من ذلك.

ثالثاً: الداخل اللبناني

الصراع الطائفي في لبنان ومكانة حزب الله المستقبلية

أيمن منصور

"باستثناء الشيعة لا يوجد هناك من يستطيع القول بأنه يحب الشيعة" هذا ما قالته مواطنة لبنانية مسيحية، رداً على سؤال خلال مقابلة تلفزيونية حول رأي اللبناني العادي بحزب الله.

هذا هو جوهر لبنان؛ توجهٌ طائفي لدى مواطنيها حيال كل موضوع وشأن، أي أنه لا توجد في لبنان طائفةٌ مخلصةٌ للمبادئ الديمقراطية الحقيقية، ويتم عرض المواجهة الداخلية بين حزب الله وبين جبهة جنبلاط -القوات اللبنانية - تيار المستقبل، على أنها مواجهةٌ بين فئةٍ أصولية وقوةٍ ديمقراطية ليبرالية.

من جهة أخرى فإن الفوارق في هوية الطوائف وتعارض المصالح الهائل بينها، سوف يزداد ويتعقد أكثر جراء الأزمة الداخلية اللبنانية، بل ربما ينزلق لبنان نحو أزمةٍ داخليةٍ تتسم بالعنف، إن الشخص في لبنان لا يُعرَّف نفسه على أنه جزءٌ من طائفةٍ معينةٍ فقط، وإنما يعرف نفسه على أساس جناحٍ داخل الطائفة التي ينتمي إليها، كما أن مصلحة كل جناح -لا سيما مصالح الزعيم- تتحدد وفق مكانته ووفق ميزان القوى، إن الذي جلب أعداءً ألداءً من الماضي كالقوات اللبنانية ومؤيدي عائلة جنبلاط، هو المصلحة في إضعاف الطرف الآخر المتمثل في حزب الله الذي أصبح يملك قوة كبيرة جداً.

هذا هو المكان الذي يدفعني إلى التأكيد على أنه خلافاً لسائر التيارات، فإن هوية رجال حزب الله تنطوي أو تدمج في ثناياها هويةً طائفيةً مشبعةً بالحماسة الدينية، تجد لها تعبيراً في العقيدة الخمينية لدى التنظيم، مما يدفع التيارات والأطراف الأخرى إلى التعاون ضد حزب الله.

لقد أظهر اندلاع العنف الأخير بين حزب الله وإسرائيل وبكل قوة، خلافات الرأي الداخلية في لبنان، ففي الوقت الذي يفسر فيه حزب الله عليه اختطاف الجنديين الإسرائيليين على أنه إجراءٌ لحماية لبنان وكرامته كونه يعد جزءاً من العالم العربي والإسلامي المناهض للغرب، نرى الطرف الآخر يعتبر هذه العملية تحدياً للحكومة وضد سيادة مؤسسات الدولة، ويشار أيضاً إلى أنه عندما طال أمد القتال، أخذ العنف الكلامي بين الأطراف منحىً أكثر حدة وأكثر تنوعاً، كما هدد كل طرفٍ بتصفية الحساب مع خصمه بعد انتهاء المعركة.

إن حزب الله اليوم يخوض صراعاً لا هوادة فيه إزاء حقيقة وجوده، كما أن خشيته الرئيسة ليست من إسرائيل، حيث يعتقد قادة الحزب أن إسرائيل عاجزةٌ عن القضاء على حزب الله، وهذا المفهوم يقوم على الاعتراف بأن الحزب يعتمد على دوافع عقائديةٍ دينية أكثر مما يعتمد على بنيةٍ تحتيةٍ طبيعية يمكن القضاء عليها، وإنما تتأتى مخاوف حزب الله من الساحة الداخلية والأوصياء الخارجيين للتيارات المختلفة كافة، من هنا فإن حزب الله يوجه قسماً كبيراً من حملته الدعائية إلى الداخل، ويعرض نفسه على أنه القوة الرئيسة لحماية لبنان (مع ملاحظة أن علم لبنان يظهر أكثر فأكثر في الأفلام الدعائية لقناة المنار).

من جهة أخرى فإن المتحدثين بلسان الحزب يكثرون من التأكيد خلال الرد على كل سؤال، على موضوع الوحدة الوطنية المطلوبة في هذا الوضع الحساس جداً من وجهة نظرهم، كما يسعون إلى إرجاء المواجهة في قضايا أخرى إلى ما بعد انتهاء المعركة مع إسرائيل، قضايا كموضوع السيادة في لبنان، وشرعية وجود تنظيم حزب الله كونه يعد تنظيماً عبر الوطن داخل دولةٍ وطنية.

إنه لمن الأهمية بمكان التأكيد على أن قادة حزب الله الكبار يعتبرون سلوك معارضيه خيانة، غير أنهم يفضلون إرجاء المواجهة معهم إلى فترةٍ أكثر راحة واستقراراً، وذلك عندما تكفّ إسرائيل عن قصف تحصيناتهم.

على صعيد آخر يمكن القول أن انتهاء المواجهة الراهنة لن يؤدي إلى تحقيق الهدوء على الساحة الداخلية، كما أن قبول وقف إطلاق النار من جانب إسرائيل وحكومة لبنان لن يدفع حزب الله إلى محاسبة النفس حول الدمار الهائل الذي ألحقه بلبنان، كما لن يدفعه إلى تجريد نفسه من سلاحه، بل سيواصل حزب الله على ما يبدو الخط الإعلامي نفسه، فعملية اختطاف الجنديين كان الهدف منها الإفراج عن سمير قنطار، ونسيم نسر، ويحيى سكاف (الذي ليس موجوداً لدى إسرائيل ولا يُعرف مصيره)، أما هدف إسرائيل من الهجوم فهو كسر المقاومة وجرّ لبنان إلى دائرة النفوذ الغربي.

أما الطرف الآخر، لا سيما وليد جنبلاط وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، فمن المتوقع أن يزيدا من حدة انتقاداتهما لحزب الله، ووجوده ككيانٍ مستقلٍ داخل دولة ذات سيادة، ولقد أعلن جنبلاط عن معارضته لأي وقفٍ لإطلاق النار لا يؤدي إلى تجريد حزب الله من سلاحه، عدا عن أن هذا التيار سيواصل توجيه انتقاداته لحزب الله على خلفية كونه أداةً إيرانيةً تواصل إيران دعمه، كما تعتبره انعكاساً ناجحاً للثورة الإسلامية، وتعتبر نصر الله بمثابة وريث دم الخميني الملتهب.

ولكن على الرغم من هذا كله فإن الأطراف اللبنانية الراغبة في تجريد حزب الله من سلاحه ينتظرها صراعٌ ليس بالسهل؛ إذ كما يبدو لنا اليوم فإن معارضي حزب الله سيُتَهمون من قبل التنظيم الشيعي بالعمل ضدّ مصالح الأمة العربية بشكلٍ عام، ومصلحة لبنان بشكلٍ خاص، كما أن حزب الله ومؤيديه لدى الطوائف الأخرى سيقولون إن التيار المعارض هم تيار الخونة، بسبب علاقاتهم الوثيقة بالولايات المتحدة التي تواصل دعم إسرائيل، أما ادعاء وقول معارضي حزب الله بأنهم هم الأكثرية في لبنان فسيُقابل بادّعاءٍ مضادٍ بالصيغة التالية: "صحيحٌ أنهم أغلبية في البرلمان إلاّ أنهم ليسوا كذلك في أوساط الشعب"، كما أن هذا الادعاء يقوم على حقيقة أن أكثر من 40% من اللبنانيين هم شيعة، والأغلبية الساحقة منهم تدعم حزب الله، وعدا عن أن الشيعة ينبغي أن تأخذ في الحسبان مؤيدي حزب الله ومؤيدي الزعماء المحليين الذين لم يحصلوا على تمثيلٍ نيابي.

وكذلك القول بأن حزب الله ومؤيديه سيحصلون على دعمٍ ملموسٍ أكثر في حال إجراء النقاش المتوقع حول طريقة الانتخابات المتبعة في لبنان؛ حيث يعتقد الشيعة أن هذه الطريقة لا تفسح المجال أمامهم لتمثيلٍ نيابيٍ ملائم مقارنةً مع عددهم السكاني، أما المثال المعاكس فهم المسيحيون الذين يمثلون حوالي 25% من السكان لكنهم يمسكون بحوالي 50% من المقاعد البرلمانية.

إن قوة أولئك الراغبين بتجريد حزب الله من سلاحه محدودة جداً، وستظل هكذا حتى لو ازدادت فاعلية الجيش اللبناني، ونشرت قواتٌ متعددة الجنسيات في المنطقة.

وبسبب ما أسلفنا، وعلى الرغم من الضربة القاسية التي تلقّاها حزب الله من جيش الدفاع الإسرائيلي، فإنه سيواصل وضع عراقيل صعبةٍ جداً في وجه الراغبين بإزالته كدولةٍ داخل دولة.

من جهةٍ أخرى فإن الخطابة والكلام المؤثر الذي يتسم بالنقد اللاذع، هو الذي سيفعل فعله في لبنان في يوم ما بعد وقف إطلاق النار، فقد علمنا أو أظهر لنا التاريخ أن مثل هذه الخطابة المؤثرة الانتقادية اللاذعة تشكل إطاراً لصدامٍ مباشرٍ في الشرق الأوسط؛ إذ أن سقف الحساسية القصير لديهم -كما انعكس ذلك في قضية عرض الشيخ حسن نصر الله في برنامج ساخر في قناة LBC المسيحية، واندلاع العنف في الشارع الشيعي جراء ذلك- والمصالح الطائفية المتعارضة سوف تخلق وضعاً من الغليان الداخلي الكبير، الذي قد ينزلق إلى العنف بل ربما إلى حربٍ أهليةٍ أخرى.

من الصعب توقع المدة الزمنية الخاصة باستمرار مثل هذا التدهور، هذا إن كان الأمر ممكناً أصلاً، غير أن البنية المتعددة الطوائف في لبنان، والمفاهيم المتناقضة لدى التيارات المختلفة لا تفتح مجالاً كبيراً لإحلال سلامٍ داخلي رغم تدخل الأسرة الدولية، وبالتالي ينبغي النظر بجديةٍ إلى خيار تجريد حزب الله من سلاحه، حتى لو تم الأمر بقوة الذراع، لأنه لن يمر سريعاً وبسهولة؛ إذ أن محاولةً كهذه منوطةٌ بجهودٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ صعبةٍ جداً، تحمل في طياتها عملية إراقة دماءٍ كثيرة في لبنان، ومن المحتمل أن تطال إسرائيل أيضاً.

رابعاً: العالم العربي

ردود فعل في العالم العربي: غموض الخطوط التقليدية

إميلي لانداو

إن أحد الجوانب المهمة في الحرب بين حزب الله وإسرائيل، يتعلق بمواقف الدول العربية حيال التطورات الراهنة، ففي خطوة غير عادية، سارعت كل من مصر والأردن في أعقاب اختطاف الجنديين الإسرائيليين في لبنان على الحدود الشمالية إلى انتقاد عملية حزب الله علناً، واصفةً إياها بغير المناسبة وبأنها عمليةٌ تفتقر إلى المسؤولية، ثم انضمّ إلى هذه الانتقادات اللاذعة وزير خارجية السعودية، مضيفاً بأن عملية حزب الله مغامرةٌ غير مدروسة تعيد المنطقة أعواماً إلى الوراء، كما تشكل خطراً على العالم العربي، وذلك دون مصادقة السلطة المركزية ودون تنسيقٍ مع الدول العربية، ويشار إلى أن هذه المواقف قد تم الإعراب عنها خلال الاجتماع الطارئ للجامعة العربية الذي انعقد بعد مرور أربعة أيام على اختطاف الجنديين، حيث ناقش المجتمعون التطورات على الحدود الشمالية، حيث تكشفت خلال هذا الاجتماع الخلافات القائمة في العالم العربي إزاء حزب الله، ووقوف سوريا وحدها كداعمةٍ أساسيةٍ لتنظيم حزب الله من بين الدول العربية، في وجه الدول العربية المعتدلة على خلفية المواقف المناهضة لحزب الله.

لقد سمعنا خلال الأسبوع الأخير للقتال الناطق بلسان الخارجية الأمريكية، يقول: "إن الدول المنتقدة لحزب الله أي مصر والأردن والسعودية، من شأنها أن تلعب دوراً هاماً في ممارسة الضغط على الدول الداعمة لحزب الله أي سوريا وإيران". وبعد مرور أيام استبشرنا بحديث ملك السعودية مع الرئيس الإيراني حول الوضع في لبنان، كما أن من المقرر أن يصل وزير خارجية السعودية إلى واشنطن لإجراء محادثات مع الرئيس بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، فهل  يعني هذا كله أننا نشهد ديناميكيةً جديدة في المنطقة، تتمثل بخطوط شرخٍ علنيةٍ جديدة داخل العالم العربي؟

إن مواقف الدول الثلاث حيال هذه القضية تنطوي على أهميةٍ بالغة، كما تعكس استعداداً من جانبها للخروج بشكل واضحٍ وعلني من القالب المألوف والمندد آلياً لإسرائيل، كلما خاضت حرباً مع أي جهة عربية كانت، وبالتالي فإنها تكشف النقاب عن خلافاتٍ حول قضيةٍ كان من السهل إيجاد إجماعٍ واسعٍ بشأنها، إضافة إلى أن مثل هذه التصريحات تشكل تحدياً لمواقف متجذرة بقوة لدى الجمهور العربي، كما أنها تُظهر الفجوات بين الحكومات ومواطنيها.

يمكن في السياق والإطار الإقليمي الأوسع البحث عن الأسباب لردود الفعل غير العادية لهذه الدول الثلاث؛ إذ أن هذه التصريحات المنددة بحزب الله، تعكس في الواقع مخاوف الدول المعتدلة ليس من خطر الإسلام المتطرف، وإنما بشكل محدد من النشاطات الإيرانية في المنطقة ومحاولاتها لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط من خلال مشروعها النووي، كما أن الدول الثلاث التي نددت بحزب الله هي الدول الأكثر قلقاً من نشاط إيران النووي، ولكن من الصعب عليها الإدلاء بهذه التصريحات بشكلٍ علني وواضح، بسبب وجود خشيةٍ حقيقيةٍ من هذه الدولة، وبسبب المعيار الذي يجعل من الصعب عليها التنديد بمشروع إيران النووي، طالما أنه لا يوجد هناك تجندّ حازمٌ ضد إسرائيل التي تعد دولة نووية في نظرهم.

وخلال الأزمة الراهنة، فإن نشاط حزب الله العدائي داخل المناطق السيادية لدولة إسرائيل ودون أي استفزازٍ من جانبها، جعلت التنظيم في المكان الذي يسهل التنديد به نسبياً، وبالتالي الحصول على مكسبٍ مضاعَفٍ أو مزدوج، فقد نجحت الدول العربية في نقل رسالة مباشرة إلى حزب الله –وهو التنظيم الذي يرمز إلى التهديد الذي تشكله جهات إسلامية متطرفة- كما أنه ينطوي على رسالةٍ غير مباشرةٍ لإيران الداعمة لحزب الله.

ويمكن القول أنه من الأهمية بمكان التأكيد على أن الموقف الذي اتخذته الدول الثلاث حيال نشاط حزب الله العسكري، كان ينطوي على نوع من الحذر من جانب هذه الدول، وبالتحديد عدم توجيه اتهاماتٍ مباشرةٍ حيال إيران، لذلك فقد قامت بنقل رسائل ضمنية دون الدخول في موضوع الطبيعة الدقيقة للعلاقة بين إيران وحزب الله، وإذا كان الأمر يتعلق بتنظيم هو بمثابة دميةٍ لدولة، أو تنظيم يتحرك لاعتباراتٍ داخليةٍ لبنانية، أو أمرٍ ما بينهما في الوسط، فإن ما نراه بوضوح هو وجود علاقة بين حزب الله وإيران، من حيث التماثل بين الاثنين في نظر دول أخرى؛ أي أنهما طرفان يشكلان خطراً على استقرار المنطقة ويعملان على زعزعته، كما أن التأييد الواضح والعلني الإيراني لحزب الله ونشاطاته الحالية، إنما يعزز المخاوف والإحباط الناجم عن نشاط هذا الحزب.

لا شك أن الموقف الذي أعربت عنه الدول الثلاث هو موقف هشٌّ أيضاً، فقد نفى الرئيس مبارك خلال الأيام الأخيرة ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية حول جبهة مصرية‑أردنية‑سعودية ضد حزب الله، كما رفض الزيارة الرسمية لوزيرة الخارجية الأمريكية رايس إلى القاهرة، بهدف تجنيد الدول العربية المعتدلة في وجه إيران وسوريا، بادعاء أنه ليس من المريح لمصر استضافة رايس في ظل قصف جيش الدفاع للعاصمة اللبنانية بيروت، ومن جهة أخرى فقد أبدى مسؤولون سعوديون تحفظهم إزاء النشاط الذي يثير انطباعاً واضحاً يظهر السعودية وكأنها تعمل كأداة بيد الولايات المتحدة، وهذا يعني أن وحدة المواقف حول هذه السياسة من شأنها أن تتغير بسهولة.

