[TempPage/template.html]
[TempPage/template.html]

 

Text Box:  

تحليل

التداعيات الإقليمية للاجتياح الأمريكي المتوقع للعراق*

      تجتاح منطقة الشرق الأوسط منذ الربع الثاني من العام 2002 موجة من الرعب والخوف والهلع، تسببت في إثارته التهديدات الأمريكية والحشود التي تلتها ، والحملة الإعلامية الدولية المنظمة، كما أسهمت الجهود الأمريكية الأكاديمية والإعلامية على حد سواء في تضخيم حجم هذه الموجة.

      وقد أدى هذا الجو المشحون إلى إرباك واضح في الوضع السياسي والاقتصادي في المنطقة، دفعت مكونات المنطقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية إلى التراجع عن برامجها الخاصة بالتنمية والتطوير وتنمية الديمقراطية والتعامل مع إشكالات حقوق الإنسان والحريات، إلى إعلان نوع من حالة الطوارئ يبرر للحكومات ما تفعله بحجة هذه الحرب.

وتسارعت دقات طبول الحرب في واشنطن ليتعاظم صداها في المنطقة مؤثراً على إيقاع الحركة فيها، برغم اتخاذ مجلس الأمن الدولي لقرار تاريخي جائر غير مسبوق بحق العراق، يستبيح سيادته ويتجاوز فيه الأعراف الدولية والقيم الإنسانية في التعامل بين الأمم والشعوب، وقد قبل العراق بهذا القرار في محاولة منه لنزع فتيل الأعذار الأمريكية الاتهامية الدائمة له، واستجابة لضغوط عربية وإسلامية متواصلة عليه بوصفه  الطرف الأضعف في الأزمة القائمة.

وهكذا عاشت المنطقة شهورها التسعة الماضية في ظل دخان المعارك والحروب، وتكاثرت السيناريوهات والتوقعات ومحاولة رسم النماذج وتوقع الخرائط في المنطقة إزاء طبيعة الحرب وطبيعة مواقف الأطراف المختلفة فيها، غير أن حالة الرعب والخوف وترجيح النجاح الأمريكي في إسقاط النظام في العراق هي سيدة التحليل وخلفية مختلف المواقف.

وتشير الدراسة الأولية للخارطة السياسية المحيطة بالعراق إلى أن دولها تنقسم إلى مجموعات ثلاث، الأولى وتضم كلا من إيران وتركيا، وهما الجارتان الأكثر قوة وأهمية في الوضع الاستراتيجي في المنطقة، ولكن لكل منهما نظرته الخاصة تجاه العراق، فتركيا تتحسس من أكراد العراق وإمكانية تحولهم إلى دولة مستقلة تشجع الأكراد الأتراك على المطالبة بالمثل، وهو ما تعتقد تركيا أنه سيسبب لها نزيفا أمنيا واسعا، واضطرابات سياسية واجتماعية وهي التي لا تزال في حرب مع الفصائل الكردية التركية التي تطالب بعدد من الحقوق كأقلية، وإيران التي لديها جزء من هذه المشكلة، ناهيك عمق خلافاتها وصراعاتها مع بغداد كانت حرب 1980-1988 أبرز معالمها.

والمجموعة الثانية وهي التي تمثل الأردن وسوريا، وهما الجاران العربيان الأكثر ارتباطا عملياً واقتصادياً واستراتيجياً بالعراق، فالأردن كان ولا يزال يتمتع بمصدر دخل كبير من التجارة مع العراق، كما انه يتمتع بتسهيلات وإعفاءات خاصة جدا في مجال النفط تصل إلى 800 مليون دولار سنويا، ناهيك عن ارتباط البنية السياسية الأردنية بالموقف العراقي المناهض لأمريكا، كما تبدت بوضوح إبان حرب الخليج الثانية ضد العراق عام 1991، وهو المرتبط بالقضية الفلسطينية داخليا وخارجيا وتقوم على حدوده الغربية الطويلة كيان يعادي العراق ويعادي طموحات وآمال الشعب الأردني والفلسطيني على حد سواء، وهو المتضرر الثاني مباشرة بعد العراق من هذه الاضطرابات حسبما يعتقد القياديون في الحكومة الأردنية.

أما سوريا فتتمتع بعلاقات اقتصادية تصل قيمتها إلى 2 مليار دولار مع العراق، وهي التي تعتبر العراق عمقاً استراتيجياً وشريكاً فكرياً لها في المواجهة مع المشروع الصهيوني، كما أنها لم تلبث أن أعادت علاقاتها المقطوعة مع العراق بسبب الخلافات الحزبية القديمة، وتستشعر خطورة سقوط الحكم العراقي بأيدي فئات حليفة لإسرائيل تطبق عليها الكماشة فعلا إزاء عملية السلام، وفي المستوى الاستراتيجي كذلك.