ورغم هذا كله وبسبب الإطار الإقليمي الأكثر اتساعاً، فإن الموقف الذي تعبر عنه الدول الثلاث تجاه حزب الله ينطوي على أهمية كبيرة، ويحمل في طياته طاقاتٍ من شأنها أن تشكل قاعدةً لتعزيز الأصوات المعتدلة في الشرق الأوسط، كما يمكن ضم هذه التصريحات الراهنة إلى جهود الوساطة الهامة التي تقوم بها مصر على الصعيد الإسرائيلي -الفلسطيني خلال العامين الأخيرين، وهي جهودٌ بدأت على الأقل قبل سنةٍ من تنفيذ خطة الانفصال، ولا تزال متواصلة حتى هذه اللحظة، ومنها ما يتعلق باتصالاتٍ حول الشروط الخاصة بالإفراج عن الجندي المخطوف غلعاد شاليط، لا شك أن هناك مصلحةً مشتركةً بين إسرائيل وبين دول عربية معتدلة إزاء الطموحات الإقليمية لإيران، وخطر الإسلام المتطرف العامل في المنطقة، سواءً بدعمٍ من إيران أو دون ذلك.

من جهةٍ أخرى فإن من المهم الاعتراف بأن هناك فرصةً سياسيةً نادرة ضمن هذه المفاهيم قد نشأت، وبعبارةٍ أخرى لقد توفرت نافذة فرصٍ ضيقة مُنحت خلال الأزمة الراهنة، على الرغم من أن سلسلةً طويلةً من القضايا التي تفرق بين إسرائيل والدول العربية لم تغِب عن الساحة، لكن ينبغي علينا التأكيد على القضايا المشتركة والبناء عليها في إطار علاقاتنا مع هذه الدول، وذلك عن طريق العمل بحكمة، وعدم التضييق على الأنظمة العربية التي تتبنى مواقف غير شعبية، لذلك فمن غير المحبذ أن نجعلها في وضعية الاختيار بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وبين المصلحة العربية من جهة أخرى.

خامساً: الولايات المتحدة

الولايات المتحدة نحو إجراء معقد

روني بيرت

كان موقف الولايات المتحدة منذ اندلاع الأزمة في لبنان بسيطاً، أي أن المسؤولية المباشرة عن الأزمة تقع على حزب الله، بينما المسؤولية غير المباشرة تقع على سوريا ولبنان، إن وقف النار - كحل مؤقت- عملية لا جدوى ترجى منها،  لأنها ستعيد الوضع السابق دون معالجة الأحوال الجذرية للأزمة، أي أن وقف إطلاق النار ينبغي أن يقوم على أساس تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1559، حيث يتم من خلاله تجريد حزب الله من سلاحه، بينما يقوم جيش لبنان وبدعم قوة دولية جديدة بالانتشار في جنوب لبنان، ويطبق سيادة الحكومية اللبنانية.

إن على إسرائيل أن تبذل أقصى طاقاتها للحيلولة دون المس بمدنيين أبرياء أو البنى التحتية، والامتناع عن زعزعة حكومة لبنان الديمقراطية الهشة، والسماح بتقديم المساعدة الإنسانية لها.

إن هذا الموقف ليس ناجماً فقط عن الدعم الرئيسي للنظام في إسرائيل؛ إذ أن الأزمة في لبنان من وجهة نظر الولايات المتحدة يتم النظر إليها قبل كل شيء ضمن سياق الجهدين الرئيسيين في سياستها اللذين يرتبط الواحد منهما بالآخر وهما: مكافحة الإرهاب، وضم إيران، أما حزب الله فإن الولايات المتحدة تُعرفه على أنه تنظيم إرهابي وأداة بيد إيران، وبالتالي فإنه يشكل خطراً مركباً.

 وهنا تجدر الإشارة إلى أن حزب الله خلال العام الأخير لم يرفع الفيتو في وجه تطبيق القرار 1559 فقط، وإنما حظي بتشجيع حركة حماس وتنظيمات أخرى من أجل تصعيد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، عدا عن أن توقيت اختطاف الجنود يُنظر إليه على أنه منسجم مع مصلحة إيران، لصرف أنظار المجتمع الدولي عن معالجة الملف النووي الإيراني، وبالتالي فإن من غير المفاجئ أن تكون معالجة موضوع حزب الله من جانب الولايات المتحدة في هذه المرحلة الزمنية تحديداً، مسألة جوهرية وأساسية معتبرة قبل كل شيء، وبما أن الأمر على هذا النحو، فإنه ليس هناك مبرر لتقييد الجهد العسكري الإسرائيلي، بل ينبغي تشجيعه، إن الولايات المتحدة لا تنظر إلى الأزمة الراهنة على أنها مشكلة تحتاج إلى حل فوري على المدى القصير، وإنما تعدها فرصةً للصحوة، والمس جسدياً بقوة كتلة الإرهاب (إيران، سوريا، حزب الله، حماس)، فالأمر يتعلق "بمخاض شرق أوسط جديد".

لقد فوجئت وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة مادلين أولبرايت -خلال ولاية الرئيس كلينتون (1997–2001)- من عدم توجه وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس إلى الشرق الأوسط في نهاية الأسبوع الأول للأزمة، وذلك من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، مع أنه لا يوجد أي مبرر لهذه الدهشة من جانب أولبرايت، فقد أثبتت الإدارة الأمريكية الحالية فيما مضى بأنها عندما تفقد صبرها، فإنه يفضل عدم التحدث مع أرباب السوابق الدولية أمثال ياسر عرفات وصدام حسين، إن احتمالية توقع إجراء إدارة الرئيس بوش مفاوضات حتى لو كانت غير مباشرة مع حزب الله، مثله مثل توقع إمكانية التفاوض مع تنظيم القاعدة، وقد قال مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة جون بولتون: كيف يمكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع تنظيم إرهابي؟

يبدو أنه مع تسارع العملية الدبلوماسية أخذ الجانب المنطقي في الموقف الأمريكي  بالتراجع، والنقطة المشكلة فيه هي النظرة التي شكلت من قبل برلمان منتخب بعد انسحاب الجيش السوري نموذجاً إيجابياً لنجاح للجهود الديمقراطية في الشرق الأوسط (ليست مؤكدةًً صحة هذه الرؤية؛ فطرد الجيش السوري هو شأن سيادي أكثر من كونه شأن ديمقراطي، إضافة إلى كون الانتخابات بموجب المفتاح الطائفي الغريب المثبت في الدستور، لا تمثل بشكل ديمقراطي سكان لبنان، لا سيما بسبب التفرقة إزاء الشيعة).

          لقد أيدت الولايات المتحدة الحكومة اللبنانية برئاسة السنيورة أملاً في أن تطبق القرار 1559 تدريجياً، وتبسط سيطرتها على جنوب لبنان أيضاً، وفي إطار هذا التوجه وافقت الإدارة الأمريكية على مشاركة حزب الله في الحكومة بصمت، على الرغم من أنه تنظيم إرهابي بموجب التعريف الأمريكي.

لقد كانت الإدارة الأمريكية تعقد الآمال على أمرين اثنين: أولهما؛ أن تزداد قوة الحكومة اللبنانية مع الزمن وأن يضعف حزب الله جراء عدم وجود عسكري سوري، ثانياً؛ أن يصبح حزب الله أكثر مرونة واعتدالاً بعد مشاركته في حكومة ديمقراطية (إن هذا الأمل هو بمثابة مدماك جديد نسبياً ضمن وجهة النظر الأمريكية فيما يتعلق بميزان الديمقراطية، وكما أن العملية الديمقراطية في دولة تساهم في جعلها محبة للسلام، فإن مشاركة تنظيم إرهابي في العملية الديمقراطية تساهم في جعله معتدلاً)، وقد تمثل هذا الأمل من خلال التصريحات الأمريكية المتكررة خلال العام الأخير والأسابيع الأخيرة، التي تضع قدماً واحدة في الإرهاب والأخرى في السياسة، إن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، مع أن هناك احتمالاً كبيراً في أن تكون مكانة حزب الله السياسية الداخلية قد ضعفت، ولكن لو كان هذا صحيحاً، فإننا لم نر لهذا الأمر أبعاداً منظورة إزاء سلوكه الإقليمي، فعلاقاته بسوريا وإيران لم تضعف، وتدخله في النزاع الإسرائيلي ومعارضته للقرار 1559 حالت دون تطبيقه، وعملية اختطافه للجنديين برهنت بطبيعة الحال، على أن جرأته وتطلعاته لم تتآكل، مما يعني أن أمل الولايات المتحدة بتقدم حكومة لبنان نحو الاستقرار والسيادة مع حزب الله قد تبخر، وبالتالي وضمن هذه الخلفية فإن الولايات المتحدة تواجه عملية في غاية التعقيد، فقد أعلن بوش عن ضرورة محافظة حكومة السنيورة على نفسها وبقائها أثناء هذه الأزمة، أما رايس فقد ذكرت أن انتهاء العنف، ينبغي أن يدفع بالسيادة اللبنانية قدماً إلى الأمام، ومن جهة أخرى لا ترى الإدارة الأمريكية حلاً للأزمة دون تطبيق القرار 1559، وتطبيق هذا القرار يلزم موافقة حكومة لبنان، لكن هذه الموافقة مرتبطة بمواجهة سياسية مع حزب الله، والذي من شأنه أن يؤدي إلى إسقاط الحكومة أو إلى نشوب حرب أهلية.

لقد أعربت الولايات المتحدة منذ اندلاع الأزمة عن تأييدها لحكومة لبنان فقط، ومع تسارع العملية السياسية ستضطر إلى الضغط عليها أيضاً، وهذا قد يؤدي إلى سقوطها، وهي مشكلة معقدة حقاً ربما لا مخرج لها.

لكي نزيد من تصميم حكومة لبنان على تطبيق سيادتها -ما قاله زعماء لبنانيون بهذا الاتجاه، لم يُترجم حتى الآن لقرارات رسمية مُلزمة-  فإنه ينبغي على الإدارة الأمريكية تعزيز الجهات الوطنية في لبنان، وإضعاف مؤيدي حزب الله وسوريا، وهنا يجب الإسراع بالاتصالات المباشرة مع شخصيات درزية ومسيحية مع مواصلة العلاقة مع رئيس الحكومة السني، من جهة أخرى يجب على الإدارة الأمريكية العمل بالتنسيق مع دول عربية بزعامة العربية السعودية التي تتهم حزب الله وإيران بالتسبب في الأزمة، والتي -أي السعودية- تقود النشاط السياسي في هذا الإطار، لأجل تحلية قرص الدواء المر، وبناء مكانة الحكومة فإنه من المعقول جداً أن تقبل الولايات المتحدة بضم مزارع شبعا، وحل مسألة السجناء اللبنانيين كعناصر ضمن التسوية الشاملة، كما أنه يجب على مجلس الأمن أن يصوغ  قراراً جديداً بطريقة تمنح الشرعية العامة داخل لبنان لاتخاذ الخطوات الواجب تنفيذها، وفي المقابل تبقي الولايات المتحدة موضوع الاتصالات المباشرة مع دمشق لمعالجة السعودية والاتحاد الأوروبي، ولكن تعارض أي إجراء يكافئ سوريا أو يساعدها في استغلال هذه الأزمة للعودة إلى لبنان، وفي حال تصدي حزب الله وسوريا لأي تعاون بين حكومة لبنان والأسرة الدولية، فإن هناك إمكانية لأن تلمح الولايات المتحدة -بالتنسيق مع إسرائيل- إلى اتساع دائرة الهجمات، وأن تتعدى أهداف البنى التحتية الوطنية وأهداف سوريا، كما أن على الولايات المتحدة أن تقوم بعمل مضنٍ وذكي، من أجل إيجاد المزيج الصحيح من الإغراءات والضغوط التي تجعل حكومة لبنان تقبل بالتسوية الدولية المتبلورة، إلا أن الإدارة الأمريكية معنية أيضاً بصمود حكومة لبنان، بل تتعزز على حساب حزب الله، ولكن هناك على ما يبدو شكاً في نجاح مثل هذه الخطوة قبل القيام بتصعيد عسكري كبير.

سادساً: التوازن العسكري

الردع وحدوده

يئير عفرون

معنى الردع

الردع عمليةٌ مركبة جداً، وتنطوي بالدرجة الأولى على أساس التهديد بتفعيل القوة في سبيل منع حدوث أمرٍ ما، أو قد يتم استخدامها كعقوبة بهدف منع العدو من القيام بإجراءٍ عنيف، لكن نجاح الردع منوطٌ بجملة عواملٍ سياسية استراتيجية ونفسية، فكلما ازدادت قدرة الردع على معاقبة المرتدِع ازداد تأثير الردع، وفي المقابل كلما ازداد إحباط المرتدِع من الوضع السياسي، ازداد استعداده لتحدي الوضع الراهن، ويضاف إلى هذا كله مدى جدية وعزم واستعداد الرادع على تفعيل تهديداته بالعقوبة، وهناك بعدٌ آخر زئبقي وأبعاده معقدة.

الردع المتبادل

في كثيرٍ من حالات الصراع يحاول الطرفان أن يردع كلاً منهما الآخر، وضمن هذا الإطار يدور بين الحين والآخر استخدام حوارٍ ردعي، حيث يتم استخدام خليطٍ من التلميحات من أنواعٍ مختلفة: تصريحات، وإجراءات صامتة بواسطة تحريك القوات العسكرية، وفي بعض الأحيان القيام بنشاطاتٍ عسكريةٍ محدودة.

الردع الإسرائيلي ضد دولٍ إقليمية

بفضل التفوق الإسرائيلي الواضح على الدول في المنطقة من جهة، واتفاقيات السلام الموقعة مع مصر والأردن من جهةٍ أخرى، وبسبب غياب العنصر الحيوي الواضح لشنّ هجومٍ على إسرائيل من جانب معظم الدول العربية الأخرى – حيث يوجد مصالح مشتركة بشكلٍ أو بآخر مع البعض منها- فإن إسرائيل تحظى بردعٍ ثابت.

الردع الإسرائيلي ضدّ لاعبين لا يشكلون دولة

 يكون الردع فاعلاً بشكلٍ عام عندما يكون الطرف المرتدع دولةً ذات مركز قراراتٍ متبلور، يسيطر على جميع مراكز وعوامل القوة في الدولة، ومع ذلك فإنه يمكن الوصول إلى الردع ضد جهات تشبه الدولة أيضاً ضمن ظروفٍ معينة، فعلى سبيل المثال؛ تعتمد معادلة الردع مع الفلسطينيين على عنصرين أساسيين: معدل الإنجازات السياسية الذي يتوقعه الفلسطينيون، والإحباط المرتبط بذلك في ظل غياب تقدمٍ سياسيٍ من جهة، والرد الإسرائيلي الصلب على "الإرهاب" وحرب العصابات التي تلحق أضراراً جسيمةً ومتواصلةً بالمجتمع الفلسطيني من جهة أخرى، ففي غياب تقدمٍ سياسي يعود ويتكرر "العنف الفلسطيني" في وجه القمع الإسرائيلي، وهكذا على ما يبدو قبلت كل من فتح وحماس بوقف إطلاق النار في كانون الثاني/ يناير 2005، بسبب الضغط العسكري الإسرائيلي، والإرهاق والتعب الذين أصابا المجتمع الفلسطيني، ومن منطلق توقع استئناف العملية السياسية.

من جهة أخرى فإن عدم وجود عاملٍ مركزيٍ مسيطر على الجمهور الفلسطيني، يجعل عنصر الردع الإسرائيلي أمراً صعباً ويقيده، لكنه لا يلغي إمكانية بناء توازنٍ ردعي ضمن إطار عمليةٍ سلميةٍ كهذه أو تلك، حتى لو كان محدداً بمدّة زمنيةٍ معينة.

توازن ردع مصغر ( سواء بين الدول أو بين دولة ولاعب ليس بدولة)

في هذه الحالة يكون بالإمكان إيجاد توازن رعبٍ محدود لا يتطرق إلى مجمل الصراع، وإنما يتطرق إلى جوانبٍ محددةٍ ومعينة فيه، وضمن هذا النوع من التوازن هناك حاجةٌ أحياناً إلى صيانة ميزات الردع، ولكن من خلال التسويات السياسية أو من خلال تفعيلٍ محدود للقوة.