أما المجموعة الثالثة فهي الكويت والسعودية، وهما الدولتان الخليجيتان الوحيدتان اللتان تقعان على حدود العراق الجنوبية والجنوبية الغربية، واللتان تتأثران بشكل مباشر بأي تغيرات تصيب البنية السياسية، كما انهما يتمتعان بعلاقات خاصة مع الولايات المتحدة وتقيم الولايات المتحدة فيهما قواعد عسكرية يتوقع أن تكون منطلقا مهما جدا لأي هجمات ضد العراق في حال اتخاذ قرار الحرب، وتتعرض الدولتان لضغوط أمريكية كبيرة جدا لتوسيع دائرة التعاون معها في خطتها لإسقاط النظام في العراق، كما انهما ستكونان ساحة حرب أساسية تتأثر بيئيا وإنسانيا بكل مكونات الحرب المتطايرة سواء فيما يتعلق باليورانيوم أو الأسلحة الكيماوية أو الأسلحة البيولوجية وغيرها. كما انهما الطرف الذي يعيش خلافات اكثر حدة مع العراق من بين الدول العربية، وتستخدم الولايات المتحدة هذه الخلافات كجزء من مبررات توجهها في إسقاط النظام في العراق. 

ولبيان طبيعة النتائج المتوقعة من أي اجتياح أمريكي للعراق على المنطقة برمتها، فان الدراسات التي أجريت حتى اليوم تحذر من مخاطر هائلة تصيب الزرع والحيوان والإنسان اكثر مما تصيب النظام العراقي ذاته، وان هذه النتائج ليس لها أي ضوابط يمكن التحكم بها، بل هي اندفاع تيار قد تدمر ما يكون في طريقها. ويشار في هذا المقام إلى أن دول الجوار العراقي الستة تدرك جيدا المخاطر الناجمة عن هذه المغامرة الأمريكية الجديدة في المنطقة، وتشير دراسات أمريكية وعربية إلى أن الولايات المتحدة التي تفكر بشكل جاد في السيطرة على النظام الدولي ومصادر الطاقة والأسواق في العالم للمائة عام القادمة تعتقد أن الفرصة مواتية لتغيير الخارطة السياسية والجغرافية في المنطقة لمصلحة هذه التوجهات، وبرغم أن التيار الذي يتبنى هذه التوجهات في غالبه من اليمين المسيحي المتصهين غير أنها تحظى بتأييد كبير نسبيا في الأوساط الأمريكية الحكومية والأوساط العامة، وكل يتوقع تحقيق الأرباح الضخمة والهائلة، إن على صعيد الأسواق أو لتعمير ما تدمره الحرب أو للاستفادة من فرص مصادر الطاقة، حيث أن المقياس الأمريكي الأكثر سيادة في رسم السياسة الخارجية هو التجارة والمال والاقتصاد، وليس البعد الإنساني أو الحضاري، وهو ما تمثله الشركات العابرة للقارات الأمريكية في أوروبا وجنوب شرق آسيا وفي الشرق الأوسط.

من جهة ثانية وبرغم إدراك دول كبرى أخرى كفرنسا وروسيا والصين ودول صناعية رئيسية كألمانيا واليابان وكندا وإيطاليا لمخاطر التوجهات الأمريكية غير أنها لا تقف معارضة بقوة لمنعها من التنفيذ في ظل احتمالات النجاح الراجحة لديهم من جهة، وحتى لا تخسر علاقاتها مع الولايات المتحدة من جهة أخرى، مما يسقطها من دوائر الرهان العربي الإسلامي لمنع الحرب، ومن دوائر التخطيط الأمريكي كطرف معيق لها، وعليه فإن الأمريكيين يعتقدون أن الطريق ممهد لتغيير النظام في العراق ومن ثم تغيير البنية السياسية والجغرافيا السياسية والاقتصادية في المنطقة، وانهم سينجحون في إعادة بناء القيم الجديدة للعالم في القرن الواحد والعشرين وفق ما يحقق المصالح الأمريكية ويرفع من مستوى رفاهية شعبها.