معادلة ردع إسرائيل – حزب الله

لقد أخلت إسرائيل في أيار/ مايو 2000 قواتها وقوات جيش جنوب لبنان من جنوب لبنان، وقد تمت عملية الإخلاء ضمن تسويةٍ سياسيةٍ صادقت عليها الأمم المتحدة، كما حظيت بدعم الأسرة الدولية وحكومة لبنان بطبيعة الحال، ولكن على الرغم من هذا كله، إلا أنه بعد مضي فترةٍ وجيزة على عملية الإخلاء بدأ حزب الله بالعمل ضد إسرائيل، ونفذ أول اعتداءاته المحدودة في منطقة جبل دوف، ثم واصل الحزب هجماته كل بضعة أشهر (باستثناء فترة طويلة أوقف فيها العنف) في القطاع الشرقي من جنوب لنبان، وفيما بعد تحولت هذه الهجمات إلى حالةٍ شبه دائمة -أي إطلاق النار نحو المواقع الإسرائيلية دون التعرض للمستوطنات المدنية-، وقد رد جيش الدفاع بإطلاق النار ضد مواقع حزب الله، حيث انتهت معظم هذه الصدامات في نفس اليوم بشكل عام، ولكن يبدو أن هذا النمط من السلوك قد أفرز نظاماً من قواعد اللعبة في المنطقة الشمالية، دفعت بمصالح حزب الله في لبنان داخلياً إلى الأمام، كما كانت مريحةً -على ما يبدو- لكلٍ من سوريا وإيران، وبطبيعة الحال لم يكن الأمر مريحاً بالنسبة لإسرائيل، لكن قواعد اللعبة هذه لم تعرقل سير الحياة الطبيعية على الحدود الشمالية، والنسيج الحياتي المدني قد تم ترميمه بعد فترةٍ طويلةٍ من الوضع غير الطبيعي، كما اتسعت دائرة النشاط الاقتصادي إلى نحو عشرة أضعاف، وبالتالي فلم يكن هناك ما يبرر الردّ على استفزازات حزب الله، إضافةً إلى أنه منذ العام 2005 كان هناك أملٌ في حدوث تغيير على النظام السياسي في لبنان، كما كانت هناك بوادر أملٍ في حدوث تغييرٍ في مكانة حزب الله العسكرية المستقلة، خاصة مع خروج القوات السورية من لبنان.

في الحقيقة إن هذه هي قواعد اللعبة؛ نتاج توازنٍ شبه رادع متبادل، فإسرائيل قامت بردع حزب الله من مغبة استئناف نشاطه الواسع ضدّ البلدات المدنية، وحزب الله قام بردع إسرائيل من قيامها بهجومٍ شامل، يهدف إلى كسر التنظيم.

إن هذا الردع المتبادل يقوم على عوامل عدّة منها: التهديد العسكري العقابي المتبادل من جهة، والعوامل السياسية الاجتماعية من جهة أخرى، فقد كان حزب الله مدركاً للثمن الذي سيدفعه جمهور مؤيديه -أي سكان لبنان لا سيما الشيعة منهم- إن خرق الحزب قواعد اللعبة، في حين أن الامتناع عن الانجرار نحو عمليةٍ واسعة تعرقل مجرى الحياة الطبيعية في الشمال كان مريحاً لإسرائيل كما أسلفنا.

وهكذا وعلى الرغم من أن حزب الله ليس لاعباً -دولة، فقد كان بالإمكان تفعيل التهديد بالردع ضدّه، ومن المفارقة أن حزب الله اللاعب الذي يعمل سياسياً داخل لبنان، ويتطلع إلى تعظيم قوته السياسية هناك، قد تحرك باتجاهين متعاكسين: فمن جهة وفي إطار السياسية الداخلية اللبنانية، اضطر طيلة الوقت إلى إظهار خصوصية أنه حامي لبنان في وجه إسرائيل، ولكي يبرهن على ذلك فإنه بحاجةٍ بين الحين والآخر إلى تلك الاستفزازات العنيفة التي أشرنا إليها، ومن جهة أخرى وبما أنه لاعبٌ لبناني، اضطره ذلك إلى الحذر وعدم جرّ إسرائيل إلى القيام بهجومٍ واسع النطاق.

إن حزب الله بخرقه قواعد اللعبة خلال نشاطاته الأخيرة لم يكسر قواعد اللعبة على الإطلاق، إلاّ أنه خرقها إلى حدٍ ما، حيث قام بإطلاق النار ضد أهداف مدنية (وهو ما فعله قبل ذلك ولكن في إطار محدود جداً)، لقد عمل في القطاع الغربي ضمن إطارٍ واسع، وفي نهاية الأمر نفّذ عملية اختطاف الجنديين وهي الخطوة التي قام بها في تشرين أول/أكتوبر 2000، لكنه لمن ينجح في حالاتٍ أخرى لاحقة.

إن هذه العوامل مجتمعة هي التي أدت إلى المس بسقف الردع الإسرائيلي، والمطالبة برد إسرائيل على ذلك، وعلى ما يبدو فأنا أعتقد أن حزب الله لم ينتهك قواعد اللعبة، وبالتالي فلا يتوقع أن يكون هناك ردٌ إسرائيليٌ هائل.

مدى الرد الإسرائيلي

ولأجل صيانة توازن الردع المميز إزاء حزب الله، فإنه ربما كان يكفي القيام بردٍ عسكريٍ كثيف، ولكن خلال مدةٍ زمنيةٍ محدودة، لكن إسرائيل التي ضاقت بها ذرعاً -لأن هذه القواعد فُرضت عليها مسبقاً من قبل حزب الله- أرادت من خلال العملية العسكرية إحداث تغييرٍ جذريٍ على الوضع في جنوب لبنان، وهكذا تم أيضاً تحديد أهداف الحملة العسكرية، ولتحقيق هذه الأهداف، كانت هناك ضرورةٌ لتفعيل قواتٍ كبيرةٍ جداً، وتحديد ساحة قتالٍ واسعة، ويشار هنا إلى أن تحقيق هذه الأهداف الواسعة مشكوكٌ فيه، بل إنها تنزلق خارج إطار المحافظة على تأثير قوة الردع.

الصورة الردعية لإسرائيل

إن القوة العسكرية الشاملة لإسرائيل تضمن أن يكون ردعها الشامل لأطرافٍ مختلفة في المنطقة باقيةً بجميع الأحوال، هكذا كان الاعتقاد حتى في المرات التي لم ترد إسرائيل فيها أبداً، أو ردت في وقتٍ لاحق، وعلى الرغم من ذلك إلا أن محاولة حزب الله الحصول على نوعٍ من القيادة والمبادرة بتحريك الأمور على الساحة الإسرائيلية - الفلسطينية -وهي المحاولة التي تمثلت بسلوكه العام خلال الآونة الأخيرة وتكررت وتأكدت ضمن الشروط التي وضعها- والمطالبة بالإفراج عن آلاف السجناء الفلسطينيين مقابل الإفراج عن المخطوفين، كان من شأنها التأثير على السلوك الفلسطيني مستقبلاً،  وينبغي علينا هنا توضيح هذه النقطة.

إن مستقبل العلاقات السياسية الاستراتيجية بين إسرائيل والفلسطينيين، لن تُحدد في نهاية المطاف بواسطة جهاتٍ خارجية، وإنما بشكلٍ أساسي عن طريق التفاعل بين الطرفين، وكذلك عن طريق توازن الردع المصغر الإسرائيلي-الفلسطيني أيضاً، إلا أن الجهات الخارجية من الممكن أن تحاول المس، أو ربما المساهمة في استقرار هذا التوازن.

من جهة أخرى يمكن القول إن الرد الإسرائيلي الضخم في لبنان، يؤكد مدى العقوبة التي تستطيع إسرائيل إنزالها بالجهات العاملة ضدّها، والبنى التحتية القائمة في مجتمعها، كما أن هذا الأمر ينطوي على أهميةٍ بالغةٍ في حال تحركت إسرائيل نحو تسوياتٍ سياسية مع الفلسطينيين، أو نحو حلٍّ أحاديّ الجانب -كما هو الحال في خطة تجميع المستوطنات-، ولكن لا يمكن الافتراض بأن إسرائيل ستكون قادرةً على القيام بهذه الخطوات أثناء تواصل "العنف والإرهاب" على الحدود الشمالية، أو من جانب هذه التنظيمات الفلسطينية أو تلك.

ختامـاً، فإن الردع لا يشكل أساس إدارة وحلّ النزاعات، بل هو استراتيجيةٌ واحدةٌ ضمن عددٍ كبيرٍ من الاستراتيجيات التي تهدف إلى استقرار نظام العلاقات النزاعية، وفي كثيرٍ من الحالات ينجح الردع لمدةٍ زمنيةٍ محدودة فقط، كما أنه لا يحلّ محلّ التسويات السياسية، وإنما تكمن وظيفته في العمل على استقرار وتثبيت العلاقات العسكرية في حالات النزاع، وتقديم الدعم لتسويةٍ سياسيةٍ في حال وصولها.

العودة إلى أرض الواقع: حول بعض قيود القوة الجوية في حرب لبنان

نوعام أوفير

بتاريخ 23 حزيران/ يونيو 1993، وبعد 78 يوماً من النشاط الجوي المكثّف في أجواء البلقان، انتهت المعركة العسكرية التي قام بها حلف شمال الأطلسي في يوغسلافيا.

لقد سارع مؤرخٌ بريطانيٌ عسكري مشهور إلى القول: إن الثالث من حزيران سيُذكر على أنه إحدى نقاط التحوّل الهامة في التاريخ العسكري، إذ أنه لأول مرة يتم حسم حربٍ بواسطة قوةٍ جويةٍ فقط، هذا وقد لاقت هذه المقولة تأييداً واسعاً في العالم؛ إذ أن عملية "القوة الموحدة"  -وهو الاسم الذي أطلقه حلف الناتو على تلك العملية- تُعد منذ تلك الفترة محكاً يقارنون به أي نشاطٍ جويٍ واسع النطاق.

لقد سارع الكثيرون في إسرائيل إلى مقارنة عملية "تغيير اتجاه" الإسرائيلية في لبنان بعملية "القوة الموحدة" متجاهلين بذلك فوارق جوهرية بين الاثنتين لا مجال لعرضها هنا، إلا أنه بعد الشروع في العملية بلبنان -لاسيما في أعقاب تواصل إطلاق القذائف الصاروخية نحو المناطق الشمالية الإسرائيلية بما في ذلك مدينة حيفا- تعالت أصواتٌ تتحدث عن الإخفاق من جانب سلاح الجو على ما يبدو إزاء تحقيق الأهداف المرجوة من العملية، وعلى الرغم من مئات الغارات التي نفذها سلاح الجو يومياً طيلة الليل والنهار، فقدج بدا لنا أن سلاح الجو قد خيَّب الآمال، ولم يلبِّ الطموحات والآمال التي علّقها الكثيرون عليه، أي حسم الأمور في لبنان جواً.

إِن عملية دراسة وفحص الواقع تُظهر أن القوة الجوية لم تفشل في لبنان، كما أنه ليس من الصحيح القول أن سلاح الجو هو الذي انتصر وحده في يوغسلافيا، أي أنه ينبغي الاعتراف بحقيقة أن القوة الجوية ليست حلاً سحرياً، ومع أن قدراتها أكثر بكثير مما كانت عليه في الماضي، إلا أن هناك أموراً من الصعب على سلاح الجو القيام بها بشكلٍ مرضي.

التحدي الكامل في مواجهة أهداف متحركة

ماذا يمكن لقوةٍ جويةٍ مدنية أن تفعل؟ لقد برهنت الحروب الأخيرة التي خاضتها الولايات المتحدة في الخليج والبلقان، وما حدث خلال الأيام الأولى للحرب في لبنان أيضاً، أن استخداماً ذكياً للطائرات والمروحيات المقاتلة والأسلحة الموجهة بدقة، إلى جانب نظامٍ استخباري وقيادة وسيطرة مساندة، تساعد في تحقيق إنجازات لا يُستهان بها على صعيد ضرب أهدافٍ استراتيجية، كمراكز القيادة، وقواعد الجيش وأهداف البنى التحتية، كما أن قدرة عددٍ قليلٍ من الطائرات على حمل كميةٍ كبيرةٍ من الذخائر الموجهة بدقة، وضرب نقاطٍ هامة للأهداف سواءً في الليل أو النهار، دون علاقةٍ بالظروف الجوية هو أمرٌ ينطوي على خصوصية؛ فإذا كان المخططون للمهمة ورجال الطاقم الجوي يعلمون جيداً مكان ضرب الهدف، وتوفرت معلوماتٌ استخبارية دقيقة، فإن هناك احتمالاً كبيراً جداً  في إصابة هذه الأهداف، كما أن بالإمكان شنّ الهجوم من مسافاتٍ قصيرةٍ جداً، ولكن جراء التهديدات الموجهة للقوة الجوية، فإن بالإمكان تنفيذ المهمة من مسافة عشرات بل مئات الكيلومترات، بواسطة التسليح دون المس بعنصر الدقة أبداً.

وضمن هذا الإطار، فإن سلاح الجو الإسرائيلي هو الثاني في قدراته بعد سلاح الجو الأمريكي، وربما يتفوق عليه في مجالات أخرى أيضاً، ويمكن القول بأنه لا توجد لدى الأسلحة الجوية الأخرى في العالم -باستثناء سلاحي الجو الإسرائيلي والأمريكي- القدرة على القيام بمعركةٍ جويةٍ متواصلة ذات طابعٍ كهذا، بما فيها أسلحة جو الدول الأوروبية، وعلى الرغم من هذا -وكما أشرنا إلى أنظمةٍ جويةٍ سابقة- فإن القوة الجوية تجد صعوبة في تحقيق النجاح، حتى مع ما تُوصف بأنها أهدافٌ قصيرة المدى وذات زمن ظهورٍ قصير أيضاً، والمقصود بذلك الأهداف المتحركة التي لا تظهر ميدانياً، والقادرة على القيام بمهماتها والحفاظ على وضعية خفية نسبياً ومغادرة المكان بسرعة، ومن الأمثلة على ذلك؛ نظام صواريخ أرض‑ جو المتحركة، وكذلك القذائف الصاروخية أرض- أرض، وصواريخ أرض-أرض.

عند الحديث عن منصات صواريخ أرض- أرض والقذائف الصاروخية أرض -أرض، فإن المهمة ستكون في غاية التعقيد، كما أن منصة قذائف أرض- أرض ر أر

ليست سوى أنابيب يتم وصلها ببعضها البعض وإخفائها جيداً بين الأشجار، عدا عن أن المنصة ليست بحاجةٍ إلى نظام مساندة مرافقٍ وكبير، بل يُكتفى بطاقةٍ بشريةٍ مقلصةٍ لتفعيله، إضافةً إلى ذلك، وخلافاً لنظام صواريخ أرض-جو كثيرة، فإن عملية تفعيل المنصة لا تحتاج إلى بث أو عمليات أخرى تجعلها عرضةً للكشف المسبق من قبل المجسات الإلكترونية، بيد أن السبيل الوحيد تقريباً لتحديد مكان المنصة يتمثل في العنصر البصري، لكن يجب ملاحظة أن الأمر يتعلق بهدفٍ يمكن إخفاؤه بسهولة، وأن هناك صعوبةً في التمييز بين هذا الهدف وبين أهدافٍ مدنيةٍ كالشاحنات.

لكن في معظم الحالات بالإمكان الكشف عن منصة صواريخ من خلال عملية الإطلاق نفسها، وهذا ينطوي على معنى مزدوج:

أولاً: إن هناك ضرورةً لتحديد عملية الإطلاق مسبقاً، إضافةً إلى نقل المعلومات بشكلٍ سريعٍ جداً إلى الوسائل القادرة على مهاجمة المنصة، لكن هذه العملية كلها والتي تُسمى بـ "إغلاق الدائرة" ينبغي أن تتم بأسرع مدةٍ زمنية ممكنة تتمثل في دقائق معدودة فقط، كي لا يكون هناك مجالٌ لإزاحة المنصة من مكانها.

ثانياً: عملية الكشف عن المنصة ينبغي أن تتم فقط بعد تمكن المنصة من إطلاق حمولتها، أي بعد حصول الضرر الناجم عن فعل عملية الإطلاق، أي عملية "إغلاق دائرة" تحتاج إلى تحديد مكان المنصة، والتعرف عليها وتوجيه الوسائل الهجومية والهجوم نفسه، كما تحتاج إلى غطاءٍ استخباريٍ مشتركٍ ومتواصل، إضافةً إلى وجودٍ متواصلٍ في  المنطقة لوسائط هجومٍ دقيقة، سواء كانت جوية (طائرات مقاتلة، مروحيات هجومية، أو وسائل أخرى) أو أرضية وبحرية، تتمثل (بمدفعية بعيدة المدى)، أما الصعوبة الأكبر فهي الصعوبة الكامنة على صعيد التغطية الاستخبارية والوسيلة المركزية لهذه المهمة، وهي طائراتٌ صغيرةٌ بلا طيار، ولكن هناك حاجةً لعددٍ كبيرٍ من الأدوات لتغطية مساحاتٍ كبيرة، كما هو حال مناطق إطلاق الصواريخ في لبنان، وفي هذه الحالة أيضاً من المستحيل ضمان تغطيةٍ كاملة.

إن نجاحات سلاح الجو في مهام اصطياد منصات إطلاق قذائف الأرض- أرض، كما جاء ذلك في تقارير جيش الدفاع لا يُستهان بها، ومن جهة أخرى فإن قدرات وإنجازات سلاح الجو الإسرائيلي على مواجهة أهدافٍ ذات إغلاق طفيف وزمن ظهورٍ قصير على ما يبدو جيدة، وأفضل من أي قوةٍ جويةٍ أخرى، لكنها ليست كافية حتى تمكّن سلاح الجو من تدمير عدة منصات في كل يوم، وذلك لأن كميات الأسلحة التي بحوزة حزب الله كبيرة جداً، وأن وتيرة التدمير لها ليست كافية، لاسيما في ظل القصف المتواصل للجبهة الداخلية الإسرائيلية. 