 والغريب أن حسابات الفشل المرعبة إن على صعيد الاستقرار السياسي والأمني والتي لا ضمانات لها ،كما في أفغانستان وهي مثال اقل ضراوة من العراق أمام الأمريكيين، أو على الصعيد الاقتصادي فيما يتعلق بالاستنزاف واللعب بأسعار النفط في الأسواق العالمية، وربما في العلاقات الحضارية بين الشعوب التي تعمل بعض الأدوات الأمنية الأمريكية على إشعال نار فتنتها وحربها من اليوم على صفحات الكتب، وفي العالم كما يفعل صموئيل هنتنغتون، برغم كل هذا الخطر غير أن الاتجاه العام يقلل كثيرا من النتائج السلبية المترتبة، فيما يشير إلى عدم اعتبار الرأي العام إلا من زاوية الاستهلاك وليس  كمصدر الهام لاتخاذ القرار داخل أمريكا، ويعتقد البعض أن هذه الحرب المشرعة التي تشن على المنطقة العربية والإسلامية إنما هي لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي المنهار من جهة ولدعم موقف الرئيس في الانتخابات القادمة -بفرض نجاحها- لنيل فترة رئاسية ثانية على حساب الشعوب العربية والإسلامية.

من جهة أخرى فإن الشلل الذي أصاب عجلة الاقتصاد في دول عربية رئيسية مثل مصر، وإسلامية مجاورة مثل تركيا، يثير الشكوك حول قدرة هذا الاقتصاد والاقتصاديات المرتبطة به في المنطقة على الصمود أمام حرب واستنزاف جديد لا يعلم بالضبط الحجم والمدى والمستوى الذي ستصل إليه، مما يثير الخوف الكبير من الانهيار الاقتصادي وما يتبعه من انهيار اجتماعي وسياسي، يجعل المنطقة تتخبط في ظلام من عدم الاستقرار وتعيد عقاربها إلى الوراء في مجالات النمو والتقدم الحضاري والتعايش تحت مظلة السلم الاجتماعي، كما تشغل الجانب العربي في سوريا ومصر والسعودية عن القيام بدورها الطبيعي في دعم كفاح الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي، والذي تتخوف أوساط مطلعة من توجهات إجرامية لديه بتنفيذ مذابح جماعية ضخمة ضد الفلسطينيين من جهة، وإمكانية قيامه بتهجير مئات الألوف من ديارهم في الضفة الغربية وغزة من جهة ثانية، وبالطبع في حال تدحرجت عجلة الحرب وتداعت نتائجها  وحفلت فتراتها بمفاجآت غير محسوبة كما يتوقع، فإن الإمكانية العربية لمنع هذا السيناريو على الصعيدين السياسي والعملي تكون قد وصلت إلى الصفر، وهو ما سيثير القلق وعدم الاستقرار في المنطقة مجتمعة لن تسلم من نتائجه السعودية ومصر كما الأردن وتركيا وسوريا وإيران والعراق والكويت.

من جهة أخرى فإن ما تعتقده بعض الأوساط في الدول المجاورة للعراق بوصف هذا التغيير فرصة سانحة لها لتحقيق بعض المكاسب سواء في المجال الأمني والإنساني أو الاقتصادي أمر لا ضمان له، وتجربة التدخل الأمريكي في العالم تشير إلى فشل بتحقيق روح الإنسانية في أي بقعة تدخلت فيها، كما في الصومال والبوسنة وكوسوفا وأفغانستان. أما ما يُطمع البعض في شمال العراق من نفط وسيطرة من جهة، وربما توسيع السيطرة على العارض من جهة اخرى، فيعتقد انه مغنم محدود ومؤقت لا تسمح به حتى الولايات المتحدة نفسها.

ولذلك فان التجاوب العربي والإسلامي متفاوت المستوى مع التوجه الأمريكي يعني أن هذه الدول والأنظمة تدمر نفسها بنفسها، وهي التي تتذرع بهذه المشاركة لحماية نفسها حسبما تظن. فعراق جديد مقسم أو ممزق أو مدمر -لا فرق- تحت حكم جديد تعيّنه الولايات المتحدة، وتحقق فيه إسرائيل نفوذا كبيراً، وربما تدفع القضية الفلسطينية على قواعد التوطين ثمنا كبيرا له، فإن هذه الدول قد تقع تحت دائرة الاستجابة لكل المطلوب أمريكيا على مدى العقود القادمة، والعودة من جديد إلى دوامة عدم الاستقرار التي لم تتمكن مختلف السيناريوهات من صدها بدقة، أو تقدير مداها وحجمها وفترتها الزمنية الممكنة.


* جواد الحمد، مجلة دراسات شرق أوسطية، العدد (22  شتاء 2003/2004 .

 أعلى الصفحة  عودة للصفحة

 
[TempPage/template.html]
[TempPage/template.html]