الحسم الجوي وفي هذه المرة لا

إذا كان الأمر كذلك، فما الذي نتوقعه من سلاح الجو؟ فالخبرة التي اكتسبها الأمريكيون في إطار الجهود التي بذلوها لوقف إطلاق صواريخ أرض -أرض العراقية إِبّان حرب الخليج الأولى، تشكل دليلاً على أنه بالإمكان التأثير على أداء ونجاعة نظام قذائف الأرض -أرض وصواريخ الأرض -أرض، حتى دون تحقيق نتائج جيدة من خلال المس بالمنصات نفسها.

لم ينجح الأمريكيون طيلة الحرب في المس بمنصة صواريخ أرض -أرض واحدة، مع أنهم خصصوا لهذه المهمة قواتٍ كبيرة، إلا أن النشاط الجوي المكثّف إلى جانب تفعيل قواتٍ خاصة على الأرض قد نجح في إلحاق الضرر في نسبة دقة إطلاق صواريخ الأرض -أرض العراقية كلما طال أمد الحرب.

ويشار إلى أن هذا الإنجاز ناجمٌ عن النشاط الجوي المتواصل فوق مناطق الإطلاق، وضرب أهدافٍ مساندةٍ لصواريخ الأرض- أرض. أما موضوع قذائف الأرض- أر ض فإن هناك أهدافاً قليلة من هذا النوع، ومن الأفضل محاولة تدمير القذائف، التي تكون مُخزَنة في مكانٍ واحدٍ عادةً، وهذا يحتاج إلى معلوماتٍ استخباريةٍ دقيقة، وهذه ليست متوفرةً طيلة الوقت.

حتى في حال تحسن أداء سلاح الجو على صعيد تدمير منصات قذائف أرض -أرض، إلا أنه لن يكون قادراً على إزالة التهديد كلياً، فالقوة الجوية وفي موازاتها تفعيلٌ محدودٌ للقوات البرية بإمكانها عرقلة دقّة إصابة القذائف، بل ربما تقليص وتيرة الإطلاق وكميتها إلى حد ما، وبالتالي فإن الأمر يحتاج إلى عنصرين هامين هما؛ الاستخبارات والزمن، ولا شك أن هذين العنصرين متوفران لدى سلاح الجو في عملية "تغيير اتجاه" بالنسبة المطلوبة لتحقيق نتائجٍ ذات قيمة في أسرع وقت.

ولوعدنا إلى الحالة اليوغسلافية، لرأينا أن الصورة هناك غير واضحة أيضاً، فالحرب لم تنتهِ بعد تدمير قدرة الجيش الصربي على القتال، أو بعد تلقي أهدافٍ يوغسلافيةٍ استراتيجية ضرباتٍ حاسمة، لقد بدأت نهاية الحرب -وإلى حدٍ كبير فقط- بعدما فقدت صربيا دعم حليفها الرئيسي روسيا، وجرّاء تهديدات حلف الناتو بالقيام بعملية اجتياحٍ برية، ومن خلال دراسة جذرية لنشاط القوة الجوية ضد قوات الجيش الصربي، يتضح لنا أن آلاف الغارات التي تحدثت عن إصابة مئات الأهداف، لم تنجح القوة الجوية فيها إلا في تدمير ما نسبته 50% فقط من الدروع والمدفعية، مما يعني أنها نسبة نجاحٍ ضئيلة جداً، لاسيما في ظل الوسائل الكثيرة التي خُصصت لهذا الغرض على امتداد فترةٍ زمنية طويلة، ومن الجدير بالذكر أن الجبهة الداخلية هناك لم توجه ضرباتٍ للقوة المهاجمة، مما يُعد اختلافاًً كلياً للتحدي الذي يواجهه سلاح الجو أثناء قتاله في لبنان.

على الرغم من أن سلاح الجو الإسرائيلي بقدراته المذهلة غير قادر] وحده على تحقيق أهداف العملية المعلنة، إلا أنه لا يمكن الحكم عليه بسبب ذلك، والقول بأِن نشاطه في عملية "تغيير اتجاه" تندرج في إطار الفشل، عدا عن أنه قادرٌ على المساهمة في إيجاد الظروف التي تساعد العملية السياسية، كما حدث في يوغسلافيا.

إن سلاح الجو لم يخيّب الآمال في حرب لبنان الراهنة، فقد فعل ما يستطيع فعله، ولكن خلافاً لما كتبه المؤرخ البريطاني يبدو أن القوة الجوية وحدها لا تحسم الحرب -على الأقل خلال هذه المرحلة- وهذا صائبٌ في حالة يوغسلافيا، وكما نرى في لبنان أيضاً، إن هذا لا يعد فشلاً ولا خيبة أمل، هذا هو الواقع.

السلاح الصاروخي أثناء الحرب: هل من الأفضل تطوير وسائل لاعتراض القذائف الصاروخية؟

يفتاح شبير

لقد اتضح أن استخدام السلاح الصاروخي ضد أهدافٍ مدنية في إسرائيل، كان الأمر الأبرز إبّان الحرب الراهنة؛ إذ تم إطلاق القذائف من قبل حزب الله صوب المستوطنات في شمال إسرائيل، وهنا يشار إلى أن حركة حماس هي الأخرى تستخدم أسلحةً متخلفةً وبدائية جداً تُطلقها من قطاع غزة باتجاه المستوطنات القريبة من قطاع غزة، إن هذه المقالة هي عبارةٌ عن دراسةٍ لطبيعة وميزات القذائف الصاروخية وطبيعة تفعيلها والانعكاسات الناجمة عن استخدامها، والأمل في تطوير وسائل مضادة أخرى لاعتراضها. 

ميزات الأسلحة الصاروخية

يتم استخدام الأسلحة الصاروخية من قبل الجيوش النظامية لاحتياجاتٍ خاصة، وهي لا تشكل لدى أي جيشٍ في العالم العمود الفقري للدعم المدفعي، أي أن الجيوش لا تزال تعتمد على المدافع المنقولة أو المتحركة حتى يومنا هذا، إذن لماذا يفضل حزب الله استخدام الأسلحة الصاروخية تحديداً؟

أولاً: منصات إطلاق الأسلحة الصاروخية من حيث الإنتاج والتفعيل سهلة جداً؛ حيث يتم إطلاق الصاروخ من أنبوبٍ غير ثقيل مصنوعٍ على شاكلة أنبوب مدفعٍ مقوى، لكنه خلافاً لقذيفة المدفع ليس مرتداً، وبالتالي ليس بحاجةٍ إلى جهازٍ مركب لوقف الارتداد، كما هو حال أنابيب المدافع، كما أن بالإمكان تركيب أنابيب إطلاقٍ كثيرةٍ على شاحناتٍ أو على سيارة جيب، إضافة إلى أن هناك أنابيب إطلاق يمكن نقلها على ظهور البهائم، أو على ظهر جندي من الجنود.

ثانياً:  يوفرالسلاح الصاروخي غطاءً نارياً لمسافاتٍ أطول من السلاح المدفعي العادي، (قذائف غير موجهة فعالة حتى مدى 100 كم بشكل عام)، فعلى سبيل المثال؛ قامت جيوش حلف وارسو بتفعيل قذائف Frog 7 لمسافة 70 كم، كما أنه يتم حالياً في أنحاء مختلفة من العالم إنتاج نظم أسلحةٍ مثل Smerch الروسية (لمدى 70 كم) أو WS.IB الصيني الذي يصل مداه إلى 180 كم.

ثالثاً: يتم استخدام السلاح الصاروخي للتغطية السريعة والمكثفة، أي أن منصة إطلاقٍ روسيةٍ من نوع BM.21 قادرةٌ على إطلاق 40 قذيفة من عيار 122 ملم خلال أقل من دقيقة، وبالتالي فإن كتيبةً من 12 منصة قادرةٌ على إطلاق 480 قذيفة نحو هدفٍ واحد خلال أقل من دقيقة.

رابعاً: يستخدم السلاح الصاروخي لاحتياجاتٍ خاصة، فعلى سبيل المثال يتم في العالم إنتاج نظم أسلحةٍ عدة، تشتمل على قذائف ثقيلةٍ جداً ذات مدى إطلاق قصير (1-4 كم)، بغرض إخلاء حقول الألغام مثلاً.

نواقص الأسلحة الصاروخية

أولاً: كما أسلفنا، فإن القذائف الصاروخية أقل دقة من القذائف المدفعية بشكلٍ عام.

ثانياً: إنتاج قذائفٍ ذات مستوى دقةٍ معقول يحتاج إلى خبرةٍ خاصة، وعندما يتعلق الأمر بقذائف ذات مدى أطول فإن عملية الإنتاج تكون أكثر تعقيداً.

ثالثاً: إن عملية إطلاق القذائف تُحدث كميةً كبيرةً جداً من النار والدخان، ويبدو أن هذا هو العيب الأكبر فيها، مما يجعل من السهل على العدو كشف مكان إطلاقها فوراً، وبالتالي فإن على من يقوم بإطلاق هذه القذائف مغادرة المكان فوراً مع انتهاء عملية الإطلاق، لكن من جهةٍ أخرى يجب الاعتراف بأن سهولة حركتهم تسهل الأمر جداً من جهةٍ أخرى، وفي حالات قوات حرب عصابات يمكن بتفعيل بضعة أنابيب وضع عدة منصات في منطقةٍ ما، وتوجيهها نحو الهدف، وتفعيلها بواسطة جهاز تحكمٍ عن بعد أو بواسطة جهاز توقيت، للحيلولة دون اكتشافهم من قبل العدو ومباغتتهم بنيرانٍ مضادة.

من هنا سيكون من السهل على الطرف المهاجم التحرك بسرعة، والاختباء وإطلاق النار والفرار إلى أماكن اختباءٍ أخرى، وهذه ميزةٌ ليست متوفرةً في بطاريات الصواريخ العادية، حيث من الصعب جداً إخفاؤها.

هل من الأفضل تطوير وسائل لاعتراض القذائف الصاروخية؟

كما أسلفنا فإن السلاح الصاروخي ليس دقيقاً (مستوى الدقة المعقول هو الانتشار على مدى 1% - 1.5%)  وضمن المدى القصير نسبياً، يمكن تفعيله ضد أهدافٍ ميدانيةٍ محددة، إلا أنه على المدى الأطول لا جدوى من توجيهه نحو أهدافٍ محددة، ومن هنا يتحدد هدفه الرئيس خلال الحرب الراهنة بأنه "سلاح إرهابٍ" ضد التجمعات السكنية.

صحيح أن زعيم حزب الله حسن نصر الله قد حاول خلال إحدى تصريحاته الادّعاء بأنه امتنع قصداً عن إطلاق قذائف صوب المعامل الكيماوية في خليج حيفا، للحيلولة دون حدوث عملية قتلٍ جماعي، ولكن من الواضح أن قصف حزب الله كان موجهاً بالدرجة الأولى ضدّ التجمعات السكنية، كما أن قذائف القسام لحماس التي تطلق من منطقة الجنوب هي الأخرى موجّهة ضدّ التجمعات السكنية لأسبابٍ مماثلة، ويشار هنا إلى أن هذا الاستخدام هو الذي حوّل السلاح الصاروخي إلى تهديدٍ استراتيجي خطير لا يمكن للحكومة السكوت عنه.

لقد تمّت خلال الأعوام الأخيرة دراسة إمكانية اعتراض القذائف الصاروخية، وبالتحديد كأمرٍ ثانوي لفكرة اعتراض صواريخ بالستية عابرة للقارات، ابتداءً من النظام الأمريكي "Sprint" إبّان الستينات، ومزوداً بنظام "حيتس" الإسرائيلي والنظم الدفاعية المضادة للصواريخ البالستية التي تعكف الولايات المتحدة على تطويرها حالياً، إلا أن اعتراض قذائف مدفعية يعد أمراً في غاية التعقيد للأسباب التالية:

أولاً: لأن مدة تحليق القذائف الصاروخية قصيرة نسبياً (حوالي دقيقة إلى اثنتين لمدى 20  40 كم).

ثانياً: نهايتها بطيئة، كما أنها تشكل من حيث المساحة الخاصة بالرادار أهدافاً صغيرةً جداً، عدا عن أن معظم تحليقها يقع ضمن مدى تحليق مسارٍ بالستي دون محرك

ثالثاً: يتم إطلاقها برشقاتٍ كبيرةٍ غالباً، وإن عملية الاعتراض ستتضمن المس بعددٍ كبيرٍ من الرشقة، لكن سيكون المُهاجم طيلة الوقت قادراً على إغراق النظام الدفاعي للمدافع بأعدادٍ كبيرة جداً من القذائف، إضافةً إلى ذلك، ومن خلال عملية تحليلٍ اقتصادي محسوب فإن الضرر الناجم عن هذه القذائف ليس كبيراً؛ إذ أن الانتشار الكبير في منطقة الهدف من جهة، وانتشار العناصر التي من شأنها أن تُصاب في المنطقة المضروبة من جهةٍ أخرى، تجعل الأغلبية المطلقة من هذه القذائف تصيب مناطق مفتوحةً دون إحداث أيّ ضرر، في حين أن الجزء الأصغر فيها يحقق الإصابة فعلاً، بل يؤدي إلى الإصابة بالجروح والقتل أيضاً.

وقد تمثلت هذه الحقيقة في شمال البلاد خلال الأسبوعين الأخيرين، إلا أن للحساب البارد لا توجد أي قيمة، عندما تواجه قيادة الدولة وضعاً يتعرض فيه مواطنوها للإصابة بنيران العدو في منازلهم.

إن عملية حسابٍ كهذه ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار كلفة تطوير منظومة اعتراض القذائف، ومنها اقتطاع كلفة اعتراض قذيفة واحدة، ويشار هنا إلى أن هذه الحسابات هي التي أسقطت حتى اليوم فكرة تطوير منظومة اعتراض قذائف المدفعية مثلاً؛ إذ لا يعتقد شخصٌ واحدٌ بجدوى استثمار مئات ملايين الدولارات في تطوير منظومةٍ كهذه، ولكن عندما يتم إطلاق القذائف نحو المدن، وتمارس الضغوط السياسية على قيادة الدولة، فإن هذا الاعتبار يتخذ طابعاً آخر، فالاعتبار البارد للضرر المتوسط الناجم عن قذيفةٍ واحدة يزول في حال تعرض المواطنين للإصابة، أما بالنسبة للقيادة السياسية فإن حقيقة إمكانية وجود تكنولوجيا لاعتراض القذائف الصاروخية – مهما كانت صغيرة- يشكل عاملاً حاسماً؛ لأن هذه القيادة بدون ذلك ستشعر بعدم قدرتها على الوقوف في وجه أي ادّعاء موجهٍ إليها أياً كان، كاتهام "كان بإمكانكم ولم تفعلوا".

 من هنا فإن قضية إطلاق القذائف الصاروخية مرةً أخرى لها تأثيرٌ كبيرٌ على القرارات السياسية والعسكرية، وتأثيرٌ كبير الوزن من الناحية المادية  أيضاً، لأن إسرائيل من خلال هذه الاعتبارات تحديداً قد بدأت العمل على تطوير منظومة مثل منظومة "ناوتيلوس" وهي منظومة ليزر كيماوية، هدفها المعلن هو اعتراض صواريخ على غرار تلك التي أطلقت على المناطق الشمالية، لكن هذه المنظومة لم تتقدم وتتجاوز منظومة التجربة الثقيلة، وبالتالي تم وقف عملية التطوير لاعتباراتٍ اقتصادية.

يبدو أنه في أعقاب المعارك الأخيرة على الشمال قد زاد الأمل في تخصيص الأموال لتطوير هذه المنظومة أو منظومات مماثلة لتحقيق الغرض نفسه، لكن الاعتبارات التقنية المحضة لا تبرر مثل هذا الاستثمار، أما عندما نُدخل في الحساب عدداً من الاعتبارات الأخرى -لا سيما الاعتبار السياسي- فإن مثل هذه الاستثمارات ستكون شرعيةً أكثر.*

سابعاً: الدبلوماسية الدولية

استراتيجية جديدة لشرق أوسط مختلف

أوري باريوسف

إِن المواجهة مع حزب الله هي من نوعٍ جديدٍ جداً، وذلك وفقاً للكثير من المقاييس مثل: طبيعية الخصم، والعلاقات التبادلية بينه وبين الدولة المستضيفة له والدول الداعمة له، ونوع القتال، واستخدام الوسائل القتالية، وعلاقات الجبهة، والجبهة الداخلية، ومدة المعركة، وتأثير وسائل الإعلام على المعنويات الوطنية، وعلى طريقة إدارة حرب جيش الدفاع الإسرائيلي (وربما حزب الله أيضاً)، وأمور أخرى ايضاً.

ولكن على المستوى الأساسي يبدو أن هذه المواجهة تعكس تغييراً دراماتيكياً في أفق التهديدات، وفي فرص إسرائيل في المنطقة، إذ تخوض إسرائيل لأول مرة حرباً ضد جهة تمثل إلى حد ما إيران، ومن الواضح أن لنتائج هذه المواجهة تداعيات وأبعاد حول صورة إسرائيل، وأبعاد عملية مؤثرة ليس على مكانة إسرائيل في المنطقة فقط، بل وعلى قدرة إيران  في إظهار القوة مباشرة أو بواسطة مبعوث لتحقيق أهدافٍ إقليمية ودولية أيضاً، وهذا هو السبب المحوري الذي يحشد دعماً عالمياً غير مسبوق للأهداف الإسرائيلية الآتية، الرامية إلى إضعاف قدرة حزب الله العسكرية بشكل كبير، وبما في ذلك الدعم المتلقى من مصر والسعودية والأردن.

ومن جهة أخرى، يمكن الآن القول: أن العمل العدواني الذي قام به حزب الله وأشعل به المواجهة الراهنة ليس خطأ من جانب نصر الله وقيادته فقط، وإنما هو خطأ ارتكبته القيادة الإيرانية، التي يمكن الاعتقاد والقول بأنها كانت على علمٍ بهذه الخطوة المتوقعة، كما كان بإمكانها أيضاً أن تمنعها؛ وذلك لأن الكمين الذي نصبه حزب الله في الثاني عشر من تموز، قد كشف للعالم كله وبشكل واضح جداً مدى استعداد إيران لدعم خطواتٍ هجوميةٍ خطيرة من قِبل رسولها أو ممثلها ضد خصمٍ قوي -كما هو واضح اليوم- من أجل تحقيق إنجازاتٍ دعائية تعزز مكانة إيران بمثابة قوة لها وزنها في المنطقة.

من هنا وعلى خلفية هذا الدعم غير المتحفظ من قبل إيران، لخطوةٍ عدوانية من جانب حزب الله والتي ندد بها العالم كله، فإن السؤال الذي يطرحه كل عاقلٍ في العالم -وبطبيعة الحال جيران إيران أيضاً- هو: إذا كانت إيران تتصرف بطريقة غير مسؤولة على هذا النحو في الوقت الذي لا تملك فيه قدرة نووية -حيث أنها تتواجد في مرحلة حساسة جداً، ويُطلب منها التصرف بحذر شديد لحصولها على هذه القدرة- فكيف يمكن لها أن تتصرف عندما تمتلك قدرات نووية؟

إن المواجهة الراهنة من شأنها أن تظهر أنها خطٌ فاصلٌ في تاريخ الصراع        العربي -الإسرائيلي، إلى جانب أنها عمليةٌ متواصلة من تآكل قدرة ودافع الدول العربية على تشكيل تهديدٍ وجودي لإسرائيل، كما أنها تلقي بظلالها على زيادة معدل تطوير إيران لقدرتها النووية منذ أكثر من عقد من الزمن، وبالتالي فإن وجود أسلحةٍ نوويةٍ فاعلة بأيدي إيرانية سيؤدي منذ الأسابيع الأولى لوجودها، إلى خلق وضعٍ يجعل إسرائيل تعيش في ظل تهديد فعلي ينذر بالقضاء عليها، ويشار هنا إلى أن هذا الخطر يفوق كل خطر يهدد أمن إسرائيل، مما يعني أن على إسرائيل أن تفعل كل ما بوسعها لمنع وقوع مثل هذا الأمر.

ومن منطلق الافتراض أن المواجهة الراهنة تشكل مثالاً حول استعداد إيران للقيام بمغامرات في المنطقة، فإنها تشكل في الوقت نفسه مؤشراً واضحاً على طبيعة البيئة الاستراتيجية الجديدة غير المستقرة والمُهدَدة أيضاً، التي ستنشأ في حال أصبحت إيران قوة نووية، ومن جهة أخرى وفي ظل حقيقة أن للعالم كله وبالتحديد الدول العربية المجاورة لإيران مصلحةٌ في منع نشوء مثل هذه البيئة، فإنه يمكن أن تتخلق هناك فرص جديدة لإسرائيل.

ما هو الهدف الاستراتيجي لإسرائيل في ظل الوضع الجديد؟

تتواجد في العالم العربي عناصر متطرفة لا تعتلي سدة الحكم، كما أن هناك محوراً لإيران يتكون من ثلاث مجموعات: حزب الله، وجهات متطرفة مشاركة في الحكم داخل السلطة الفلسطينية، وسوريا، وبالتالي فإن الهدف المركزي الاستراتيجي لإسرائيل، ينبغي أن يتركز على عزل إيران من خلال فصل فلسطين وسوريا عن الحبل السُرِّي الإيراني؛ إذ لا جدوى في هذه المرحلة من المحاولة، وبذل الجهود العسكرية والسياسية ضد حزب الله، لأن إسرائيل لا تمتلك القدرة على التأثير الفعلي على أهداف هذا الحزب الاستراتيجية النابعة من عقيدةٍ لا تعرف المساومة، كما أن عملية فصل إيران عن الفلسطينيين وسوريا ستؤدي إلى ذبول حزب الله كقوةٍ عسكريةٍ ذات أهمية، لكن كيف تصل إسرائيل إلى هذا الهدف؟

بالنسبة لإسرائيل، فإن السبيل لعزل إيران يمر عبر إنهاء الصراع مع الفلسطينيين وسوريا، وثمن إنهاء المواجهة مع الفلسطينيين معروف وهو: الانسحاب من يهودا والسامرة من خلال تعديلات حدودية طفيفة، بواسطة تبادل أراضٍ وتسويةٍ إقليميةٍ عملية في القدس، كما أن ثمن إنهاء المواجهة مع سوريا معروفٌ هو الآخر وهو: العودة إلى الحدود الدولية، أو إلى خط الرابع من حزيران عام 1967.

إن الطريق إلى إنهاء النزاع مع الفلسطينيين وقطع العلاقة بينهم وبين إيران، ينبغي أن يبدأ بتعزيز الأطراف المعتدلة في السلطة الفلسطينية، لكن حقيقة أن إسرائيل ترفض دائماً التحدث مع الأطراف المستعدة للجلوس معها -بما في ذلك جهاتٌ من حماس قبلت وثيقة الأسرى- من شأنها أن تعزز صورة إسرائيل الرافضة لأي تسوية لإنهاء أو تخفيف أو تليين النزاع، مما يخدم مصلحة العناصر الفلسطينية المتطرفة ويعززها، وفي المقابل فإن الشروع في حوارٍ يكون مصحوباً بوقف إطلاق للنار وتبادلٍ للأسرى، وتبدأ إسرائيل بعملية الإفراج الانتقائي عن فلسطينيين يؤيدون مبادئ الوثيقة، وبالدرجة الأولى مروان البرغوثي، وممثلي حماس، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، والجهاد الإسلامي الذين وقعوا على الوثيقة، وهذا الأمر سيساعد في تعزيز طبقة قيادة قوية وذات مصداقية نسبياً ملزمة بالتعايش مع إسرائيل، وفي موازاة ذلك فإن إجراءً كهذا سيضعف الجهات المتطرفة في المجتمع الفلسطيني من المعارضين للعملية السياسية.

ومن جهة أخرى، فإن إعلان إسرائيل عن استعدادها لقبول الهدف النهائي لخارطة الطريق كقاعدة للمفاوضات، سيضع الأساس الفعلي لمواصلة العملية التي ستكون صعبة ‑بطبيعة الحال- وتنطوي على تقلباتٍ بل وربما يواكبها تفجر أعمال عنف، ولكن رغم هذا كله فإن هناك أملاً.

أما الطريق لفصل العلاقة بين سوريا وإيران فيمر هو الآخر إلى حدٍ كبير عبر الملعب الإسرائيلي، فالأسد الابن ملزمٌ ربما أقل من أبيه بإعادة هضبة الجولان، ولكن من الواضح أن سوريا ستواصل المواجهة مع إسرائيل طالما لم تستعد أراضيها، وعلى صعيد آخر فإن التجربة التراكمية منذ التوقيع على اتفاق فصل القوات مع سوريا عام 1974 قد علمتنا أنها وجدت سبلاً مختلفة، لاسيما عن طريق لبنان وتجاوز تفوق إسرائيل العسكري، ومواجهتها بواسطة مبعوث، لا يوجد هناك سبب يفترض إمكانية تغيير الوضع القائم، طالما بقيت الجولان خاضعةً للسيطرة الإسرائيلية، إنه العكس تماماً، أي أن مواصلة المواجهة مع سوريا سيسهم في تعزيز المحور الذي شكلته إيران معها، والذي من شأنه أن يؤدي في نهاية الأمر إلى تواجد قواتٍ عسكريةٍ إيرانية على خط الجبهة السورية أمام إسرائيل، كما أنه من الواضح لنا أن استمرار هذه المواجهة يعزز المصلحة السورية في تقديم الدعم لكل طرف معادٍ لإسرائيل في المنطقة، ويضع العراقيل في وجه تقدم العملية السياسية مع الفلسطينيين.

أما بشأن الأخطار الكامنة في مثل هذا الإجراء، فإن حقيقة كون ثلاثة رؤساء حكومة أمنيين سابقاً (رابين، نتنياهو، براك) قد أبدوا استعداداً لإعادة هضبة الجولان إلى سوريا ضمن اتفاقية سلام، هي بمثابة تعبيرٍ واضح عن أن الاعتبارات التي حالت دون التوصل إلى مثل هذا الاتفاق لم تكن اعتباراتٍ أمنية بل اعتبارات أخرى.

وأود التنويه إلى أن  كل ما قلته حتى الآن، لا يعني أنه يلقي مسؤولية التصدي لإيران فقط على إسرائيل وحدها، أو أن الأمر مرتبط بها فقط، بل إن هناك عمليات وإجراءات داخلية عربية وتغيرات خارجية -لاسيما من جانب الولايات المتحدة أوروبا روسيا الصين- إضافةً إلى إجراءاتٍ داخليةٍ إيرانية سيكون لها وزن كبير وهام جداً إزاء تحديد وصيانة صورة الشرق الأوسط خلال الأعوام المقبلة، إلا أن أحداث الأسابيع الأخيرة تشكل برهاناً على الخطر الوجودي المرتبط بتصاعد قوة إيران، خاصةً إذا امتلكت هذه الدولة قدرة نووية.

من هنا، فإنه ينبغي على إسرائيل أن تبذل قصارى جهودها بما في ذلك أن تبدي استعداداً لدفع أثمان ظلت حتى اليوم أثماناً غير معقولة أو غير ضرورية من أجل درء هذا الخطر عنا، إن إنهاء الصراع مع العالم العربي، وإيجاد نظام تحالفاتٍ غير رسمية مع الأطراف الوسط في المنطقة من شأنه أن يشكل دوراً كبيراً في وقف إيران، هذه الاستراتيجية تبدو لنا أنها الاستراتيجية الأكثر أماناً بالنسبة لإسرائيل لمواجهة الخطر الذي يتهددها.

حرب إلى هنا دبلوماسية متخلفة أو دبلوماسية الآن

روني بيرت

غابت عن بالنا خلال الأيام الأولى للعملية العسكرية بسبب البيئة الدولية الداعمة، حقيقة أن الدبلوماسية الإسرائيلية باتت في حكم المتخلف عن الجيش الإسرائيلي وعن التطورات الدولية.

ففي اليوم السادس للعملية وقفت وزيرة الخارجية أمام آلات التصوير، وأعلنت بنبرة مثيرة قائلة (حان الزمن السياسي).

إن هذا الإعلان يعكس عدم فهم النظام في إسرائيل للزمن السياسي، الذي كان ينبغي أن يصل قبل بدء العملية، وبطبيعة الحال مع بدايتها، وبودي سرد قائمة للأمور التي لم نقم بها أو التي فعلناه متأخرين:

1-  في اليوم الأول للعملية وقف قادة جيش الدفاع الإسرائيلي أمام المجلس الوزاري الأمني السياسي المصغر، وعرضوا عليه خططاً وبدائل تم إعدادها مسبقاًً للمصادقة عليها، لكن مسؤولي وزارة الخارجية لم يُدعوا إلى نقاش موازٍ (عدا عن أنه ينبغي أن يكون مشتركاً)، ولو دُعوا لما كانت في جعبتهم خطط جاهزة على ما يبدو.

2-  قبل بدء الهجمات والغارات لم يوجه أي خطاب رسمي لرئيس حكومة لبنان، لتحمل المسؤولية، ولم يتم تقديم شكوى لمجلس الأمن، كما لم تجر أي اتصالات مع جهات أخرى (والمفاجأة التي تحققت من خلال ضخامة الهجوم، ما كانت لتضر لو بدأ الهجوم متأخراً بحوالي 72 ساعة).

3-  عندما تبين خلال اليومين الأوليين (وهذا أمر مفاجئ)، أن المجتمع الدولي يقف إلى جانب إسرائيل بالمطلق، إزاء الشروط الخاصة بوقف القتال ضمن تسوية جديدة في لبنان لم تطرح إسرائيل اقتراحاً لوقف إطلاق النار، كما أنها لم تستجب لمبادرات حول هذا الموضوع، حتى موعد كتابة هذه السطور، وذلك رغم أن الموافقة على وقف لإطلاق النار لن تؤدي إلى وقف العملية العسكرية، لأن لبنان ما زال يعارض رسمياً الشروط المقبولة لدى العالم.

لقد كان واضحاً منذ البداية أن نطاق العملية العسكرية سيؤدي إلى سقوط مئات القتلى وتهجير آلاف اللاجئين الداخليين، ونزوح عشرات آلاف الأجانب، وإسرائيل لم تبادر إلى وقف إطلاق للنار من دافع إنساني بل اضطرت إلى الموافقة عليه جراء نداءات وضغوطات.

كيف كان ينبغي للدبلوماسية أن تُدار لو جاءت في الوقت المناسب؟ من أجل النقاش الحالي سنتجاهل التقصير القائم منذ ست سنوات، حيث مكنت إسرائيل من خلاله حزب الله من بناء نظام يهددها في لبنان، وليس هذا فحسب، بل سمحت للأسرة الدولية بتجاهل التزاماتها، وفرض تطبيق قراري 425 و 1559 على لبنان، كما أننا نتجاهل في ذات الوقت عدم وجود سياسة مبلورة مشتركة في إسرائيل، مما يعني أن هناك شكاً في إمكانية حدوث تغير دبلوماسي على التخطيط العسكري، رغم أن من شأن الثاني خدمة الأول:

أولاً: كان ينبغي على وزارة الخارجية أن تعد خطة جاهزة في الدُرج حول كيفية العمل والتحرك في حال اندلاع حوادث محلية أو عامة في الشمال، والأهم من هذا  كان يجب على وزيرة الخارجية أن تطلب وبإصرار عدم الرد الفوري بهجوم عسكري، باستثناء نشاط محدد في إطار محاولة (فشلت) لعزل منطقة اختطاف الجنديين، وبدلاً من ذلك كان ينبغي على إسرائيل التوجه إلى حكومة لبنان ومجلس الأمن والمطالبة بالتدخل الفاعل وتحديد ذلك بمدة زمنية محددة (48 – 96) ساعة، وبما أن حكومة لبنان للأسف الشديد وحزب الله بتحديه الواضح لم يكونا على استعداد للقبول بأدنى الشروط، فإن العملية العسكرية كانت ستبدأ بعد بداية (الزمن السياسي)، ومن الناحية العسكرية لم يكن للتأجيل أي قيمة، أما من الناحية الدبلوماسية فإن مكانة إسرائيل كانت ستتعزز بشكل لا نظير له، عدا عن أن مهلة زمنية من هذا القبيل ستسمح لإسرائيل بعمل ما هو مطلوب على الصعيد الإنساني، كما كان على إسرائيل أن تعلن بأنه في حال فشل الجهود الدبلوماسية فإنها سوف تبدأ بحملة جوية متواصلة، وبالتالي توصية جميع الحكومات الأجنبية إلى المبادرة فوراً لإنشاء قطار جوي ونقل رعاياها، كما كان يجب دعوة سكان جنوب لبنان إلى الفرار شمالاً قبل بدء عمليات القصف، بدلاً من القيام بذلك في ظل إطلاق النار، فهذا ليس واجباً أخلاقياً إنسانياً فقط، وإنما كان سيساهم في بناء صورة سياسية جيدة لإسرائيل.

(وتجدر الإشارة هنا، إلى أن المجال الإنساني يخص مواطني دولة إسرائيل أيضاً، إذا كان ينبغي استغلال المهلة الزمنية في بداية العملية لتهيئة استعداد أفضل في الجبهة الداخلية المدنية في المناطق الشمالية، وهو الواجب الذي تجاهلته الحكومة بقرارها من خلال الشروع الفوري في عملية هجومية عسكرية واسعة النطاق).

ثانياً: فور الشروع في العملية العسكرية كان ينبغي على إسرائيل أن تطرح على مجلس الأمن اقتراح قرارٍ لوقف إطلاق النار، إن أمراً من هذا النوع ما كان ليسلب من إسرائيل الوقت المطلوب لعملية عسكرية، لأن معارضة حزب الله ولبنان، كانت ستحول دون اتخاذ قرار أو تطبيقه.

منذ اليوم الأول كانت إسرائيل في حالة نادرة؛ ففي حال قبول وتطبيق وقف إطلاق النار وفق شروط إسرائيل (والتي تقبل بها الأسرة الدولية)، فقد تم تحقيق الإنجاز السياسي للعملية، وفي حال عدم قبوله أو رفض تطبيقه، فإن المسؤولية تقع في هذه الحالة على لبنان وحزب الله، أي سبب كان يدعو إسرائيل إلى عدم المبادرة لوقف النار، وعدم الاستجابة إلى نداءات رئيس حكومة لبنان السنيورة أو الدول الثمانية، أو أمين عام الأمم المتحدة، مع أننا قادرين بطبيعة الحال على العودة وشن هجمات عسكرية، في حال فشل هذا الإجراء؟

والآن لم يعد الوقت متأخراً أيضاً، أي يجب على إسرائيل أن تفعل الآن ما لم تفعله في السابق، وبإمكانها أن تقدم لمجلس الأمن مشروعاً إسرائيلياً لوقف لإطلاق النار، وبالدرجة الأولى من منطلق الأمل، على أن تساهم هذه الخطوة في دفع الدبلوماسية نحو تحقيق الأهداف السياسية للعملية العسكرية: أي تطبيق قرار1559 ؛ لأن عدم تقديم مثل هذا الاقتراح سيجعل حكومة لبنان هدفاً ليس للدعم السياسي الدولي فقط، وإنما للضغوط والعمل على إضعاف صورة إسرائيل كمن تدق طبول الحرب، وبموازاة ذلك بالإمكان القيام بخطوتين إنسانيتين: وقف إطلاق النار لمدة محددة زمنياً في جميع المناطق التي يفر منها السكان من جنوب لبنان (حتى لو كان الثمن تسلل مقاتلين وأسلحة)، وفتح مطار بيروت أمام قطار جوي لصالح الأجانب الفارين، وبطبيعة الحال فإن بالإمكان - بل ويجب - مواصلة شن الهجمات ضد حزب الله في كل مكان، لأن هذا أمر ينبغي علينا القيام به وبشكل مؤثر.

يمكن القول إن المسار الدبلوماسي مهمل من جانب حكومة إسرائيل، جراء غياب التفكير والحساب المنظم، نحن الآن في وضعية نادرة، حيث نحظى بالدعم والتأييد الدبلوماسي الذي لا سابقة له، ولكن بدلاً من استغلاله واستثماره، فإننا نعمل على إغفاله وتجاهله، إننا بذلك نظهر وكأننا فاشلون أخلاقياً على الصعيد الإنساني، بل إننا بذلك نمس بصورتنا، لقد آن الأوان لأن نغير الاتجاه، كما أنه حان الوقت السياسي ولكن الوقت الحقيقي والفعلي.

هل المطلوب تغيير اتجاه في مواقف إسرائيل إزاء لبنان

زاكي شلوم

لقد وصلت حرب لبنان إلى مرحلة تلزمنا بالتفكير حول ضرورة إحداث تغيير في الاتجاه على الصعيدين السياسي والإعلامي، فلقد اتضح بعد ثلاثة أسابيع من الحرب أن دولة إسرائيل وقوتها الأمنية غير قادرة على إحداث حسم استراتيجي، يشير على الأقل إلى نوع من الانتصار الإسرائيلي الظاهري على حزب الله، ويشار هنا إلى أنه إِبّان حرب الغفران التي وقعت في ظروف قاسية من المباغتة الكبرى وخاضتها أقوى دولتين عربيتين هما مصر وسوريا، لم ينشأ دافع كهذا منذ أمد طويل بعد اندلاع الحرب؛ إذ أن دولة إسرائيل تقف الآن في وجه قوة صغيرة أقل بمئات الأضعاف من قوة سوريا ومصر، ولكن على الرغم من هذا كله تعجز إسرائيل عن إيجاد صورة واضحة من الحسم.

ينبغي علينا خلال هذه المرحلة من المعركة التفكير ملياً حيال ضرورة إحداث تغيير في الاتجاه على الصعيدين السياسي والإعلامي، ولقد أوضحت دولة إسرائيل منذ البداية أن الحرب التي تخوضها ليست موجهة ضد حكومة لبنان والشعب اللبناني، وإنما ضد تنظيم حزب الله فقط، أما الرسالة السرية في هذا الإطار فإنها تتحدث عن هدف مماثل لكل من إسرائيل ولبنان على المستوى الاستراتيجي، أي تصفية حزب الله أو على الأقل إضعاف قوته بشكل واضح، ورغم أن هذا هو المعنى الضمني الذي تنطوي عليه الرسالة، إلا أنه خلافاً لإسرائيل التي تقاتل حزب الله علناً وبكل قوتها تقريباً، فإن حكومة لبنان تعمل ضمن هذا السياق بأيدٍ مكبلة، بل وإن حكومة لبنان لها مصلحة واضحة في أن تمس إسرائيل بحزب الله، إلاً أنها تخشى حقاً الكشف عن هذا الطموح السري، إضافة إلى عدم الرغبة في مواجهة علنية ومباشرة مع حزب الله، وذلك للأسباب الرئيسية التالية:

1.  تدرك حكومة لبنان جيداً أن الأمر يتعلق بتنظيم ذي قوة عسكرية لا يُستهان بها، وأن عناصره تعمل على مستوى عالٍ جداً من المهارة والدوافع، كما أن عليها أن تفترض أن أملها في الخروج من المعركة ويدها هي العليا ضئيل جداً.

2.  عدا عن ذلك، فإن حزب الله متأصل بل متجذر في المجتمع اللبناني، كما يحظى بدعم شعبي واسع ليس جراء حربه مع إسرائيل المتكررة، بل جراء نشاطاته الاجتماعية‑ الاقتصادية، وإن أي مواجهة مع الحزب من شأنها أن تحدث شرخاً عميقاً في البنية السياسية الطائفية الحساسة القائمة في لبنان.

3.  أخيراَ فإن حزب الله يحظى بدعم واسع من قبل دولتين لهما وزن وقوة إقليمية كبيرة؛ هما إيران وسوريا، وبالتالي فإن أي مواجهة مباشرة معه، من شأنها أن تزج بلبنان إلى مواجهة مع هاتين القوتين الإقليميتين.

عدا عن ذلك، لقد أوضحت إسرائيل أنها بامتناعها عن العمل ضد لبنان وضد مصالحها وبناها التحتية، تكون بذلك قد استجابت لدعوة الإدارة الأمريكية التي ترى في لبنان والحكومة اللبنانية حليفاً لها، وتطلب من إسرائيل بإلحاح الامتناع عن القيام بنشاطات تضر بالمصالح والبنى التحتية اللبنانية، كما أوضح المسؤولون الأمريكيون وعلى رأسهم الرئيس جورج بوش، أن مثل هذه النشاطات، من شأنها أن تزعزع استقرار الديمقراطية اللبنانية الهشة بطبيعة الحال، حيث أن لإسرائيل والولايات المتحدة مصلحة حيوية في بقاء هذه الديمقراطية.

من هنا فإن على إسرائيل أن تركز نشاطها ضد كل من إيران وسوريا وحزب الله، كما أن دولة إسرائيل التي تواجه حملة دولية انتقادية كبيرة جداً، بل عدائية لا مفر أمامها سوى الاستجابة لطلب الإدارة الأمريكية التي تقف وحيدة تقريباً كحليف مخلص لإسرائيل في الساحة الدولية.

يبدو أن الظروف الناشئة الآن على الساحة الميدانية القتالية اللبنانية، تلزم بإعادة النظر والتفكير مرة ثانية بشأن الحكمة المرتبطة بمواصلة تبني مواقفٍ سياسيةٍ إعلامية من جانب إسرائيل خلال الأزمة الراهنة كما أشرنا سابقاً.

يبدو لنا أن حكومة لبنان كما نشاهد كل يوم ترفض وبشكل لاذع بل باشمئزاز أي تلميح أو غمزة من إسرائيل، إزاء التحالف السري القائم بينها وبين لبنان في وجه العدو المشترك حزب الله، حتى أنها لا تحاول إبداء التحفظ إزاء نشاطاته الحربية ضد إسرائيل، أو على الأقل إلقاء جزء من مسؤولية التسبب في الدمار والخراب الذي لحق بلبنان جراء الحرب، عدا عن أن رئيس حكومة لبنان يكرر كيل المديح والثناء لحزب الله ولما فعله من أجل لبنان.

من هنا، فإن مثل هذا السلوك الخطير والساخر من جانب حكومة لبنان، لا يثير سوى الاستغراب في ظل حقيقة أن شخصيات مختلفة على الساحة السياسية اللبنانية وعلى رأسهم وليد جنبلاط وسعد الحريري قد وقفا علناً وبشكل لاذع ضد حزب الله وقراره بالمواجهة مع إسرائيل على حساب لبنان، على كل حال فسواءً كان الأمر على هذه الشاكلة أو تلك، فإن ردود فعل حكومة لبنان توقع مواقف إسرائيل الإعلامية - السياسية ضمن هذا السياق في إشكالية.

إن مواقف إسرائيل كما فصلناها آنفاً تخلق وضعاً لا يُطاق على صعيد العلاقات بين دولتين يتمتعان بالسيادة، فلبنان لا يستطيع – حتى أنه يحظر عليه - عرض نفسه من جهة على أنه دولة سيادية عضوة في الأسرة الدولية ومحافلها، ومن جهة أخرى السماح بقيام نشاطات مكثفة ومعادية جداً لدولة جارة ليست في حالة حرب معها دون اعتراض.

إن هذه الحالة ظاهرة لا سابقة لها في النظام الدولي، ومن المحظور أن تستمر بهذه الطريقة، لأن مواصلة مثل هذه الحالة التي تظهر إسرائيل فيها متمسكة بموقفها القائل "إنه لا مواجهة لها مع حكومة لبنان" توحي بأن إسرائيل تقبل بمثل هذه الظاهرة، عدا من أن هذه الرسالة بحد ذاتها تجسد في نهاية المطاف قواعد لعبة خطيرة جداً من وجهة نظر إسرائيل حيث سيكون من الصعب جداً عليها تغييرها في المستقبل.

نحن ملزمون بإحداث تغيير في مواقف إسرائيل السياسية والإعلامية حيال لبنان، باتجاه إبراز مسؤوليتها التامة كدولة ذات سيادة عن النشاطات التي تُنفذ من أراضيها ضد إسرائيل، وحتى لو قبلت إسرائيل الاعتقاد والتقدير القائل "إِن لبنان غير قادر على مواجهة حزب الله"،  إلاَّ أنه ليس من الحكمة أن يقبل لبنان القبول بهذا التقدير بشكل رسمي ومؤكد.

أخيراً ينبغي التأكيد على أن التغيير في التعامل السياسي والإعلامي حيال لبنان، وتأكيد مسؤوليتها إزاء النشاط العدائي الذي يُنِفذ من أراضيها ضد إسرائيل -كما يُوصَى بذلك- لا ينبغي أن يقود، ولا نرضى بأن يقود إلى وضع أهداف بالجملة مدنية وعسكرية محضة في لبنان، كجزء من (بنك الأهداف) لجيش الدفاع الإسرائيلي في هذه الحرب، بل يجب أن يكون هناك تمييز واضح بين البعد السياسي والإعلامي وبين البعد العملي.

تسويات محتملة لإنهاء الحرب في الشمال

شلومو بروم

لقد وجدت إسرائيل نفسها خلال حرب لبنان في مواجهة من نوع جديد أمام تنظيم يعد "شبه دولة" في مجالات معينة، حيث أنه يملك قدرة عسكرية لدولة، وبإمكانه تهديد مواطنين مدنيين يقطنون أجزاء كبيرة من دول مجاورة، ورغم هذا كله فإن هذا التنظيم لا يزال يملك مقومات تنظيم إرهابي يمارس حرب عصابات، كما أنه يحظى بحماية السكان المدنيين، وعندما يتعرض لهجوم ما من قبل قوات تفوقه، فإنه يقوم بالانتشار ويختفي أعضاؤه بين الأوساط السكنية، وذلك من أجل مواصلة القتال في صفوفهم.

إنه لا يمكن لحرب لبنان الانتهاء بحسمٍ عسكريٍ ضمن هذا المفهوم المعروف -أي وضع يفقد فيه الخصم الرغبة في القتال، ويكون بالإمكان إملاء وضعٍ سياسيٍ جدّي عليه- كما أنه في حال إخضاع حزب الله في سائر المواجهات العسكرية المباشرة، واحتلال الأراضي اللبنانية كافة، فإن حزب الله سيواصل العمل في هذا البلد كتنظيمٍ سريٍ ضد الجيش المحتل، وبالتالي فإننا سنجد أنفسنا في وضع مماثلٍ لوضع الجيش الأمريكي في العراق لكن في وجه عدوٍ أكثر ضراوة وأكثر تدريباً وأكثر فاعلية، وضمن هذه المقومات من المواجهة، إن النتيجة القصوى التي تطمح إليها إسرائيل هي أن يتلقى حزب الله ولبنان ضرباتٍ مؤلمةٍ جداً، وهذا يعني أن قدرات الحزب على المس بإسرائيل قد تقلصت جداً، وأنه دفع ثمن خروجه عن قواعد اللعبة التي من الممكن أن تحتملها إسرائيل، وبموازاة ذلك دفع لبنان هو الآخر ثمناً يفرز انتقاداتٍ لدى الأغلبية غير الشيعية على الأقل، وذلك من أجل العمل على تغيير الوضع القائم ومحاولة بسط سيطرتها على كافة الأراضي اللبنانية.

من هذا التحليل يتبين لنا -ولكي يكون بالإمكان ترجمة الوضع العسكري إلى تسوياتٍ تؤدي إلى استقرار الوضع على الحدود الإسرائيلية -اللبنانية- أن هناك ضرورةً للمشاركة في فعاليات سياسيةٍ دبلوماسيةٍ تضم إسرائيل، ولبنان، والدول العربية، والأسرة الدولية، ولكن كلما كانت التسويات التي ترغب بها إسرائيل أكثر طموحاً، كان تحقيقها أصعب ضمن هذا الإطار والزمن المطلوب، ومدى الإنجازات العسكرية المطلوبة، كما ستضطر حكومة إسرائيل إلى تحديد أهداف واقعية يمكن تطبيقها ضمن جدول زمني معقول، وعلى أساس إنجازات عسكرية واقعية.

إن الوضع المريح لإسرائيل أكثر، هو تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1559، أي تجريد حزب الله من أسلحته، ليبقى مجرد حركةٍ سياسيةٍ فقط، غير أننا نشك في أن يكون هذا الطموح عملياً؛  إذ أن الشيء الجوهري الذي يملكه حزب الله هو قدرته العسكرية، لذلك فلن من غير المتوقع أن يقبل بتجريده من سلاحه، طالما بات واضحاً له بأنه قد أنهى الحرب ولا يزال يقف على قدميه، ويملك القدرة على إلحاق الضرر بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، عدا عن أن موافقته على تجريده من سلاحه هو بمثابة استسلام، كما أنه لا توجد إمكانية لتجريده من سلاحه بالقوة؛ فحكومة لبنان ضعيفةٌ مجزأة تفتقر إلى الشرعية الشعبية، وهناك قسم كبير من الشيعة المؤيدين لحزب الله يعملون في الجيش اللبناني، إضافةً إلى عدم وجود طرفٍ دولي يتطوع لإرسال قواتٍ عسكريةٍ فاعلة إلى لبنان تساعده في تجريد حزب الله من سلاحه بالقوة، وبالتالي ستضطر إسرائيل في النهاية إلى الاكتفاء بأهدافٍ أكثر محدودية، وستكون هناك حاجة لترتيباتٍ أمنية تعالج مشكلتين أساسيتين؛ الأولى: نشاط حزب الله في جنوب لبنان وتواجده على خط التماس مع إسرائيل، والثانية: نصب قذائفٍ صاروخيةٍ بعيدة المدى في لبنان، وهنا تجدر الإشارة إلى أن مصلحة إسرائيل تقتضي بأن تكون المنطقة الواقعة على طول الحدود معها نظيفةً من أي تواجدٍ عسكريٍ لحزب الله، كما يجب أن يكون توجه إسرائيل بشكل عام، هو المطالبة بإعادة المناطق الجنوبية إلى سيادة الدولة اللبنانية، ونشر الجيش اللبناني في هذه المناطق، إلا أن هناك مشكلةً تكمن في عدم أهلية الجيش اللبناني جرّاء ضعفه، وضعف حكومته التي باسمها يعمل، وكذلك وبسبب العنصر الشيعي القوي فيه.

إن هناك أهميةً رمزيةً كبرى لعملية انتشار جيش لبنان في الجنوب وحتى الحدود، كونه تعبير عن السيادة اللبنانية، وتطبيق جزئي للقرار 1559، رغم ذلك إلا أن هناك ضرورةً لتواجد عنصر قوةٍ آخر يقدم له الدعم على شاكلة قوى دولية.

نحن نعلم أن هناك قوات طوارئ دولية في الجنوب، لكن هذه القوى عاجزةٌ وتفتقر إلى المصداقية، كما أن هناك شكاً في إمكانية قدرتها على القيام بهذه المهمة حتى في حال تعزيزها، ولذلك لعدة أسباب:

‌أ-          أن هذه القوة لا تملك تفويضاً واضحاً، يمنحها صلاحية منع دخول عناصرٍ مسلحةٍ من غير الجيش اللبناني إلى هذه المناطق، واستخدام القوة تجاهها إذا اقتضت الضرورة ذلك.

‌ب-     إشكالية القوات التي تسيطر عليها سكرتارية الأمم المتحدة، والمكونة من عناصر لدولٍ ذات أجندةٍ مختلفة.

‌ج-      الفاعلية العسكرية للوحدات التي ستتكون منها هذه القوة منخفضة، فمن خلال التجربة التراكمية مع القوات الدولية خلال العقود الأخيرة، يتضح لنا أن قوات الأمم المتحدة تكون فاعلة في حال وجود تفويضٍ واضحٍ من مجلس الأمن، يمنح نشاطاتها الشرعية في حال تفعيله من قبل متعهدٍ ثانويٍ فاعل وليس من قبل الأمم المتحدة نفسها، وإذا كانت القوة نفسها قوةً عسكريةً فاعلة، ويوجد هناك نموذجان للمتعهد الثانوي، قاما بتفعيل قوةٍ عسكريةٍ فاعلةٍ مع تفويضٍ واضح:

حلف الناتو في البلقان، والجيش الأسترالي في تيمور الشرقية، من جهة أخرى فإن تواجد قوةٍ دوليةٍ سيكون لها ثمن حتى بالنسبة لإسرائيل، لأن من شأن هذه القوة تقييد حرية عملها في المنطقة التي تنتشر فيها، كما أن من شأنها أن تؤدي إلى احتكاكاتٍ بين إسرائيل وبين دولٍ تخدم وحداتها فيها، بل ربما تكون هذه السبيل غير ناجعة، إلا أنه من الواضح -ضمن الواقع الحالي- أنه دون وجود مثل هذه القوى، ودون علاقةٍ بفحوى الترتيبات التي تنهي الحرب في لبنان، فإن مقاتلي حزب الله سيتسللون مرة أخرى إلى جنوب لبنان، وسرعان ما ستجد إسرائيل نفسها تعود مرةً أخرى إلى نقطة البداية.

‌د-        أما فيما يتعلق بالقيود الخاصة بإدخال قذائف بعيدة المدى، فإنه من الصعب توقع ما إذا كان هذا الطلب عملياً، مع أن هناك أملاً في قبوله، كما ستكون هناك ضرورة لوضع جهاز مراقبةٍ ناجع حتى يتسنى تطبيق مثل هذا الطلب، كما ينبغي أن يكون هذا الجهاز دولياً، وبإمكانه أن يكون جزأ من القوة التي سيتم انتشارها في جنوب لبنان.

هناك مسألة أخرى من المهم مناقشتها، وهي هل لإسرائيل مصلحةٌ في وجود عنصرٍ عربيٍ في القوة الدولية، الجواب ربما يكون هذا الأمر صحيحاً جداً، لا لأن العنصر العربي سيزيد من فاعلية هذه القوة، وإنما ليمنحه الشرعية العربية، وربما تكون هناك جدوى أيضاً في إحياء وتحسين جهاز الحوار، الذي يفسح المجال أمام نقل رسائل وبلورة تفاهماتٍ بين الأطراف ذات العلاقة، وهنا يشار إلى أن مثل هذا الجهاز قد تشكل في أعقاب عملية عناقيد الغضب، واشتمل على عقد لقاءاتٍ بين حين وآخر، ووفق الضرورة، لممثلين من إسرائيل وسوريا ولبنان والولايات المتحدة وفرنسا، كما أن من المفيد إيجاد تفاهمات إزاء قواعد اللعبة بين الأطراف، لأن إمكانية التوصل إلى مثل هذه الحلول، مرهونةٌ بالقدرة على صياغة جملةٍ من الإجراءات العسكرية والسياسية، تجعل كافة الأطراف تقبل بها، ويبدو أن الانجازات العسكرية الضرورية هي:

·        توجيه ضربةٍ قاسية وإلحاق ضررٍ كبير بقوة حزب الله العسكرية، تجعله أو تدفعه بقوةٍ إلى القبول بوقف إطلاق النار وليس لترميم قوته.

·        تقليص قدرات حزب الله على صعيد المس بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، إلى حد إقناع التنظيم، بأن إسرائيل قادرة على مواصلة هذه المعركة، دون أن تدفع ثمناً باهظاً لفترة طويلة، وطالما اقتنع الحزب بأن إسرائيل سترضخ أولاً، فإنه هناك شكاً في إنجاز مثل هذه الترتيبات.

·        إن الأثمان التي يدفعها لبنان، يجب أن تحثه على ممارسة الضغوط المكثفة لوقف المواجهة.

·        القيام بعملية تنظيفٍ كبرى لجنوب لبنان من التواجد العسكري لحزب الله، إذ أن منع دخول عناصر مسلحة إلى المنطقة أمرٌ أكثر سهولة بالنسبة للقوة الدولية، من إخراج قوة من هناك.

وفي جميع الأحوال، لا يمكن للإنجازات العسكرية وحدها تحقيق هذا الهدف، بل ينبغي ضرورة تشكيل تحالف دولي واسع، تشارك فيه الدول الأعضاء في مجلس الأمن والدول الثمانية والدول المركزية في العالم العربي، لممارسة الضغوط على لبنان وحزب الله وأوصيائه في إيران، كما أن هناك أهميةً للشكلية التي تُفهم بها الترتيبات أو التسويات، فإذا تم اعتبارها على أنها انتصارٌ واضحٌ لإسرائيل وهزيمةٌ لحزب الله، فإن الأمل في قبولها من جانب حزب الله ضعيفٌ جداً حتى لو تلقى ضرباتٍ عسكريةٍ أقوى، من جهة أخرى ينبغي عرض هذه التسويات على أن الهدف الأساسي منها هو استقرار الوضع في لبنان، وإعادة الحياة فيه إلى سابق عهدها، والإعلان عن حزب الله طرفاً شرعياً شريكاً في هذه التسويات، أما عن نقطتي الاحتكاك؛ مشكلة مزارع شبعا (على سبيل المثال يمكن إقناع سوريا والإعلان عن أنها أراضٍ لبنانية)، ومشكلة الأسرى اللبنانيين في إسرائيل، فمن شأنهما المساهمة في قبول التسويات المقترحة.

وعدا عن الصعوبة الكبرى في إقناع حزب الله بقبول التسويات التي أشرنا إليها آنفاً، فإن حكومة إسرائيل هي الأخرى ستجد صعوبةً في القبول، وذلك بسبب سقف التوقعات العالية التي حددتها في بداية الحرب؛ كتجريد حزب الله، وصياغة نظامٍ جديدٍ في لبنان، كما أن من المهم أن تتحدث إسرائيل بنظام تطلعاتٍ واقعي إزاء النتائج المحتملة للمواجهة، واستراتيجية الخروج منها.

ختاماً، يمكن القول إن جميع التسويات التي ستتم صياغتها بعد انتهاء الحرب، ستكون هشةً وغير مستقرةً على المدى البعيد، كما أن تحولاً جذرياً في وضع إسرائيل أمام لبنان، سيبدأ في حال قيام إسرائيل بمعالجة المشاكل الأساسية للساحة الشمالية، أي أن استئناف الحوار مع سوريا ستؤدي إلى استئناف المفاوضات معها، وحتى لو فقدت سوريا كثيراً من قوتها في حزب الله، فإنها لا تزال العنصر الأهم ضمن محور إيران - سوريا بما في ذلك حزب الله، إن إخراج الحلقة السورية من هذا المحور، سيساهم إلى حدٍّ كبيرٍ في إبطال عناصره الأخرى.


ثامناً: دروس الحرب

دروس الحرب– ضرورة تشكيل حلف دفاعي إقليمي

زاكي شلوم

لقد بادرت إسرائيل في أعقاب حملة كادش ضدّ مصر في عام 1956، إلى تشكيل تحالفٍ إقليمي يضمّ كل من إسرائيل، وتركيا، وإيران، والغرب، وإثيوبيا، من منطلق قاسمٍ مشترك يجمعها جميعاً، وهو الخوف من تصاعد قوة الزعيم المصري جمال عبد الناصر، فلقد أدركت هذه الدول أن كلّ واحدةٍ منها ستجد صعوبةً في مواجهة الناصرية المتعاظمة، وأن فرص نجاحها في الصراع ضدّها ستكون أكثر في حال وجود تعاونٍ مشتركٍ بينها، ويشار إلى أن هذا التحالف المذكور لم يكن تحالفاً رسمياً، وإنما قائماً على تفاهماتٍ سياسيةٍ استراتيجيةٍ بعيدة المدى، وتعاونٍ عسكري استخباري وثيق.

لقد مضى على هذا الحلف عقودٌ من الزمن، وكثير من هذه الدول شهدت تحولاتٍ مثيرة، فناصرية الخمسينات تمّ استبدالها الآن بـ "الإسلام المتطرف"، كما حلّ محلّ مصر في هذه الحقبة من الزمن إيران، وحلّ محلّ عبد الناصر أحمدي نجاد، إلا أنه ضمن أي مقارنة يمكن القول دون أي تردد بأن التهديد الحالي من جانب إيران و"الإسلام المتطرف" الذي يواجه الأسرة الدولية بشكلٍ عام، والشرق الأوسط بشكلٍ خاص، يفوق الخطر الناصري إبّان أعوام الخمسينات بأضعافٍ مضاعفة.

لقد كان الخطر الناصري محدوداً ومقصوراً على الشرق الأوسط فقط، في حين أن "الإسلام المتطرف" يهدد العالم بأسره، عدا عن أن الإسلام المتطرف يملك الآن - أو ستكون بحوزته مستقبلاً- قدراتٍ على التحرك والعمل ضدّ القوى الغربية الكبرى عموماً، والشرق الأوسط خصوصاً، وهو الأمر الذي لم تملكه الناصرية في الماضي، والمقصود بذلك "سلاح الإرهاب" خاصة "الوسائل الانتحارية"، إضافةً إلى إمكانية استخدام أسلحة الدمار الشامل.

لقد كشفت لنا حرب لبنان/ 2006 وبشكلٍ مؤلمٍ ووحشي ومصغرٍ نسبياً، التهديدات الخطيرة التي تضعها إيران و"الإسلام المتطرف" أمام الغرب ودول الشرق الأوسط وإسرائيل؛ إذ أن حقيقة تواصل سقوط صواريخ الكاتيوشا دون توقف فوق المناطق الشمالية من إسرائيل، بل في العمق الإسرائيلي -على الرغم من النشاطات الجوية المكثّفة من جانب إسرائيل والعمليات البرية المحدودة غير المجدية- من شأنها أن تشكّل لنا إشارة مرورٍ تحمل تحذيراً خطيراً، إزاء تصاعد قوة إيران كقوةٍ إقليميةٍ في المنطقة؛ إذ أن هذا البلد الذي يملك قدراتٍ نووية سيشكل تهديداً خطيراً جداً ليس لإسرائيل فحسب، وإنما لمنطقة الشرق الأوسط بأسره، بل للدول الغربية أيضاً، مما يجعلنا نفكر ونوجّه الكثير من الأسئلة المتعلقة بكيفية استعداد هذه الدول لمواجهة مثل هذه الأخطار المحدقة بها.

أنا أعتقد أن علينا -ضمن الظروف الراهنة- التوجه نحو تشكيل تحالفٍ دفاعي إقليمي واسع، بالتعاون مع الدول الغربية الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة ويضم الدول التالية: إسرائيل، وتركيا، والسعودية، ومصر، والأردن، ودول الخليج، والولايات المتحدة، وبريطانيا، لكن مع الانتباه إلى ضرورة عدم جعله حلفاً رسمياً، بحيث أن لا توقع أي وثيقة تشير إلى وجوده؛ وذلك لسببٍ بسيط هو أن أطراف التحالف غير قادرةٍ على التعايش معاً ضمن حلف رسمي، إذ أن معظم هذه الدول ستفضل تعاوناً عسكرياً استراتيجياً وثيقاً بعيداً عن الأضواء.

هناك فرضيتان أساسيتان ينبغي أن تكونا مقبولتين لدى الدول الأعضاء في هذه التحالف الإقليمي الجديد:

الفرضية لأولى: هو أن "الإسلام المتطرف" وإيران يشكلان خطراً وجودياً على واحدةٍ من هذه الدول أو أكثر، وأن إطاراً استراتيجياً وعسكرياً من التعاون بينها سيجعلها قادرةً على درء أو مواجهة مثل هذا الخطر؛ إذ أن صورة الأوضاع الراهنة تشير إلى أن كل دولةٍ من هذه الدول تعتقد أن إيران و"الإٍسلام المتطرف" يشكلان خطراً وجودياً، ولكن من الناحية العملية نرى أن هناك توجهاً يشير إلى أن كل دولةٍ تقف في انتظار قيام الأخرى بإخراج حبات الكستناء من النار لصالحها، في حين تقف هي جانباً دون تدخل.

ينبغي عدم مواصلة هذا الوضع الذي تتمكن إيران من خلاله من التملص من الأخطار، ومن ثم تصبح قوةً نوويةً خلال الأعوام القريبة القادمة، وبالتالي ينبغي على هذه الدول الاعتراف بأنها موجودةٌ معاً في قاربٍ واحد، ومهددة بلنسبة ذاتها، صحيح أن إيران تركز تهديدها على دولة إسرائيل لأسبابٍ معروفة، ولكن في نهاية المطاف سيطال هذا التهديد كل دولةٍ تنتمي لهذا الحلف، ومن غير المستبعد أن تختار إيران المواجهة مع دولةٍ أخرى في الحلف غير إسرائيل، وذلك لإدراك إيران لحقيقة قدرة إسرائيل على الرد بقوة حيال أي محاولةٍ للمسّ بها، وعلى كل حال يجب على جميع الدول الأعضاء في الحلف أن تدرك بأن سقوط دولةٍ واحدة، من شأنه أن يشكل تهديداً عليها جميعها ويقرب من نهايتها، مما يلزمها بالتعاون فيما بينها من أجل إبعاد هذا الخطر الذي يتهددها.

الفرضية الثانية: الفرضية الأساسية الأخرى التي  ينبغي أن تكون مقبولةً لدى جميع الدول الأعضاء في الحلف، هي أن مسألة التسوية الإسرائيلية- الفلسطينية من شأنها القضاء على استقرار الحلف، من منطلق أن تجميد العملية السياسية مع الفلسطينيين ليست خياراً واقعياً في الظروف الراهنة، ومن جهةٍ أخرى فإن التوجه نحو تسويةٍ إسرائيلية- فلسطينية دائمة ليست واقعية أيضاً، مما يقتضي بذل جهدٍ كبيرٍ من جانب دول الحلف على صعيد العمل على تحقيق تسويةٍ مرحليةٍ طويلة المدى بين إسرائيل والفلسطينيين؛ لأن مثل هذه التسوية ستؤدي إلى هدوءٍ نسبي على المدى البعيد، وذلك من خلال إرجاء المسائل الخلافية الحرجة إلى مستقبلٍ أبعد، ومع أن مثل هذا الخيار صعب التحقيق، إلا أن من الأفضل تفعيل العملية السياسية بوتيرةٍ حقيقةٍ وتدريجية من خلال الابتعاد عن أي خطواتٍ مثيرة.

من جهة أخرى ينبغي أن تكون الفرضية الأساسية لدى الحلف قائمةً على ذلك الجهد العام للتصدي للتهديد الإيراني و"الإسلام المتطرف"، من منطلق الاعتقاد والإيمان بأن الانتصار في هذه المواجهة سيفرز ظروفاً أكثر ملائمةً للقيام بتسويةٍ إسرائيلية - فلسطينية دائمة.

وفي اعتقادي أن حلفاً واسعاً كهذا وبرعاية الولايات المتحدة فقط، من شأنه أن يضع خطاً دفاعياً يقف في وجه إيران و"الإسلام المتطرف"، لأنه في حال عدم القيام بذلك على المدى القريب، فإننا سنجد دولاً كثيرة في منطقة الشرق الأوسط بل والأسرة الدولية أيضاً، تواجه أخطاراً يكون من الصعب عليها – أو مشكوك في قدرتها على- حماية نفسها بقواها الذاتية وحدها.


أبرز ملامح التصورات الاستراتيجية الإسرائيلية

لحرب لبنان تموز/ يوليو 2006

لقد كانت حرب تموز في لبنان حرباً غير تقليدية بكل المقاييس بشهادة المعلقين الإسرائيليين أنفسهم، إن الإحداثيات التي دفعت باتجاه قيام هذه الحرب كانت جديدة على إسرائيل، فعلى سبيل المثال؛ لأول مرة تخوض إسرائيل حرباً ضد خصمٍ لا يعد دولةً سيادية بل "تنظيم عصابات" -على حد قولهم-، ولأول مرة أيضاً تشعر غالبية الجمهور الإسرائيلي بعدالة هذه الحرب -وإن احتوت على تقصيرات في جوانب عدة- حيث يعتبر الإسرائيليون هذه الحرب من أعدل الحروب التي خاضتها إسرائيل، من جهة أخرى فإن ردود الفعل إزاء هذه الحرب كانت فريدة أيضاً؛ حيث برزت ردود في العالم العربي لم يعتد عليها المواطن العربي ولا حتى إسرائيل نفسها.

منذ اندلاع الحرب في 12 تموز/ يوليو 2006 فاضت أقلام الكتّاب الإسرائيلين في محاولةٍ لتفسير الوضع القائم على الأرض، وفي محاولة لتوجيه الحكومة الإسرائيلية نحو الحل الأنسب الذي يحول دون انفلات خيوط اللعبة من يدها، وقد تركزت آراؤهم على سلسلةٍ من النقاط الجوهرية التي تأخذ حيزاً كبيراً من ساحة الجدل الإسرائيلي حتى قبل الشروع في الحرب، ومن أهم الآراء التي طُرحت آنذاك والتي سادت في الوسط المثقف الإسرائيلي أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الضلعين المركزيين المناوئين لإسرائيل (إيران وسوريا) وذراعهما الضاربة (حزب الله)، بيد أن هناك انقساماً قد حصل في الرأي العام الإسرائيلي إزاء مسألة تحديد الجهة التي أعطت الإشارة لبدء الحرب؛ حيث رأى البعض بأن هذه الجهة هي إيران، بينما رأى البعض الآخر أن إيران لم تعطِ الضوء الأخضر لحزب الله لافتعال الحرب على الرغم من دعمها المتواصل له.

ومن القضايا الرئيسية الأخرى التي سادت وقت الحرب؛ وزن قوة الردع الإسرائيلية وقصور الجهاز العسكري الإسرائيلي، حيث ظهرت تقصيراته في عدد من القضايا؛ كنقص الخطط التي تأخذ بالحسبان كل الاحتمالات الممكنة لأي مواجهة ومن أي نوع كانت، وقصور تجهيز الجيش بالعتاد الحربي خاصة قوات الاحتياط ، وإخفاقات الجانب الاستخباري للجيش.

كما سُلّط الضوء كثيراً على مناعة الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي تلقت ضربة قوية في هذه الحرب مما جعل الأنظار تتوجه إليها، وعلى أهلية الحكومة الإسرائيلية الحالية لخوض حرب بهذا الحجم والنوع خصوصاً وأن المناصب الرئيسية الثلاثة (وهي رئاسة الوزراء، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية) يحتلها أشخاص يفتقرون إلى الخبرة العسكرية والسياسية.

وعلى الجانب الآخر من الساحة ظهرت أفكار أخرى تتعلق بالمسار السياسي الذي أهمل في هذه الحرب كثيراً؛ حيث رأى البعض أن إسرائيل قد تأخرت في مضمار السياسة واهتمت بحلبة المواجهة فقط، كما برزت صيحاتٌ أخرى تدعو إسرائيل إلى تقبّل دفع أثمانٍ كانت وما زالت غير معقولة بالنسبة لحكومات إسرائيل المتعاقبة.

نهاية يمكن القول أن المستويات الإسرائيلية كافة أجمعت على أن هذه الحرب قد أحيت الكثير من القضايا التي كانت مجمدة في الداخل الإسرائيلي، كما وكشفت عن عيوب فادحة يحتوي عليها هذا الكيان المصطنع.


ملحق بتراجم الكتّاب

تسفي شتاوبر

مدير مركز يافي للدراسات الاستراتيجية

لقد تم تعيين د. شتاوبر مديراً لمركز يافي للدراسات الاستراتيجية في شهر شباط 2005، بعد أن عمل لفترة طويلة في قوات الدفاع الإسٍرائيلي و الدوائر الحكومية الأخرى.

كما عمل خمساً وعشرين سنة في الدفاع الإسرائيلي، واستقال برتبة لواء، وكان منصبه الأخير الذي شغله هو مدير مركز يافي للدراسات الاستراتيجية، وكان يشغل قبل ذلك منصب مساعد في قوات الدفاع التابعة للسفارة الإٍسرائيلية في واشنطن، و بعد أن قدم استقالته عمل د. شتاوبر كرئيس لجامعة بن جوريون، و أًصبح بعد ذلك المرشد السياسي لرئيس الوزراء باراك، وقد تم تعيينه في العام 2001 كسفير إسرائيلي في المملكة المتحدة، وهو المنصب الذي شغله حتى منتصف عام 2004، كما كان شتاوبر أحد المفاوضين في مباحثات السلام التي جرت بين إسرائيل والدول العربية، بما فيها المحادثات مع سوريا في شفيرزتاون، والمحادثات مع الفلسطينيين في كامب ديفيد، كما قام أيضاً بتمثيل قوات الدفاع الإسرائيلي في المحادثات المتعددة المتعلقة بأمن المنطقة.

أنهى د. شتاوبر برنامج الإدارة المتقدمة من مدرسة إدارة الأعمال في هارفرد، ويحمل درجة الدكتوراة من مدرسة فلتشر للقانون و الدبلوماسية.

روني بيرت

التحق د. بيرت بمركز يافي عام 2005 كباحث مشارك في العلاقات الأمريكية –الإٍسرائيلية، ويعمل أيضاً في جامعة تل أبيب وفي مركز هرتسليا ذو الاتجاهات المتعددة، كما حاضر ونشر مواضيع مختلفة عن العلاقات الدولية والنظرية السياسية، وقد بدأ عمله في العلاقات الدولية بعد أن عمل لفترةٍ طويلة في قوات الدفاع الإسرائيلي ووصل إلى رتبة عقيد.

يهودا بن مئير

مختص في علم النفس و محامٍ، وعمل د. مئير أستاذاً مساعداً و رئيساً لقسم علم النفس في جامعة بار إيلان، وكان عضواً في الكنيست في الفترة (1971-1984)، كما شغل منصب نائب لوزير الشؤون الخارجية في حكومة بيغن و شامير، والتحق بمركز يافي عام 1984، كما ألّف كتاب بعنوان "العلاقات العسكرية المدنية في إٍسرائيل وصناعة قرار الأمن الوطني: الحالة الإسرائيلية" ، وقد تقلّد في مركز يافي منصب مدير المشروع المتعلق بالرأي العام حول مسائل الأمن الوطني.

شلومو بروم

عمل في مركز يافي كباحث مشارك عام 1998 بعد أن عمل طويلاً في الدفاع الإٍسرائيلي، وشغل في الدفاع الإٍسرائيلي مركز مدير قسم التخطيط الاستراتيجي في فرع التخطيط، وشارك في النشاطات المتعلقة بمحادثات السلام مع الفلسطينيين والأردن و سوريا، وأصبح عام 2000 نائباً لمرشد الأمن الوطني، ثم عمل بعد ذلك في مركز يافي، وقام بتأليف كتاب "إسرائيل و جنوب لبنان: في ضوء غياب معاهدة السلام مع سوريا"، وقد قام بتحرير كتاب "التوازن العسكري في الشرق الأوسط عام 1999-2000" ، بالإضافة إلى كتاب "الاتزان العسكري في الشرق الأوسط عام 2001-2002".

مئير إلران

التحق اللواء مئير إلران بمركز يافي عام 2003، بعد أن عمل لمدة طويلة في قوات الدفاع الإٍسرائيلية في قسم الاستخبارات العسكرية، حيث كان نائباً لمدير قسم الاستخبارات العسكرية في الفترة (1987-1989)، وشارك في النشاطات المتعلقة بمفاوضات السلام مع مصر، وكان عضواً في المفاوضات الإسرائيلية المتعلقة بمحادثات السلام مع الأردن، كما تقلّد عددأ من المناصب الأخرى في قوات الدفاع منها؛ مساعد مدير قسم البحث للتقييم، ونائب قائد الدفاع الإٍسرائيلي في كلية الدفاع الوطنية، كما عمل أيضاً مرشداً في العديد من الوزارات الإٍسرائيلية، ومن ضمنها وزارة التعليم، ووزارة الأمن الداخلي، بالإضافة إلى مجلس الأمن الوطني الإسرائيلي، حيث ركّز على القضايا الاجتماعية المتعلقة بالأمن الوطني.

مارك أ. هيلر

د. هيلر مدير بحث مشارك في مركز يافي، ومحرر لـ "مذكرات تل أبيب"، انضم لمركز يافي منذ العام 1979، وعمل محاضراً في موضوع العلاقات الدولية في جامعة تل أبيب وفي الجامعات الرائدة في الولايات المتحدة، وكانت معظم كتاباته متعلقة بالقضايا الاستراتيجية وسياسة الشرق الأوسط، من كتبه "أوروبا والشرق الأوسط: مسارات جديدة للسلام"، "تسوية الدولتين في الصراع الإسرائيلي –الفلسطيني"( بالتعاون مع ساري نسيبه)، "التوازن العسكري في الشرق الأوسط"، (تم تحريره عام 1983-1985)، وحالياً يشغل مركز عضو في اللجنة الموجهة للاتحاد الشرق أوسطي-الأوروبي لمراكز أبحاث السياسة الخارجية.

أفرايام كام

نائب مدير مركز يافي، تقلد د. أفرايام منصب عقيد في قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية لجيش الدفاع الإٍسرائيلي حتى العام 1993، والتحق بعد ذلك بالعمل بمركز يافي، كما تقلّد منصب مساعد المدير لقسم الأبحاث للتقييم، وعمل محاضراً في كلية الدفاع الوطني، وكان مختصاً بالقضايا الأمنية للشرق الأوسط والاستخبارات الاستراتيجية والمواضيع الأمنية الوطنية لإسٍرائيل، ألّف كتاباً بعنوان "الهجوم المدهش: منظور الضحية" وقد تم إصداره من قبل مطبعة جامعة هارفارد، ونال جائزة أفضل كتاب للعام 1988 في القضايا الاستخبارية من مركز دراسات الاستخبارات الوطنية في واشنطن، و قد كتب أيضاً كتاباً بعنوان "من الإرهاب إلى القنابل النووية: أهمية التهديد الإيراني".

إميلي لاندو

د. لاندو هي مديرة تنظيم القوات العسكرية ومشروع الأمن الإقليمي في مركز يافي، وقد عملت في المواضيع المتعلقة بالتنظيم الأمني ومشروع الأمن الإقليمي، ومنظور العرب نحو القوة النوعية لإٍسرائيل، والعلاقات المصرية –الإٍسرائيلية، وسياسة التنظيم في القوات المسلحة الإٍسرائيلية، وتنظيم القوات المسلحة، كما كانت من ضمن مجموعة العمل في قضية الأمن الإقليمي في عملية السلام في مدريد، تتركز أبحاثها في الوقت الحالي على التحركات الإقليمية، بالإضافة إلى العمليات في الشرق الأوسط، والتطورات في التفكير المتعلق بتنظيم القوات المسلحة، وقد شاركت في تأليف كتاب "التصور النووي لإسرائيل: التصورات العربية للوضع النووي في إسرائيل"، وقامت بتأليف كتاب "مصر وإسرائيل، في تنظيم القوات المسلحة و الأمن الإقليمي - الاهتمام المزدوج في عملية قيادة القوات المسلحة الإقليمية".

يورام شفايتزر

خبير في "الإرهاب الدولي"، التحق بفريق البحث في مركز يافي عام 2003، حاضر في المواضيع المتعلقة "بالإرهاب"، كما أصدر العديد من الكتب عنها، بالإضافة إلى تقديمه الاستشارات للوزارات الحكومية، ويتضمن اختصاصه ظاهرة التهديد الصادر من قبل ابن لادن و"الإرهاب الانتحاري"، و"إرهاب الدول الداعمة للإرهاب"، وقام بتأليف – بالتعاون مع شاول شاي- "الاندهاش المتوقع: تداعيات أحداث 11 سبتمبر".

زاكي شلوم

هو أحد أعضاء مركز يافي وباحث مرموق في مركز دراسات "بن غوريون" في جامعة بن غوريون" ، أصدر الكثير من المؤلفات المتعلقة بسياسة الدفاع الإسرائيلية، والصراع العربي‑الإسرائيلي، ودور القوى العظمى في الشرق الأوسط، وكان عمله مركزاً على الخيار النووي الإسرائيلي تاريخياً و في الوقت الحاضر، من مؤلفاته الحديثة : "القوى العظيمة: إسرائيل ومستقبل الأردن، 1960،1963" و" دافيد بن غوريون، دولة إسرائيل، والعالم العربي 1949-1956"، و"الخيار النووي الإسرائيلي: ما وراء المشهد الدبلوماسي بين ديمونا وواشنطن".

يفتاح شفير

التحق بمركز يافي عام 1993 كمشارك في مشروع المركز المتعلق بالأمن وتنظيم القوات المسلحة، حيث بدأ بعد ذلك الانتشار الكبير لأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، عمل مديراً لمركز يافي لمشروع التوازن العسكري في الشرق الأوسط، وهو مسؤول القسم المتعلق بنوعية التوازن العسكري السنوي في الشرق الأوسط، ونوعية البيانات المتوفرة على موقع يافي الإلكتروني، كما عمل أيضاً موظفاً في سلاح الجو الإٍسرائيلي، و لديه خلفية واسعة عن تكنولوجيا المعلومات وبحوث العمليات.


* موقع مركز يافي للدراسات الاستراتيجية على شبكة الإنترنت، http://www.tau.ac.il/jcss/

[1] موقع مركز يافي للدراسات الاستراتيجية على شبكة الإنترنت، http://www.tau.ac.il/jcss/

* انظر الجدول رقم (1): وسائل قتالية صاروخية في ساحة القتال- ميزات أساسية.


العناوين العبرية للدراسات

מאמרים בעברית

1.טישטוש בקביעת המנצח במאבק מול גרילה וטרור, יורם שוויצר, אוגוסט 2006

2.אסטרטגיה חדשה למזרח תיכון שונה, אורי בר-יוסף, אוגוסט 2006

3.האם מתבקש שינוי כיוון בעמדותיה של ישראל כלפי לבנון, זכי שלום, אוגוסט 2006

4.מלחמת "עד כאן": דיפלומטיה בפיגור; דיפלומטיה עכשיו!, רוני ברט, אוגוסט 2006

5.חזבאללה ביום שאחרי – גרילה, טרור ומלחמה תודעתית, יורם שוייצר, אוגוסט 2006

6.מלחמת עד כאן: ארצות-הברית לקראת מהלך מסובך, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, רוני ברט

7.מדיניות ממשלת ישראל ומטרות המלחמה, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, יהודה בן מאיר

8.הסדרים אפשריים לסיומה של המלחמה בצפון, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, שלמה ברום

9.קונספציות ושברן – מלחמת לבנון כאבן בוחן, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, זכי שלום

10.   תגובות בעולם הערבי: טשטוש הקווים המסורתיים, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, אמילי לנדאו

11.   ההרתעה ומגבלותיה, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, יאיר עברון

12.   העימות עם חזבאללה, העימות עם חמאס ומה שביניהם, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, מרק הלר

13.   לחזור לקרקע המציאות: על כמה ממגבלות הכוח האווירי בלחימה בלבנון, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, נועם אופיר

14.   הנשק הרקטי במלחמה-האם כדאי לפתח ?אמצעים ליירוט רקטות, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, יפתח שפיר

15.   העורף הישראלי כמרכיב מרכזי בעימות עם חזבאללה, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, מאיר אלרן

16.   הקונפליקט העדתי בלבנון ומעמדו העתידי של חזבאללה, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, איימן מנצור

17.   האייתאללה, החזבאללה, וחסן נסראללה: איראן כשחקן מרכזי, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, אפרים קם

18.   המשבר בלבנון – סיכום ביניים, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, צבי שטאובר

19.   לקחי המלחמה: הכורח בהקמת ברית הגנה אזורית, עדכן אסטרטגי אוגוסט 2006, זכי שלום


لتحميل الملف كاملا بصيغة Pdf اضغط هنا

عودة للصفحة

 
 
 

 

جائزة البحث العلمي

المؤسسة الأردنيـة

للبحوث والمعلومات

 

مجلـة دراســات

شـرق أوسطيــة

 

الندوات والمؤتمرات

حلقــات نقاشيـة

الحفل السنوي للمركز

من إصداراتنا

 

العلاقات التركية- الإسرائيلية وتأثيرها على المنطقة العربية

 


حق عودة اللاجئين الفلسطينيين بين النظرية والتطبيق

إسرائيل ومستقبلها حتى عام2015م
تداعيات حصار غزة وفتح معبر رفح

اتجاهات التحول في توازن القوى السياسية والاجتماعية في الديمقراطية الأردنية


نحو توافق فلسطيني لتحريم الاقتتال الداخلي

 

 

 

 

 

 

 

Designed by Computer & Internet Department in MESC.Latest update   July 08, 2010 12:14:09